ترقية "إيثريوم" ترفع الرهانات وتعيد تشكيل عالم التشفير

ستؤتي "إيثر" فائدة لتصبح مشابهة إلى حد كبير بالأدوات المالية التقليدية

شعار "إيثريوم" على شارة معروضة داخل بورصة عملات مشفرة في برشلونة، إسبانيا
شعار "إيثريوم" على شارة معروضة داخل بورصة عملات مشفرة في برشلونة، إسبانيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تكتسي إيثريوم حلّة جديدة هذا الشهر قد تجعل شبكة العملات المشفَّرة الشهيرة التي تدير عملة إيثر، ثاني أكثر العملات الرقمية قيمة في العالم، كياناً يهز عالم العملات المشفرَّة بأكمله.

سيؤدي تغيير البرمجيات الذي طال انتظاره، أو ما يعرفه عشاق العملات المشفَّرة حول العالم باسم "الدمج"، لتقليل استهلاك "إيثريوم" للطاقة بنسبة 99% وإسكات النقاد الذين يكرهون بلوكتشين بسبب استهلاكها لكهرباء تكفي لإمداد فنلندا بالطاقة لمدة عام حسب أحد التقديرات.

جني الأرباح يباغت "إيثريوم" بعد ترقية شبكتها

أما بالنسبة للمستثمرين؛ فإنَّ الجانب الإيجابي هو أنَّ "إيثر" ما بعد الدمج ستصبح أشبه بالأصول المالية التقليدية التي تدفع فائدة، مثل السندات أو شهادات الإيداع. قد يغري ذلك صناديق التحوط ومديري الأصول والأثرياء الذين ما يزالون يتجنبون العملات المشفَّرة حتى الآن. كما قد تفضي البرمجيات الجديدة لترقيات تعد بتسريع التعاملات وخفض الرسوم، وهو أمر آخر قد يجذب المستثمرين. حتى أنَّ بعض المتحمسين يتوقَّعون أن مجموع التغييرات قد يؤدي إلى قفزة في قيمة "إيثر" لتتجاوز بتكوين، الرمز الأكثر شيوعاً الذي تداني قيمته السوقية ضعف قيمة "إيثر".

أنماط المكافأة

هل سينتج كل هذا عن تحديث برمجيات فحسب؟ يعتقد مناصروها ذلك بناءً على التحول الأساسي في طريقة عمل "إيثريوم" وسلوكها. كما قال عنها فيتاليك بوتيرين لأول مرة في 2014 حين بلغ عمره 20 عاماً، إذ تتسابق شبكة حواسيب لامركزية في "إيثريوم" لحل ألغاز حسابية، وتتنافس على حق طلب المعاملات، وعلى إضافة كتل من البيانات إلى السجل الرقمي. يتأكد مالكو الحواسيب، الذين يسمون بالعاملين في تعدين العملات المشفَّرة، من عدم العبث بالسجل، ويحصلون بالمقابل على مكافأة بعملة "إيثر". تستخدم "بتكوين" نظاماً مشابهاً يسمى "إثبات العمل".

"إيثريوم" تنجز ترقية شاملة لأنظمتها لتوفير الطاقة

ستعتمد عملية "إيثريوم" الجديدة على ما يسمى "إثبات الحصة" بدلاً من ذلك، وهو يستهلك قليلاً من الطاقة لأنَّه لا يعتمد على العاملين في تعدين العملات المشفَّرة، ويتطلب هذا كيانات تسمى بالموثقين تنخرط فعلياً عبر إيداعهم عملة "إيثر". يوفر الإيداع، أو وضع عملة مشفَّرة في الصندوق، لكبار مالكي "إيثر" الحق يإضافة كتلة من المعاملات إلى السجل، ويتلقون مكافأة بعملة "إيثر" على ذلك. ستنتج الآن جميع رموز "إيثر" فائدة لدى وضعها في محافظ الإيداع. يُطلق على ترقية البرمجيات اسم "الدمج" لأنَّ سلسلة "بلوكتشين" الحالية في "إيثريوم" ستتحد مع شبكة موازية تعمل منذ حوالي عامين لاختبار مفهوم إثبات الحصة.

