هل تصبح "أبل" بطلة حماية الخصوصية وعملاقة الإعلانات في آن واحد؟

المستهلكون يحتاجون تأكيدات على عدم التهاون في معايير الحفاظ على خصوصية البيانات

البيانات الشخصية للمستخدمين على المحك
البيانات الشخصية للمستخدمين على المحك المصدر: غيتي إيمجز
Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشفت "أبل"، الأسبوع الماضي، عن أحدث هواتف "أيفون" في إعلان إخباري برّاق استغرق 90 دقيقة للحديث عن كل شيء في الجهاز. وعلى الرغم من أن الشركة لم تتحدث عمّا ستفعله بالبيانات الشخصية للمستخدمين، إلا أن مسألة الحفاظ على سرية معلوماتك في "أيفون" أصبحت مسلمّة بها منذ فترة طويلة. تتم عمليات التشفير في نظام المراسلة بالهاتف افتراضياً، ويقوم المساعد الرقمي "سيري" بمعالجة الأوامر على الهاتف بدلاً من خوادم "أبل"، وتتيح لك الشركة منع المعلنين من تتبّعك.

لكن في الوقت الذي تسعى فيه عملاقة التكنولوجيا إلى زيادة إيراداتها من الإعلانات، قد يحتاج المستهلكون قريباً لمزيد من التطمينات الملموسة حيال عدم تراخي الشركة من خلال تخفيف معايير التعامل مع المعلومات الشخصية، لا سيما أن نشاط الإعلانات يرتكز على جمع واستهداف البيانات منذ فترة طويلة.

"أبل" تكشف النقاب عن "أيفون 14" بترقيات للكاميرا ورسائل بالقمر الصناعي

وصف تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة "أبل"، حماية الخصوصية بأنها "المعركة الأكثر أهمية في عصرنا". هذا الموقف بشأن الخصوصية أتاح للشركة بأن تروّج لنفسها على أنها البطلة بين عمالقة رأسمالية المراقبة من أمثال "ميتا بلاتفورمز"، الشركة الأم لـ"فيسبوك"، و"ألفابيت"، مالكة "غوغل".

حجب المعلومات الشخصية

مع ذلك، يُصعِّب هذا الأمر من اقتحام "أبل" لمجال الإعلانات بشكل متزايد والتوفيق بين ذلك وبين الالتزام بحجب المعلومات الشخصية. يبدو أن الظروف فُرضت على شركة "أبل"، حيث تحتاج الشركة إلى كسب أموال بطرق أخرى بعيدة عن بيع أجهزة "أيفون" في ظل تباطؤ سوق الهواتف الذكية. لتحقيق هذا الهدف، تطوِّر الشركة سماعات الرأس للواقع المختلط والسيارة ذاتية القيادة، وتميل أكثر إلى طرح خدمات مثل تلفزيون "أبل +" و"أبل ميوزيك". بدأت الشركة كذلك في تكثيف تواجدها في سوق الإعلانات، وهي سوق ترتبط عادة بشركات التواصل الاجتماعي.

تعرض "أبل" حالياً إعلانات مصوّرة في واجهة "متجر التطبيقات" (آب ستور) وفي تطبيق الأسهم والأخبار الخاص بها، وتُخطِّط لتوسيع هذه الإعلانات حالياً إلى صفحات أخرى في متجر "أبل". في نفس الوقت، تقوم وحدة الإعلانات بمضاعفة حجمها مما يُكسبها نفوذاً داخل الشركة.

يتبع تود تيريسي، نائب رئيس الوحدة، مباشرة إيدي كيو، رئيس الخدمات المخضرم لدى "أبل"، ويرغب تيريسي في زيادة إيرادات إعلانات "أبل" السنوية من 4 مليارات دولار إلى ما يتجاوز 10 مليارات، وفقاً لـ"بلومبرغ نيوز". تُشير تقديرات "إيفركور آي إس آي" (Evercore ISI) للأبحاث إلى أن مبيعات إعلانات "أبل" ستبلغ نحو 30 مليار دولار في أربع سنوات. قد يعود جزء كبير من هذا النمو لعلامة تبويب البحث في متجر "أبل"التي تعتبر أداة الاستثمار الرئيسة لإيرادات الإعلانات في الشركة. إلا أن التغييرات الإدارية والتوقعات المالية لـ"أبل" تشير إلى أن الإعلانات ستُصبح بشكل عام شديدة الأهمية في المستقبل بالنسبة للشركة.

