عمليات الإنقاذ المالي تُنهي النظرة التشاؤمية تجاه الأسواق الناشئة

تقدم مفاوضات "صندوق النقد" مع الدول المتعثرة والإعفاءات الصينية من الديون عززا حالة التفاؤل

بائع فاكهة متجول تغمره الأمطار بروالبندي في باكستان
بائع فاكهة متجول تغمره الأمطار بروالبندي في باكستان المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يكون من السابق لأوانه تحول مسار الأسواق الناشئة نحو الصعود، لكن زخم عمليات الإنقاذ التي تعهد بها صندوق النقد الدولي والصين دفع بعض المستثمرين إلى الإقرار بأن توقع استمرار التراجعات أمر محفوف بالمخاطر.

على مدار الأسبوعين الماضيين، وعقب شهور من المفاوضات، بدأ صندوق النقد الدولي التقدم ببطء نحو إبرام اتفاقيات تمويل مع بعض الدول الأكثر عُرضة للتعثر- باكستان وسريلانكا وزامبيا ومصر وتشيلي – وتزامن ذلك مع تخلي الصين عن تحفظها بشأن إلغاء الديون، حيث أعلنت إلغاء ديون 17 دولة أفريقية وإعادة توجيه رصيدها لدى صندوق النقد الدولي لمساعدة القارة.

رغم انتظار بعض الدول، وانتقاد رئيس وزراء أوكرانيا، يوم السبت، بطء وتيرة تقدم صندوق النقد الدولي نحو الموافقة على حزمة مساعدات جديدة للدولة التي مزقتها الحرب، إلا أن الدعم الذي قدمه الصندوق أحرز تغيراً دراماتيكياً في فرص الدول الفقيرة التي كانت، حتى أسابيع قليلة، تبدو مقبلة على موجة تخلف عن سداد الديون حتمي، لتتحول مواقف التعثر وتشهد الآن تغيراً نحو الاستقرار، الأمر الذي يعزز عودة المستثمرين بحذر إلى أصول تلك الدول، وهو ما انعكس على تراجع المؤشرات الدالة على النظرة التشاؤمية والمتمثلة في التدفقات الخارجة لرأس المال وعلاوات المخاطرة.

التحول للتعافي

قال أنيندا ميترا، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي والاستثمارات الآسيوية في "بي إن واي ميلون إنفستمنت مانجمنت" (BNY Mellon Investment Management) في سنغافورة: "شهدنا انتعاشاً في سندات الأسواق الناشئة المقومة بالدولار مع التحول الملحوظ في استجابة صندوق النقد الدولي للتحديات التي تواجه تلك الأسواق، ما يساعد في تحول معنويات بعض المستثمرين لتصبح أكثر حيادية تجاه الأسواق الناشئة بدلاً من النظرة التشاؤمية".

تزايدت وتيرة بيع سندات الأسواق الناشئة المقومة بالدولار بشكل حاد هذا العام لدرجة تخطيها خسائر الأزمة المالية في 2008، حيث انخفض مؤشر "بلومبرغ" للسندات بأكثر من 16% مقترباً من تسجيل أسوأ عام على الإطلاق، وحلت الدول التي تخلفت عن سداد ديونها أو التي تكافح لسداد ديونها مثل سريلانكا وباكستان ولبنان وغانا وبيلاروسيا بقائمة أكبر 10 دول خاسرة.

اقرأ أيضاً: سندات الخزانة تسترجع تقلبات عصر الأزمة المالية العالمية

منذ منتصف يوليو، تراجعت سيطرة المستثمرين المتشائمين على الأوراق المالية، ما سمح لها بالتعافي، إذ ارتفع المؤشر القياسي 2.9%، بينما أظهرت بيانات "جيه بي مورغان" انخفاض العائد الإضافي على السندات السيادية إلى عائد سندات الخزانة بنحو 102 نقطة أساس من أعلى مستوى في عامين عند 593 نقطة، كما ارتفع المؤشر الذي يتتبع تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة بأكثر من 4%.

تعاون ثنائي

يعزز أيضاً الدعم الدولي الثنائي من تخفيف حدة مخاوف التخلف عن السداد، حيث قدمت الهند مليارات الدولارات من المساعدات الطارئة إلى سريلانكا، كما حصلت باكستان على 9 مليارات دولار من الاستثمارات والقروض من الشرق الأوسط، كذلك حصلت مصر على أكثر من 22 مليار دولار من حلفائها بدول الخليج.

اقرأ أيضاً: مصدر حكومي لـ"الشرق": مصر تخطط لإصدار سندات دولية بـ6 مليارات دولار

تزامن ذلك مع إعلان الصين إلغاء 23 قرضاً بدون فوائد قدمتها للدول الأفريقية وإعادة توجيه 10 مليارات دولار من أرصدتها لدى صندوق النقد الدولي، ما يمنح القارة ارتياحاً كبيراً، حيث تظهر بيانات البنك الدولي استحواذ بكين على نحو 40% من الديون الثنائية والخاصة، التي تحتاج أفقر دول العالم إلى سداد أقساطها هذا العام.

بدأت أصول الدول المتعثرة في الاستفادة من تراجع الرهان على إمكانية التخلف عن السداد بشكل متزايد.

الدولار والفائدة

سجلت عملة زامبيا، "كواشا" ثاني أفضل أداء مقابل الدولار بين عملات العالم بعدما ارتفعت 8.5% هذا الربع عقب الموافقة لزامبيا على خطة إنقاذ بقيمة 1.3 مليار دولار، وتقترب مكاسب البيزو التشيلي من "كواشا"، حيث ارتفعت 3.7%. أيضاً، كما قفزت الروبية الباكستانية 8.2% في أغسطس، لتسجل أفضل أداء في العالم. في المقابل، سجلت عملة غانا، الدولة المتعثرة التي لم تصل إلى صفقة مع صندوق النقد الدولي حتى الآن أسوأ تراجع. بينما تعافت سندات سريلانكا من سيطرة عمليات البيع مع وضع حملة السندات استراتيجية للوصول لأفضل صفقة ممكنة ضمن عملية إعادة الهيكلة.

اقرأ أيضاً: الصناديق تواصل التخارج من عملات الأسواق الناشئة "الخطرة"

رغم ذلك، لن يعود المستثمرون العالميون بالكامل إلى الأصول طالما لم يبدأ التراجع المتواصل للدولار، واستمرت توقعات رفع أسعار الفائدة الفيدرالية دون تغيير، لكن مع تحرك صندوق النقد الدولي لمواجهة بعض معاناة الأسواق الناشئة، فسوف يبدأ البعض في تغيير نظرته تجاه تلك الدول.

قال نيراج سيث، رئيس الائتمان الآسيوي في "بلاك روك"، الذي أوصى بالحياد على أصول الأسواق الناشئة وتوقع ظهور فرص جاذبة في الأرباع القادمة: "شهدنا بعض التدفقات الوافدة في الأسابيع الأخيرة وزيادة استثمارات تكتيكية من مستثمرين عالميين عن طريق محافظ منفصلة. وفي ظل توقعنا مزيد من الاستقرار لأسعار الفائدة الأميركية والدولار، قد نرى المستثمرين العالميين يعيدون النظر بشأن استثماراتهم في الأسواق الناشئة".

عوائد سندات الخزينة