عائد متعاظم

بالنسبة للمساعدين، ستصبح "إيثر" المودعة مثل الأسهم التي تولد أرباحاً أو سندات تؤتي عائداً. قد يكون العائد الذي ستوفره "إيثر" جذاباً نسبياً، إذ يمكن للمالكين الذين يشاركون عملاتهم المشفَّرة الحصول على حوالي 4% الآن، ومن المتوقَّع أن ترتفع هذه النسبة وقد تصل في النهاية إلى 80% من إجمالي المعروض من "إيثر"، أي حوالي 170 مليار دولار بالأسعار الحالية، وفقاً لـ"كونسينسيز" (ConsenSys)، أحد مزودي تكنولوجيا "بلوكتشين" لـ"إيثريوم". قال جاك نيوروتر، محلل الأبحاث في "فيديليتي ديجيتال أسيسز" (Fidelity Digital Assets)، وهي تابعة لشركة "فيديليتي إنفيستمنت" (Fidelity Investments) التي تخطط لتقديم خدمة حفظ "إيثر" وتداولها في وقت لاحق من هذا العام: "أعتقد أنَّ دمج (إيثريوم) يغير الأصل بشكل جوهري. إنَّها تغير جذرياً حالة الاستثمار من حولها."

قيمة العملات المشفرة الحقيقية لم تبلغ أبداً 3 تريليونات دولار

لكنَّ هناك متشككين. يعتقد مناصرو "بتكوين" من المتشددين أنَّ الاندفاع الهائل في عملية الإيداع لا طائل منه. قال كريستوفر بنديكسين، المحلل في "كوين شيرز" (CoinShares) لإدارة الأصول: "طالما أنَّ للأمن تكلفة فيجب أن تأتي هذه التكلفة من مكان ما". يأتي الدليل على العمل من الطاقة والأجهزة، لكنَّه "يأتي من تكديس رأس المال" باستخدام طريقة إثبات الحصة.

قال كامبل هارفي، أستاذ المالية في جامعة ديوك، إنَّ مخاطر اقتناء "إيثر" تفوق الاستثمار في سندات الخزانة الأميركية على سبيل المثال، ويرى أنَّ أي فوائد "ستأتي بعملة متقلبة بما يصل إلى 90%، وتمر بتغير كبير".

قياس الأداء

ستشابه العملات المشفَّرة المودعة تشغيل الأموال بدلاً من حفظها تحت الفراش بالنسبة إلى مستثمري "إيثر" الحاليين. تتيح ميزة العائد للمحترفين الماليين التقليديين، الذين عانوا طويلاً من تقييم الأصول المشفَّرة، إجراء تحليلات التدفق النقدي لمقارنة أداء "إيثر" مع الأصول التقليدية. كما يمكنهم قياس أداء رموز "إيثر" المودعة مقابل استثمارات أخرى. قال هنري إلدر، رئيس التمويل اللامركزي في "ويف فايننشال غروب" (Wave Financial Group) لإدارة الاستثمار: "إنَّها ليست خالية من المخاطر، لكنَّها تداني ذلك... ما تعاني منه العملات المشفَّرة حقاً هو مسألة المقارنة بين مديري الأصول ومقارنة الأداء. أعتقد أنَّ هذا في غاية الأهمية، لأنَّك عندما تصل إلى المستثمرين المؤسسيين، ستجد أنَّ هذه هي لغتهم".

