لماذا يضعف الين إلى هذه الدرجة وما أثر ذلك على اليابان؟

سياسة البنك المركزي الياباني استثناء بين الدول الكبرى التي تحارب التضخم

عميل يبرز ورقة نقدية فئة 1000 ين ياباني عند الشراء من متجر "أكيداي واي كيه" في طوكيو، باليابان.
عميل يبرز ورقة نقدية فئة 1000 ين ياباني عند الشراء من متجر "أكيداي واي كيه" في طوكيو، باليابان. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انخفضت قيمة الين إلى ما يزيد على 140 مقابل الدولار لأول مرة في ربع قرن تقريباً، ويرجع ذلك بالأساس إلى أن بنك اليابان المركزي يحافظ على أسعار الفائدة عند مستويات متدنية للغاية بينما يقوم الاحتياطي الفيدرالي وبنوك مركزية أخرى بزيادة أسعار الفائدة بمعدلات كبيرة.

زيادة الأسعار في اليابان أقل كثيراً من الزيادة في الولايات المتحدة، ويعتقد بنك اليابان أنه بحاجة لأن يبذل جهوداً أكبر بهدف ترسيخ فكرة التضخم في عقول المستهلكين والشركات بعد سنوات من الانكماش.

غير أن هبوط الين التاريخي أفاد الاقتصاد والشركات والمستهلكين وأضر بهم جميعاً. وتثير سرعة تراجعه أسئلة حول ضرورة أن يقوم صناع السياسة بوقف تدهوره عبر التدخل في أسواق العملة، أم أن عليهم تغيير سياسة بنك اليابان المركزي.

1. لماذا ضعفت قيمة الين إلى هذه الدرجة؟

أهم أسباب ذلك هو توجه الولايات المتحدة إلى رفع أسعار الفائدة، في حين مازالت أسعار الفائدة اليابانية منخفضة، ما يجعل الأصول المقوّمة بالدولار الأميركي أشد جذباً بالنسبة للمستثمرين. فقد قفز عائد سندات الخزانة الأميركية مع رهان المتعاملين على استمرار الاحتياطي الفيدرالي في زيادة أسعار الفائدة بمعدلات قوية، بينما يحدد بنك اليابان سقفا بنسبة 0.25% على عائد سندات الحكومة لأجل 10 سنوات.

السندات الأميركية تستعد لأكبر خسارة في عقود مع استمرار تشدد "الفيدرالي"

مازال الانتعاش الاقتصادي في اليابان معتدلاً نسبياً كما أن العجز التجاري لديها حالياً يعزز الضغوط نحو انخفاض قيمة الين.

2. لماذا لا ترفع اليابان أسعار الفائدة؟

محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا كرر في أحاديثه أن الوقت مازال مبكراً أمام الحد من السياسة النقدية التوسعية لأن المعركة الطويلة لمواجهة الانكماش لم تنته بعد.

تسارع معدل التضخم حتى تجاوز مستهدف البنك المركزي الياباني الذي يبلغ 2%، غير أن البنك يقول إن هذا الاتجاه ليس مستداماً، متوقعاً انخفاض نسبة التضخم دون المعدل المستهدف خلال العام الذي يبدأ في أبريل 2023.

تسارع التضخم بأكثر من هدف بنك اليابان البالغ 2%

يصر كورودا على أن البلاد تحتاج إلى زيادة أعلى في الأجور حتى تحقق استقرار معدل التضخم.

صرح كورودا أيضاً بمخاوفه بشأن الانخفاض المفاجئ في قيمة الين، غير أنه قال بوضوح إن قيمة العملة لن تدفع بنك اليابان إلى تغيير سياسته.

3. ماذا يعني ضعف الين بالنسبة لأداء الاقتصاد؟

بوجه عام، يصب انخفاض قيمة الين في مصلحة الشركات اليابانية الكبيرة التي تمتلك أنشطة عالمية لأنه يرفع من قيمة الأرباح المحولة من الخارج. وقد ارتفعت أرباح الشركات اليابانية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1954، جزئياً بفضل تراجع قيمة الين.

