قادة الاتحاد الأوروبي يدركون أخيراً حقيقة الشتاء القاسية

كل خيارات أوروبا مؤلمة وتحتاج إلى التضحية وخفض استهلاك الكهرباء بنسبة 10% إلى 15%

محطة نيكارويستهايم للطاقة النووية، هايلبرون، ألمانيا.
محطة نيكارويستهايم للطاقة النووية، هايلبرون، ألمانيا. المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كتب هنري كيسنغر في كتابه الأخير عن القيادة: "القادة الجيدون يَتركون في شعوبهم رغبةً في السير على خُطاهم".

تخضع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، لاختبار القيادة هذا الأسبوع عند تقديمها الخطوط العريضة حول كيفية أن يجتاز أعضاء التكتل وعددهم 27 دولة فصل الشتاء القادم وسط غياب الغاز الروسي، مع تجنب أزمة اقتصادية عميقة.

يتمثّل التحدي في تقديم الحقيقة الصعبة، حقيقة غياب أي خيار لا يُسبّب ألماً للمنطقة، مع إرسال إشارة واثقة إلى أسواق السلع الأساسية والمساعدة في استعادة الثقة بين سكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 450 مليون نسمة وقادتهم في ظل مخاطر ندرة مصادر الطاقة والاضطرابات الاجتماعية المحدقة.

يُظهر أحدث استطلاع أجرته "يوروباروميتر" (Eurobarometer) في يونيو ويوليو الماضيين اتفاقاً واسعاً بين الدول الأوروبية على دعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا. لكن تراجع هذا الدعم منذ شهري أبريل ومايو وسط ارتفاع أسعار الكهرباء.

ضرورة التضامن والتضحية

لا يُبشّر ذلك بالخير بالنسبةِ إلى الشتاء المرتقب الذي سيتطلّب تضامناً في الحدّ من استخدام الطاقة تجنباً لانقطاع التيار الكهربائي، وبين الدول سعياً إلى الحفاظ على موقف موحّد ضدّ فلاديمير بوتين.

تشمل خطط المفوضية الأوروبية، التي أوردتها "بلومبرغ نيوز"، تحديد سقف لأسعار الكهرباء وفرض ضرائب على الأرباح الكبيرة غير المتوقعة. وتلك إشارات على التحرك تستحق التقدير. ورغم أن اجتماع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي الذي انعقد خلال الأسبوع الماضي تخلّله ضجيح واختلافات كبيرة في الآراء، فقد كشف عن إقرار واسع النطاق بضرورة التدخل للحد من تأثير ارتفاع الأسعار. إن تجاوز مستوى تخزين الغاز نسبة 80% يمنح على الأقل بعض التفاؤل.

ومع ذلك، لا يُعتبر الآن الوقت المناسب لتهنئة الذات أو الحديث عن "السيادة" بينما لم تتم مناقشة تفاصيل السياسة بعد، وعندما يكون بوتين قادراً على معاقبة أوروبا وتعميق آلامها عن طريق إيقاف تدفق الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم". وقد يرفع ذلك فاتورة الغاز في منطقة اليورو بنحو 50 مليار يورو (أي ما يُعادل 51 مليار دولار)، إضافة إلى 460 مليار يورو من الزيادات السابقة في الأسعار، وفقاً لـ"بلومبرغ إيكونوميكس"- أو 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.

ينبغي أن تكون رسالة فون دير لاين إلى مواطني الاتحاد الأوروبي واضحة في الإشارة إلى أن الشتاء القادم سيتطلّب بعض التضحية، مع احتمال الاضطرار إلى الحد من الطلب على الكهرباء بنسبة تتراوح بين 10% إلى 15%، لكنها تؤكد في الوقت نفسه على أن الدول الأعضاء في الاتحاد ستبذل قصارى جهدها لتقاسم التكلفة وزيادة امدادات الطاقة من مصادر غير روسية إلى أقصى حد.

