كيف يمكن كبح تضخم أسعار الغذاء عالمياً؟

روسيا تفرض ضريبة على صادرات القمح
روسيا تفرض ضريبة على صادرات القمح المصدر: بلومبرغ
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عاد التضخم في أسعار المنتجات الزراعية، وكذلك عادت معه الإصلاحات غير المفيدة. فتَحْتَ ضغط من انخفاض الدخل وارتفاع التضخم، سارعت موسكو إلى وضع حد أقصى لتكلفة الأغذية الأساسية وأدخلت تدابير للحد من تصدير القمح وصادرات أخرى.

وكان استياء الرئيس فلاديمير بوتين خلال حديثه المُتلفز أحد أعراض التوتر الذي تشعر به الحكومات في كل مكان. لكن لحسن الحظ، لم تصل المشكلة بعد إلى المستويات التي بلغتها منذ أكثر من عقد بقليل. ولسوء الحظ، فإن القيود على النمط الروسي هي الحل الوحيد والمضمون لجعل أزمة الغذاء أسوأ.

فمن أحوال الطقس السيئة إلى قيام الحكومات بتشديد الضوابط، هُناك الكثير الذي يضاعف من تأثير اضطرابات كوفيد-19 لينهي عقدا اتسم بهدوء في تضخم الغذاء، حتى لو لم تكن المخزونات تبدو ضئيلة بعد.

وفي الصين، أدى الطلب على الأعلاف لتلبية النمو الزائد في أعداد قطعان الخنازير ونمو الصناعة التحويلية إلى دفع العقود الآجلة للذرة وفول الصويا الغذائي إلى مُستويات قياسية. وعلى الصعيد العالمي، وصل مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار المواد الغذائية لشهر ديسمبر إلى أعلى مستوى له في ست سنوات.

أسباب القيود الروسية على تصدير الغذاء

تُعد روسيا من بين أولئك الذين وصلوا إلى نهاية صعبة، وذلك بسبب دخل النفط الباهت، بالإضافة إلى ارتفاع مُعدلات البطالة وقلة الدعم الاقتصادي الناتج عن كوفيد-19 ما ترك الأسر في حالة من التوتر. والآن، يزيد الغذاء من التضخم الإجمالي ويهدد بعرقلة انتعاش راكد، ما يُشكل أخبارا سيئة لموسكو، كون الانتخابات التشريعية مُقرر إجراؤها في وقت لاحق من هذا العام وحزب روسيا المُوحدة الموالي التابع للكرملين متأخر في استطلاعات الرأي. وانخفض التفاؤل بشأن الاقتصاد إلى مستويات عام 1998، ويعتبر ثلث الروس أنفسهم الآن فقراء.

إن بوتين الذي يصور نفسه على أنه رجل التنفيذ، يجب أن يُشاهد -كما هو مُنتظر- وهو يُنفذ. لذلك ليس من الصعب فهم تعليقاته للمسؤولين التي اتسمت بفقدان الصبر خلال مؤتمره الصحفي السنوي حول ارتفاع أسعار السكر وزيت عباد الشمس وحتى المعكرونة، مُتهماً المنتجين باستهداف الأسواق الخارجية على حساب المُستهلكين المحليين.

والنتيجة هي أن أكبر مُصدر في العالم سيفرض ضريبة على القمح اعتباراً من منتصف فبراير، مصحوبةً بحصص لتصدير الحبوب الأخرى، وسيدعم مُنتجي الدقيق بالإعانات. لقد سعى رئيس الوزراء الروسي إلى الحد من أسعار "المُنتجات المُهمة اجتماعياً" مثل السكر وزيت عباد الشمس. وتراجعت هوامش الربح في المتاجر الكبرى التي تُعاني من ضائقة.

البرازيل نموذجاً

إن هذه الحالة ليست حكراً على روسيا فحسب. فقد بلغ التضخم في البرازيل الذي شعر به أصحاب الدخل المُنخفض أعلى مستوى له في ثماني سنوات في عام 2020 بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء، حيث تميل الأسر الأقل ثراءً إلى إنفاق نسبة أكبر من دخلها. وارتفع لحم البقر، وهو غذاء أساسي، بأكثر من الخُمس العام الماضي، بينما ارتفع سعر الأرز أيضاً.