أبل تُبطئ عمليات التوظيف والإنفاق لبعض الفرق للسنة القادمة

يُشير إعلان عن وظيفة في الشركة مؤخراً إلى أن "أبل" تريد "تحديد طريقة عمل الإعلان الرقمي في عالم يدور حول الخصوصية"، وقالت الشركة إن الإعلانات على تطبيقاتها "لا تتعقّبك". لكن كلمة "تعقُّب" لها تعريف غامض. تقوم "أبل" بجمع بيانات مستخدمي "أيفون" الذين سمحوا باستهدافهم من خلال الإعلانات عبر تطبيقاتها الثلاثة، وفقاً لسياسة "أبل" الإعلانية. تجمع الشركة تفاصيل مثل موقع الجهاز، وجنس المستخدم، وعمره، واسمه، والتطبيقات التي قام بتنزيلها.

خسارة "فيسبوك"

تبدو تصريحات كوك بشأن الخصوصية حقيقية، ولكن يصعُب أيضاً تجاهل أن بعض إجراءات الشركة ضد مشاركة البيانات تحقق لها أرباحاً جيدة. ستفقد "فيسبوك" نحو 14.5 مليار دولار من مبيعات الإعلانات هذا العام بسبب النافذة المنبثقة لمستخدمي "أيفون" الذين يسألون عمّا إذا كان بإمكان المعلنين تعقّبهم. أكسبت هذه الخطوة الأعمال الإعلانية لشركة "أبل" كثيراً من القوة. لا عجب أن إجراءات حماية التعقُّب لدى "أبل"، والتي مكّنت بعض مطوري التطبيقات من التحايل عليها، قد عرّضت الشركة إلى شكاوى وتحقيقات في مجال مكافحة الاحتكار في مختلف الدول، بما في ذلك فرنسا وألمانيا.

تستخدم "أبل" كذلك لغة إعلانية مختلفة للغاية عند التواصل مع عملائها حول هذا الموضوع. تطلب إشارة تعقُّب أي طرف ثالث لديها "عدم التتبُّع"، ولكن النافذة المنبثقة لنظام الإعلانات الخاص بـ"أبل" تبدو أكثر اعتدالاً، حيث تسأل عمّا إذا كنت تريد "تشغيل الإعلانات المخصّصة".وقد شدد أيضاً على هذا الخيار.

هيئة المنافسة البريطانية: "أبل" و"غوغل" تحكمان قبضتهما على سوق الهواتف

لإرضاء المستهلكين المعتمدين على موقف "أبل" من الخصوصية، يُفضَّل أن يلتزم كوك بتفاصيل أكثر تحديداً حول ما ستسمح به وما لن تسمح به الشركة، خصوصاً أن الإعلانات أصبحت نشاطاً تجارياً أكبر لشركته. يمكنه مثلاً التعهُّد بعدم مشاركة البيانات الصحية أو المعاملات في تطبيقات "أبل هيلث" و"أبل باي"، وهو أمر لا تفعله الشركة، و(عملياً لا يُمكن القيام به من الناحية الفنية نظراً لتشفير معظم هذه البيانات).

إلغاء اشتراك التعقّب

في ضوء أن بعض المعلنين قد يطالبون بمزيد من التفاصيل الدقيقة الخاصة بعملاء "أبل"، يُمكن لكوك أن يتعهد بأن البيانات التي تجمعها "أبل" لمنصتها الإعلانية المتنامية لن تتسرب وتتخطى حدودها الخاصة لاستغلالها في تحسين استهداف الإعلانات.

في مثال طرحه الأسبوع الماضي، قال كوك إن "أبل" تحاول إعطاء المستخدمين القيادة فيما يتعلق ببياناتهم من خلال منحهم خاصية إلغاء الاشتراك في التعقُّب من قبل أطراف ثالثة. لكن هذا النهج يُسهِّل كذلك تحوّل الشركة من مكانة الحارس الافتراضي للخصوصية، والذي يقوم بمعالجة الجهاز أو تقديم خدمات مثل التشفير دون أن يُطلب منه، إلى شركة تُحمِّل المستخدمين عبء حماية البيانات بشكل متزايد.

إن مستقبلاً يُمنح فيه عملاء "أبل" مجموعة أكبر من الخيارات المتعلقة باستخدام بياناتهم قد يفتح الباب بهدوء أمام جمع مزيد من البيانات في حال قامت الشركة بدفعهم نحو اتجاهات معينة من خلال صياغة كلمات دقيقة ولطيفة، أو من خلال إجراء تعديلات هادئة على سياساتها. يصعُب تخيُّل قيام "أبل" بذلك حالياً، ولكن من المعروف أن المبادئ قد تغيّرت من قبل، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالعائدات المالية.