"إيثر" ترتفع لأعلى مستوى منذ شهرين بالتزامن مع نجاح اختبار تطوير شبكتها

يمكن أن تساعد ميزات "إيثر" الجديدة بأن تتجاوز قيمة "بتكوين"، أو ما يسميه عشاقها "الالتفاف". قال جيف دورمان، كبير مسؤولي الاستثمار في "أركا" (Arca)، وهي شركة خدمات مالية للعملات المشفَّرة: "أعتقد أنَّ (إيثريوم) ستتجاوز (بتكوين) في وقت أقرب مما يعتقده كثيرون. كل قصة نجاح تراها على (بلوكتشين) تحدث على صعيد (إيثريوم)". في حين بقيت "بتكوين" دون أي تغير يذكر أو "متحجرة" على حد تعبير نيوروتر من "فيديليتي"؛ فقد يعزز الدمج أيضاً مكانة "إيثريوم" كأهم طريق سريعة تجاري العملات المشفَّرة إلى أن تجعل التغييرات الإضافية الشبكة أسرع وأرخص استخداماً. قال ديفيد كروغر، عالم البيانات الرقمية في شركة "كاوين" (Cowen): "في نهاية المطاف، تحتسب قيمة الشبكة وفقاً لعدد الأشخاص الذين يستخدمونها ويستجرون قيمة منها".

إقراض واقتراض

كما قد تؤدي إيداعات "إيثر" لظهور عدد كبير من الأدوات المالية، وقد أعلنت أكبر بورصة عملات مشفَّرة في الولايات المتحدة تديرها شركة "كوين بيس غلوبال" في أغسطس، عن رمز مشتق يمثل رموز "إيثر" المُودعة، بحيث يتمكن المستخدمون من تداوله أو إقراضه أو اقتراضه. كما يمكن مستقبلاً الحصول على قرض مقابل رموز "إيثر" المودعة مع دفع فائدة القرض من عائد الإيداع. يمكن أن تظهر أنواع جديدة من صناديق إيداع "إيثر"، إذ يمكن للمستثمرين شراء حصص في الرموز المميزة. قال بول فيراديتاكيت، الشريك في "بانتيرا كابيتال" (Pantera Capital) التي تدير صناديق التحوط على العملات المشفَّرة: "إنَّها تمنح المزيد من الناس فرصة ليكونوا أصحاب مصلحة في (إيثريوم)، وقد تستقطب رأس مال أكبر من الممولين التقليديين".

قد تكون هناك عراقيل بالطبع إلى أن تُجري "إيثريوم" ترقية أخرى للبرمجيات، بعد ما لا يقل عن ستة أشهر على الأرجح، إذ لا يمكن سحب رموز "إيثر" المودعة. ستكون عمليات السحب محدودة إلى حينها، وهكذا قد يجد عشاق العائد أنفسهم عالقين مؤقتاً على الأقل. كما يمكن أن تنقض لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى أن تتغير خصائص العملة. لقد أعاقت الطبيعة اللامركزية لعملة "إيثر" وافتقارها إلى وسيط رسمي المنظمين، وأبقتهم بعيدين حتى الآن. لكنَّ غاري غينسلر، الرئيس الحالي للجنة الأوراق المالية والبورصات، الذي كثيراً ما وصف "الغالبية العظمى" من العملات المشفَّرة بأنَّها أوراق مالية، قد يرى فرصة في التغييرات التي تجريها "إيثريوم"، ففي النهاية سيستثمر الناس أموالاً فعلية مع إيداع "إيثر"، وهي إحدى الخصائص الرئيسية للأوراق المالية. قالت دارا تاركوفسكي الشريكة الإدارية في "أكتيوات لو" (Actuate Law): "أعتقد بالتأكيد أنَّها خطوة ستُرجح أن تنظر إليها أي محكمة أو جهة تنظيمية على أنَّها أوراق مالية". كشفت "كوين بيس" في أغسطس أنَّها تلقت مذكرات استدعاء وطلبات من لجنة الأوراق المالية والبورصات يتعلق بعضها ببرنامج الإيداع لديها.

بالإضافة إلى حالة عدم اليقين؛ فإنَّ عملية الدمج تجري فيما تتراجع سوق العملات المشفَّرة لتشطب زهاء 2 تريليون دولار من قيمة الرموز حول العالم منذ نوفمبر، مما قلص إقبال المستثمرين. لكنَّ عشاق "إيثر" يأملون أن تصبح أيامهم كمواطنين من الدرجة الثانية معدودة إن عادت سوق العملات المشفَّرة الصاعدة.