الصين فائزة اقتصادياً وليست رائدة اقتصادياً

أعلام الصين و أمريكا
أعلام الصين و أمريكا المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إنَّ تعافي الصين من عمق الركود الذي تسبَّب به فيروس كورونا هو مثير حقاً للإعجاب، وستكون بالتأكيد القوة الاقتصادية الرئيسية الوحيدة التي تنهي عام 2020 عند مرحلة إيجابية. ومن المتوقَّع حدوث توسع آخر على مستوى العالم هذا العام، لكن بالرغم من جميع صيغ التفضيل، إلا أنَّ أمام بكين سنوات قبل أن تصبح رائدة اقتصادياً على مستوى العالم.

وفي هذا السياق، صرَّحت الحكومة يوم الإثنين أنَّ الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 6.5% في الربع الأخير من العام السابق، وهو أفضل مما كان متوقَّعاً، وبوتيرة أسرع من المسجَّل قبل الوباء مباشرة. وفي الواقع، فقد ساهم الأداء في رفع التوسع لهذا العام إلى 2.3%. وهذه نتيجة لم يكن يعتقد أنَّها ممكنة عندما أغلق الاقتصاد في أوائل عام 2020 لاحتواء فيروس كورونا.

وقد يقترب النمو من 8% هذا العام، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، متفوقاً على أمريكا، وأوروبا، واليابان، وبالتالي ستحل الدولة الشيوعية محل الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم من ناحية القيمة الدولارية في عام 2028، أي قبل خمس سنوات من التوقُّعات التي أطلقت في العام الماضي، وفقاً لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، وهو شركة استشارية في لندن.

تحديات كبيرة

وتكمن تحت الأرقام القوية تحديات كبيرة، فقد كان نمو الصين يتباطأ قبل الوباء، وتبنَّت السلطات موقفاً متكيفاً من خلال التيسير المالي والنقدي، في حين كان الاحتياطي الفيدرالي ما يزال يشدد الإجراءات في عام 2018. وبغض النظر عن تجدُّد تفشي فيروس كورونا، فإنَّ أحد أكبر المخاطر التي تواجه الصين هو اتخاذ خطوة سابقة لأوانها في التراجع عن هذا الدعم الرسمي، وذلك بحسب صندوق النقد الدولي في اختتام مراجعته السنوية في وقت سابق من هذا الشهر، إذ صرَّح هيلج بيرغر، رئيس بعثة صندوق النقد الدولي للصين، أمام الصحفيين في 8 يناير قائلاً: "دعونا نتجنَّب منحدر دعم الاقتصاد الكلي، ولنتأكد من أنَّنا لا نسحب دعم السياسة المالية قبل أوانه، وهذا يعني كما تعلمون استمرار بعض الدعم، كما يعني أن تبقى السياسة النقدية متكيِّفة مع الواقع".

وهذه المسألة ليست أكاديمية، فقد سحب البنك المركزي الصيني يوم الجمعة الأموال النقدية من النظام المالي لأول مرة منذ ستة أشهر، بعد أن دفعت السيولة الزائدة معدَّل الاقتراض بين البنوك إلى أدنى مستوى له على الإطلاق. وأشارت الحركة غير المتوقَّعة إلى أنَّ التيسير النقدي للشهرين الماضيين قد ينتهي. وفي حين ساعد هذا الموقف في تحسين المعنويات في أسواق الائتمان، والسندات الحكومية في الصين؛ فإنَّ ضخَّ الكثير من السيولة قد يؤدي إلى زيادة النفوذ في النظام المالي.

وكانت الإجراءات الميسَّرة التي طبقتها بكين خلال جائحة فيروس كورونا معتدلةً مقارنةً بنهج الاحتياطي الفيدرالي، وضخ الاستثمارات الذي أقرَّه الكونجرس، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنَّ التدابير المالية التي طبقها الرئيس شي جين بينغ تصل إلى حوالي 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تزيد في الولايات المتحدة عن 10%، وتعهَّدت اليابان بمضاعفات ذلك.

الجدير بالذكر أنَّ هناك أسباباً وجيهة وراء تردد بكين، فقد ساعد التحفيز الضخم الذي تمَّ الاضطلاع به خلال الأزمة المالية العالمية على دفع الانتعاش، إلا أنَّه ترك الشركات الصينية تحت عبء كبير نتيجة الديون، كما يهدد الإفراط في الوفرة الآن بتزايد نهم الاقتراض الذي قد ينتهي بشكل سيىء، ولا سيَّما في ظل انتشار موجة من حالات التخلف عن السداد بين الشركات رفيعة المستوى في الأسواق نهاية العام الماضي.

ويمكن أن تكون الصين شاكرة لأنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تولّى القيادة في دعم التوسع النقدي في جميع أنحاء العالم، وخفَّض أسعار الفائدة إلى الصفر، واستأنف التيسير الكمي، وفتح الوصول إلى الدولارات في الخارج، ووضَّح أنَّ التشديد قد يستغرق سنوات حتى يحصل. وهذه القوة الكبرى هي ميزة كبيرة للولايات المتحدة، وعبء على الاحتياطي الفيدرالي. ومثل بقية الاقتصاد العالمي، تستفيد الصين من الأسواق المزدهرة والظروف المالية الميسرة، دون الحاجة إلى القيام بالكثير من الإجراءات الصعبة.

تجدر الإشارة إلى أنَّ حجم المسؤولية الأمريكية كان بمثابة موضوع خفي في ندوة أجراها الأسبوع الماضي عبر الإنترنت رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مع الاقتصادي بجامعة برينستون ماركوس برونرماير، فقد أقرَّ باول أنَّ نطاق استجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي لفيروس كورونا، "يأتي مع كون الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، والمواطن الاقتصادي الجيد في العالم".

وعندما تحوَّلت المحادثة إلى الجدول الزمني لتراجع الاحتياطي الفيدرالي عن دعمه، رسم باول الحدود محذِّراً أنَّه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك، قائلاً إنَّ الاحتياطي الفيدرالي "سيخبر العالم" عندما يحين الوقت. وفي الواقع، لا يقترب بنك الشعب الصيني من الحصول على هذا المستوى من التدقيق، فلا أحد خارج منطقة آسيا يتحدَّث عن ذعر صيني من الواقع الحالي.

هذا وتستحق الصين الثناء بحق على أدائها، إذ سيكون الاقتصاد العالمي في وضع أسوأ بكثير بدون مرونتها، وقد تتفوَّق الصين على الولايات المتحدة قريباً، إلا أنَّ قيادتها ستكون ثانوية، فالناتج المحلي الإجمالي المزدهر لن يغير ذلك.