ولكن من المثير للقلق أن نرى هذه الضوابط بدأت تبدو وكأنها منحى يتم انتهاجه، في الوقت الذي تخشى فيه الدول من اضطرابات مُقبلة. لقد ألغت الأرجنتين تعليقاً سابقاً على تصدير الذُرة، لكنها ستظل تحد من الشحنات اليومية حتى شهر فبراير، على أمل الحفاظ على الأساسيات في بلد من المتوقع أن يصل التضخم فيه إلى 50% في عام 2021.

أسباب تدخل الحكومات

إن السبب وراء تدخل الحكومات واضح، فارتفاع التكاليف يجعل من الصعب على العديد من الاقتصادات الناشئة التحرك مرة أخرى، خاصة تلك التي تضررت من أسعار النفط الخام المُتواضعة ومن المُشتريات الضخمة للمواد الغذائية من الخارج. وكما أنهم جميعاً على دراية بمخاطر ترك المُشكلة على حالها: فبالعودة إلى 2007-2008، غذى الارتفاع الحاد في أسعار القمح والأرز وزيت الطهي الاحتجاجات والاضطرابات.

الأمر الأكثر وضوحاً هو أن المسؤولين يتدخلون لأنهم يستطيعون ولأن الإرضاء الناجم عن هذا التدخل يتسم بالسرعة. حيث إن روسيا على وجه الخصوص تتمتع نسبياً بالاكتفاء الذاتي، كنتيجة للعقوبات المفروضة عليها بعد ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014. وهذا يعني، كما تشير "أوريليا بريتش" من "فيتش سوليوشنز"، أن باستطاعة موسكو حتى الآن تشديد القيود أكثر. وتتزايد هذه الرغبة ليتبعها الآخرون - على الأقل حتى تنخفض الأسعار، كما هو متوقع في وقت لاحق من العام.

لكن مُجرد أنك قادر على فعل ذلك لا يعني أنه يجب عليك فعله. فالتخزين في الاقتصاد العالمي لا يجدي نفعاً، بالشكل ذاته الذي لا ينفع أولئك المُتسوقين الذين يخزنون أوراق الحمام. ويمكن أن تتكاثر مثل هذه الإجراءات بسرعة، كما حدث منذ أكثر من عقد من الزمان، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة.

وتشير التقديرات إلى أن سياسات التجارة غير المُتعاونة قد شكلت 45% من الزيادة في الأسعار العالمية للأرز، و30% من ارتفاع أسعار القمح. وقد لا تؤدي الضريبة الروسية المؤقتة وحدها إلى قلب السوق، لكن من المؤكد أن خطوة أوسع ستؤدي إلى ذلك.

التدخل الحكومي يربك أسواق السلع

وكما قال في الشهر الماضي مُحافظ البنك المركزي "إلفيرا نابيولينا" إن التدخل يربك إشارات السوق في الداخل، ونادراً ما يُروج للاستخدام الأفضل للموارد، حتى لو تمكنت الإجراءات الحكومية من كبح المشكلة على المدى القصير. وفي سوق قروض الإسكان على سبيل المثال، يُغذي الدعم بالفعل طفرة مُقلقة في الرهون العقارية.

وتشمل الحلول الأقل ضرراً والأطول أجلاً للقادة المُتوترين تحسين سلاسل التوريد المحلية والنقل، وربما بناء مخزونات احتياطية في المرة القادمة. فبالنهاية، لن يؤدي تغير المناخ إلا إلى زيادة تواتر هذه الارتفاعات.

وبالنسبة للمسؤولين الروس وغيرهم، سيتم توجيه الجهود الآن بشكل أفضل نحو دعم أوسع للأسر، ونحو سياسات للحد من التأثير طويل المدى لسوء التغذية الذي يحدث عندما تصبح أساسيات الغذاء باهظة الثمن. ونحن نعلم على الأقل أن فوائد النظام الغذائي الصحي ستبقى.