كذلك، قد يساعد ضعف العملة نشاط السياحة عبر زيادة القوة الشرائية للسائحين القادمين من خارج البلاد، غير أن اليابان لم تستفد بعد من هذه الميزة بسبب الضوابط التي تفرضها على الحدود ارتباطاً بانتشار جائحة كورونا.

من الناحية الأخرى، يرفع ضعف الين من تكلفة واردات الطاقة والغذاء، ما يلحق أضراراً بالمستهلكين الذين لا تزيد أجورهم بنفس وتيرة الزيادة في تكاليف المعيشة. ذلك القلق المتعاظم تسبب في تراجع الدعم الشعبي لرئيس الوزراء فوميو كيشيدا. فقد ساند رئيس الوزراء سياسة بنك اليابان عبر زيادة الإنفاق الحكومي للحد من تأثير الزيادة في الأسعار.

اليابان تسجل عجزاً تجارياً للشهر الـ11 بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وضعف الين

هذا ما يجعل اليابان استثناءً بين الاقتصادات الكبرى الأخرى التي تركز على تطبيق سياسة نقدية تستهدف تخفيض معدل التضخم.

4. ما معنى ذلك بالنسبة إلى كورودا؟

مع استمرار الدعم من جانب الحكومة، ينتظر أن يحافظ كورودا على أسعار الفائدة دون تغيير إلى حد كبير حتى تنتهي فترة ولايته في أبريل القادم، حتى إذا واصلت العملة اليابانية هبوطها.

في أغلب الأحوال، يشير محافظ البنك المركزي إلى أن وزارة المالية هي المسؤولة عن الأمور المتعلقة بالنقد الأجنبي، وليس بنك اليابان.

كذلك يساعد انخفاض تكلفة الاقتراض كيشيدا على الاستمرار في زيادة الإنفاق العام حتى يساعد الاقتصاد الياباني على التعافي من آثار تفشي الجائحة.

5. هل تستطيع الحكومة أن تتدخل؟

لم يلمّح وزير المالية شونيتشي سوزوكي إلى أي تدخل مباشر في أسواق العملة كاحتمال وشيك. وإذا لم تتدخل الحكومة في الأسواق بهدف دعم الين، ستكون تلك هي المرة الأولى منذ عام 1998، عندما اشتركت مع الولايات المتحدة في حملة منسقة وكبيرة لشراء العملة اليابانية.

يأمل سوزوكي ومسؤولون آخرون أن تكفي التحذيرات الشفهية في إبطاء موجة الهبوط الحالية في قيمة الين.

مع تركيز الولايات المتحدة على مكافحة التضخم، وارتباط ضعف الين إلى هذه الدرجة بالسياسة النقدية اليابانية، فإن تدخلاً مشتركاً مع الولايات المتحدة يواجه شروطاً أصعب. أما التدخل من جانب واحد بهدف رفع قيمة الين، فقد أثبت في الماضي أنه غير فعال إلى حد بعيد.

6. هل يمكن أن ينخفض الين أكثر من ذلك؟

إن المسألة تتعلق بإلى أي مدى سيرفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة. فكلما أصبحت عوائد سندات الخزانة الأميركية أشد انحداراً، زادت الفجوة في أسعار الفائدة بين اليابان والولايات المتحدة مع حفاظ بنك اليابان على الحد الأقصى الذي يفرضه على عوائد السندات المحلية.

دفعت زيادة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة المستثمرين في أوائل العام إلى المراهنة على أن اليابان ستسير في نفس الاتجاه. ورغم أن الرهان على تغيير السياسة في نهاية المطاف مازال قائماً، فقد انحسر كثيراً بعد أن كشف بنك اليابان مرة بعد أخرى عن التزامه بالدفاع عن الحد الأقصى على عائد السندات الحكومية.

حديث متشدد لـ"باول" يربك توقعات رفع الفائدة الأميركية

ربما يتوقف هبوط الين بمجرد أن يكف المستثمرون عن الرهان على زيادة الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة أو أن تسقط الولايات المتحدة في هاوية الركود، فتضعف قيمة الدولار.