مخاطر شُحّ إمدادات الوقود تعزز تفاؤل المستثمرين بأسهم الطاقة

مكاسب "إس أند بي 500" لشركات الطاقة تجاوزت 40% منذ بداية العام حتى الآن

عمّال يشاركون في عمليات الغاز الطبيعي المُسال من السفينة إلى السفينة في محطة "فاوجي أويل ترمينال أند ديستريبيوشن" (Fauji Oil Terminal & Distribution Co. Ltd. ) في كراتشي، باكستان
عمّال يشاركون في عمليات الغاز الطبيعي المُسال من السفينة إلى السفينة في محطة "فاوجي أويل ترمينال أند ديستريبيوشن" (Fauji Oil Terminal & Distribution Co. Ltd. ) في كراتشي، باكستان المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتأهب أسهم وسندات الطاقة لتلقّي حافز جديد من المستثمرين الذين يرغبون في الاستفادة من ارتفاع أسعار الكهرباء ونقص الوقود المتوقع في وقت لاحق من العام الجاري.

يخطط ثلثا المشاركين في استطلاع "إم إل آي في بالس" (MLIV Pulse) الذين يشملون مديري المحافظ ومستثمري التجزئة لزيادة الانكشاف على قطاع الطاقة خلال الأشهُر الستة المقبلة. يأتي ذلك في الوقت الذي يرون فيه أن أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي تحفز التضخم العالمي، ويتوقعون أن توقف روسيا تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، ما يؤدي إلى نقص في الوقود الرئيسي هذا الشتاء.

تُعتبر أسهم الطاقة إحدى النقاط المضيئة الاستثنائية في أسواق الأسهم العالمية، إذ ارتفع مؤشر شركات الطاقة في "إس أند بي 500" بأكثر من 40% حتى الآن هذا العام مع زيادة الأرباح، تزامناً مع ارتفاع أسعار النفط والغاز. ومع ذلك لا تزال هذه الأسهم أرخص بكثير من نظرائها المدرجة في "إس أند بي 500"، بناءً على أسعارها نسبة إلى الأرباح التي يُتوقع تسجيلها في العام المقبل.

وفي حين أن سندات الطاقة المصنّفة دون الدرجة الاستثمارية مرتفعة الثمن عند مقارنتها بالمؤشر العالمي، فإنّ ديون الطاقة الأميركية المصنّفة في الدرجة استثمارية BBB جذابة نسبياً، إذ تُتداول بفارق أعلى من متوسط ​نظرائها حسب التصنيف والمدة.

"بلاك روك" ترى أسهم الطاقة نقطة مضيئة في سوق متدهورة

قال كريس وود، الرئيس العالمي لاستراتيجية الأسهم في مؤسسة "جيفريز" (Jefferies LLC)، خلال مقابلة مع تليفزيون "بلومبرغ": "أريد بالتأكيد أن أستمرّ في الاستثمار في أسهم الطاقة بسبب قيود العرض الهائلة. السبب الآخر لامتلاك أسهم الطاقة هو ببساطة أنك بحاجة إلى التحوّط ضد المخاطر المتزايدة الناجمة عن التصعيد في أوكرانيا".

3 أضعاف الأسعار

تعرضت أسواق الطاقة لمزيد من الضغوط، إذ تعرقل روسيا شحنات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "نورد ستريم"، ما تسبّب في تضاعف الأسعار ثلاث مرات تقريباً في أوروبا هذا العام. من المقرر أن تضغط عقوبات الاتحاد الأوروبي على إمدادات النفط الروسية عندما تدخل حيز التنفيذ في ديسمبر المقبل.

أزمة الطاقة الأسوأ في أوروبا منذ خمسة عقود تجعل التقنين يبدو حتمياً هذا الشتاء. وقد حدد الاتحاد الأوروبي بالفعل هدفاً اختيارياً لخفض الطلب على الغاز بـ15%، مع الاحتفاظ بخيار جعله إلزامياً إذا لزم الأمر، وحذر من "مزيد من التخفيضات الكبيرة" إذا انخفضت درجات الحرارة بشكل خاص.

يتوقع نحو ثلاثة أرباع الذين جرى استطلاع آرائهم والبالغ عددهم 814 شخصاً أن تدفع أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي التضخم العالمي إلى أقصى حد هذا الشتاء. وقالت أغلبية مماثلة إنه إذا كان خلال الأشهُر الستة المقبلة أي نقص فسيكون هذا النقص في أنواع الوقود الرئيسية، بما في ذلك الغاز الطبيعي.

السنوات العديدة التي مرّت دون الاستثمار الكافي خلال فترات التحوّل بعيداً عن الوقود الأحفوري أدت إلى عدم قدرة الإمدادات العالمية على تلبية انتعاش الطلب بعد الوباء.

قال جيف كوري، رئيس أبحاث السلع في "غولدمان ساكس غروب": "الأمر في نهاية المطاف يتعلق بالثأر للاقتصاد القديم، فإذا لم تستثمر في الاقتصاد القديم فستعود الأزمة لتطاردك. ويتمثل حلّ مشكلة الطاقة على المدى الطويل في الاستثمار، وتُعَدّ شركات النفط قناة الإنفاق الرأسمالي لحل المشكلة".