أسعار الغاز تتراجع لأدنى مستوى في شهر مع استعداد أوروبا لخفض استهلاك الكهرباء

المستشار الألماني يعلن تأهب بلاده لاحتمالات القطع التام لإمدادات غاز روسيا

سياسة "العصا والجزرة"

هذا المزج بين العصا والجزرة في صورته المثالية سوف ينتهج أسلوب "الصفقة الكبرى" التي وضعها سابقاً مركز "بروغل" (Bruegel) للأبحاث ومقرّه بروكسل، حيث تقوم الدول بمشاركة مواردها دعماً للأسر الضعيفة.

هذا يعني أيضاً عكس السياسات الوطنية التي أثبتت شعبيتها ذات يوم. على سبيل المثال، ينبغي أن تبقى مفتوحة محطات الطاقة النووية الألمانية وحقول الغاز الطبيعي الهولندية التي تقرر إغلاقها قبل ذلك، فكل مصادر الطاقة مهمة وسط تعرّض المصانع لخطر الإغلاق وحين ترتجف الأسر خلال فصل الشتاء القارس.

ونظراً إلى الحاجة الملحة لزيادة المساعدات المالية للمحتاجين، لابدّ من زيادة الاقتراض المشترك على مستوى الاتحاد الأوروبي. واجهت هذه السياسة، التي اعتمدت في فترة انتشار جائحة كوفيد، صعوبة بالغة في استرداد جاذبيتها في مواجهة التحفظ الألماني، لكن زيادة التضامن المالي تبدو تبادلاً عادلاً إذا كانت برلين تتوقع من شركاء الاتحاد الأوروبي مساعدتها في خفض اعتمادها على الغاز الروسي. من جهته، أفاد جيل موك، الخبير الاقتصادي في "أكسا آي إم" (AXA IM) ، أن الاقتراح الألماني الأخير بشأن إصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي لا يشير إلى هذه النقطة الحاسمة، بل يمكن اعتبارها بتفاؤل الخطوة الأولى لبلوغ هذا الهدف، وفقاً لموك.

قيادة قوية

يتطلّب اتخاذ مثل هذه القرارات قيادة سياسية قوية بينما غابت عن الساحة أصوات قادة أقوياء، لهم تأثيرهم مثل المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أو رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي، فيما يُكافح أمثال أولاف شولتس وإيمانويل ماكرون من أجل أن يسمع صوتهما. في هذا الإطار، أُتيحت أمام فون دير لاين فرصة لسدّ هذه الفجوة. حيث لا ينبغي لها أن تخجل من إعلان "حالة طوارئ" في أرجاء الاتحاد الأوروبي تتطلب تطبيق "اقتصاد الحرب".

في حال جرى ذلك بشكل صحيح، يمكن تجنّب أسوأ السيناريوهات وتعزيز التضامن بطريقة تُطمئن المستثمرين بشأن قدرة الاتحاد الأوروبي على الصمود على المدى البعيد. لكن إذا حدث ذلك بشكل خاطئ، فقد يصبح الركود أكثر سوءاً مع تكبّد ألمانيا خسائر للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7% تقريباً.

من المألوف القول إن أوروبا تشكّلت في خضم الأزمات. لكن يبدو ذلك وكأنه اختبار واضح: أزمة طاقة أوسع من صدمة النفط التي ضربت اتحاداً لم يكن ممتداً على هذا النطاق الواسع في سبعينيات القرن الماضي. قال كزافييه تشابارد، الخبير الاستراتيجي في "بنك بوستال" (Banque Postale) لإدارة الأصول: "لا يمكننا تجنّب تكلفة هذه الصدمة، ولكن يمكننا اختيار كيفية توزيعها".

يتمثّل القرار في ما إذا كان الأوروبيون سيسيرون مع قادتهم على النهج نفسه، وفق اللغة التي استخدمها كيسنغر، أو سيعطونهم أوامر التحرّك الخاصة بهم.