مخاوف ضعف الطلب العالمي تضغط على أسعار النفط

ضرب الارتفاع في أسعار الطاقة الاقتصادات الرئيسية بموجة تضخم قاسية وصلت إلى مستويات قياسية في منطقة اليورو وبأشد وتيرة في ما يقرب من أربعة عقود في الولايات المتحدة. وحذر بنك "غولدمان ساكس" من أن التضخم بالمملكة المتحدة قد يصل إلى 22% العام المقبل إذا ظلت أسعار الغاز الطبيعي مرتفعة. ويتوقع الاقتصاديون بشكل متزايد حدوث ركود في منطقة اليورو خلال الأرباع القادمة، إذ يؤدي ارتفاع تكلفة المعيشة إلى تراجع الطلب، مما يقوّض التعافي بعد الوباء.

اختبار المعنويات

قالت كاتيا يافيمافا، باحثة أولى في معهد "أكسفورد لدراسات الطاقة": "يُرجَّح أن تظل سوق الغاز الأوروبية متشدّدة طَوال عقد العشرينيات للقرن الحالي. فالنقص العالمي في الغاز، والتردد بشأن الاستثمار الجديد في إنتاج الغاز الجديد، والقرار السياسي للاتحاد الأوروبي بالتخلص التدريجي من اعتماده على الغاز الروسي كلياً"، يقود هذا التشديد.

ومع ذلك قد تُختبر معنويات المستثمرين المتفائلين في الأشهُر المقبلة حينما تضرب الموجة التضخمية الاقتصاد العالمي. ولا يزال الطلب في الصين، وهي ثاني أكبر مستهلك في العالم، يتأثر بشدة بأزمة العقارات والقيود المفروضة نتيجة تفشي الفيروس.

تظهر في سوق النفط بالفعل علامات على تضرّر الطلب، إذ تراجعت أسعار النفط الخام بنحو 25% خلال الأشهُر الثلاثة الماضية.

يتوقع معظم المشاركين في الاستطلاع أن تظل أسعار النفط بين 70 دولاراً ومستوى الذروة البالغ 139 دولاراً هذا العام، إذ يرى 10% منهم فقط ارتفاع أسعار النفط الخام فوق هذا المستوى. ويتوقع نحو 46% أن تؤدي أزمة الطاقة إلى تسريع وتيرة توليد الطاقة الخضراء.

يشكّل تقلّب أسعار الطاقة في حد ذاته خطراً على النظام المالي، إذ يجبر ارتفاع الأسعار شركات المرافق على تقديم مزيد من الضمانات لعقود توصيل الوقود المشتراة من خلال القروض. وحذرت شركة الطاقة النرويجية "إيكوينور" (Equinor) من أن مطالبات احتياطي الهامش التي لا تقل عن 1.5 تريليون دولار تضغط على تجارة الطاقة وتدفع الحكومات لتوفير قدر أكبر من السيولة.

الاتحاد الأوروبي يرى تأثيراً محدوداً للتدخل في أسعار الطاقة

"أوبك+" بقيادة السعودية

ومع ذلك فإن المتشائمين حيال الطاقة غير منزعجين، حتى إذا تسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي في تعثر أسعار النفط فإنهم يرون خط دفاع آخر في كارتل منتجي تحالف "أوبك+" الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وأظهر التحالف استعداده للتدخل من خلال الإعلان عن خفض رمزيّ للإنتاج في وقت سابق من هذا الشهر.

رجّحت نتائج الاستطلاع أن تُبقي المملكة وشركاؤها الإنتاج مستقراً أو يخفضوه بدلاً من زيادته خلال الأشهُر الستة المقبلة. ويعتقد نحو 44% من المشاركين أن أسعار النفط لا تعكس حقائق العرض والطلب، وهو انقطاع حدده مؤخراً وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان.

وقالت أمريتا سين، كبيرة محللي النفط في شركة "إنيرجي أسبكتس" (Energy Aspects) الاستشارية: "نواصل التحذير من التشدد في الأسواق بشكل كبير في نهاية العام. وقدّم (أوبك+) سعراً محدداً يجب أن يكون بمثابة تذكير واضح بأن التحالف سيوقف بناء المخزونات إذا سقط الاقتصاد العالمي في ركود حاد".

يبدو أن الإقبال على أسهم الطاقة خاص بقطاع معين، إذ قال معظم الذين جرى استطلاع آرائهم إنهم سيواصلون انكشافهم على مؤشر "إس أند بي 500" بالقدر نفسه خلال الشهر المقبل. وتُعَدّ أسهم تكنولوجيا المعلومات وخدمات الاتصالات، التي كان أداؤها دون المستوى هذا العام، حساسة للتباطؤ الاقتصادي. وفي غضون ذلك كانت شركات الخدمات المالية، التي تتجه نحو أسوأ عام لها منذ 2018، تتأثر بتصريحات مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الوقت الذي يمضي في تعزيز نهج التشديد النقدي من أجل كبح جماح التضخم.