معاقبة الروس لن تنهي حرب أوكرانيا

الجهود الرامية لتأليب المواطنين ضد قادتهم تميل إلى تحقيق نتائج عكسية

مشاة يمرون بجوار كاتدرائية القديس باسيل في الميدان الأحمر في موسكو، روسيا
مشاة يمرون بجوار كاتدرائية القديس باسيل في الميدان الأحمر في موسكو، روسيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إلى الآن لم تفعل العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا شيئاً لوقف حرب فلاديمير بوتين على أوكرانيا، فما يزال الروبل قوياً، وأسعار النفط مرتفعة. وقبل التقدم الذي أحرزته أوكرانيا في ساحة المعركة مؤخراً، أظهرت استطلاعات الرأي أنَّ 75% من الروس ما زالوا يؤيدون الحرب (علناً بأي حال).

فلماذا نستمر في العقوبات؟ المقاطعة الاقتصادية هي بالطبع إحدى طرق الحكومات الديمقراطية لإظهار معارضتها للاستبداد والعدوان العسكري دون الحاجة إلى خوض حرب فعلية.

وهي أيضاً تُمثّل محاولة لتأليب الناس ضد قادتهم المستبدين. وقد زعم بعض السياسيين الأوروبيين أنَّ منع الروس من السفر إلى أوروبا سيشجعهم على المطالبة بإنهاء الحرب. وتهدف معاقبة الأوليغارشية من خلال الاستيلاء على يخوتهم وتجميد حساباتهم المصرفية الأجنبية جزئياً إلى تشجيع رد فعل النخبة ضد بوتين.

"الخريف الحار" في أوروبا يسعد بوتين

واقع الأمر يتمثل في أنَّ العقاب الاقتصادي لم يحقق أبداً ذلك الأثر المرغوب بإسقاط الطغيان أو وقف العدوان العنيف؛ إذ لم يخفف الحكم الديني الإيراني، الذي لا يحبه الكثير من سكان المدن في البلاد، قبضته على الرغم من سنوات العزلة الاقتصادية. وبالمثل، ليس هناك ما يشير إلى أنَّ سلطة فلاديمير بوتين الأوتوقراطية آخذة في التضاؤل.

قصف استراتيجي

يجب على أي شخص يحتاج إلى مزيد من الأدلة أن ينظر إلى السابقة العسكرية لهذا النوع من التفكير - "القصف الاستراتيجي" لبلدات ومدن بأكملها الذي كان واضحاً خلال الحرب العالمية الثانية. فقد كان يُنظر إلى قصف المدنيين، مثله مثل فرض العقوبات، على أنَّه وسيلة لتجنب إرسال الجيوش إلى قتال دموي واستنزاف. وكانت الفكرة في البداية تتمثل في أنَّ ترهيب الناس سيجبرهم على الخضوع. وقد استخدم البريطانيون هذه الطريقة في عشرينيات القرن الماضي لإخماد تمرد رجال القبائل العراقية. واختار اليابانيون استراتيجية مماثلة في الصين في الثلاثينيات. ومن ثم اتبع الألمان الأسلوب نفسه في وارسو وروتردام في بداية الحرب العالمية الثانية، ثم واصلوا حملة القصف في لندن ومدن أخرى.

في عام 1942 بدأت الحكومات تدرس مسألة معاقبة الشعوب عن عمد على أمل أن يُسقِطوا قادتهم. وقاد هذا الاتجاه رجلان ممن شاركوا في قصف العراقيين في عشرينيات القرن الماضي؛ كرئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والسير آرثر "بومبر" هاريس، الذي كان وقتها رئيس قيادة القاذفات في سلاح الجو الملكي.

روسيا تمنح اليوان الصيني دفعة مع تصدّي شركاتها للعقوبات

كانت بريطانيا تتكبد الكثير من الخسائر في صفوف أطقم الطائرات البريطانية خلال القصف الدقيق للأهداف العسكرية، وقرّر تشرشل أنَّه سيكون من الأفضل محاولة تحطيم معنويات السكان الألمان من خلال القصف العشوائي، ظناً منه أنَّه بمجرد اشتعال النيران في هامبورغ وبرلين ومدن أخرى، سيتوقف الألمان عن دعم هتلر وعصابته.

فضلاً عن ذلك، دمّر الأميركيون كل مدينة يابانية تقريباً في عامي 1944 و1945 مع أخذ المسألة نفسها بعين الاعتبار؛ إذ كانت القنابل الذرية التي ألقيت على هيروشيما وناغازاكي آخر وأخطر مثال على القصف الاستراتيجي في الحرب.

ومع ذلك، لم ينقلب الألمان ولا اليابانيون أبداً ضد أنظمتهم. كانوا يعلمون أنَّ انتقاد قادتهم في الأماكن العامة قد يعني الموت. بدلاً من ذلك حاول الناس البقاء على قيد الحياة قدر استطاعتهم.

مردود عكسي

إذا كان هناك أي آثار لذلك؛ فهي تتحدد في المعاناة المشتركة التي تميل إلى حشد الناس ضد العدو المشترك وتعزيز الدعم لقادتهم. وقد تعلمت الولايات المتحدة هذا الدرس مرة أخرى في شمال فيتنام في أوائل السبعينيات، عندما حاول البنتاغون قصف تلك الدولة لإخضاعها.

ربما كانت الأمور ستختلف لو كان الألمان، واليابانيون، والفيتناميون، أو الإيرانيون، والروس اليوم، أحراراً في معارضة قادتهم. الحالة الوحيدة التي لقيت فيها العقوبة الاقتصادية النجاح كانت في جنوب أفريقيا. حيث ساعدت المقاطعة الاقتصادية والرياضية التي أذلّت البلاد وعزلتها في إسقاط نظام الفصل العنصري، وكان ذلك ممكناً فقط لأنَّ البيض في جنوب أفريقيا، على عكس السود، كانوا يعيشون في ديمقراطية، إذ إنَّ الأصوات والرأي العام مهمان.

روسيا تحصي خسائرها من العقوبات بصمت

من الواضح أنَّ بوتين يعتمد على هذا التمييز على أمل أن يؤدي قطع إمدادات الطاقة عن أوروبا هذا الشتاء إلى دفع المواطنين هناك إلى إعادة التفكير في دعم أوكرانيا. كما يعتقد هو وأتباعه أنَّ الناس في الغرب الليبرالي منحطون ولينون؛ وفي حين يمكن للروس، من وجهة نظر بوتين، أن يتحملوا الألم؛ يعجز الأوروبيون عن ذلك.

لقد شارك العديد من المستبدين في هذا التحيز في الماضي. فقد بدأت الحروب في أوروبا وآسيا على افتراض أنَّ المواطنين الأحرار يفتقرون إلى الجرأة للقتال. وبالفعل، قد تكون الديمقراطيات عرضة للضغوط التي ليس لها نفس التأثير في البلدان الاستبدادية. كما يصعب استمرار الحروب في الديمقراطيات بمجرد أن يرفض الجمهور تأييدها.

وفي الوقت نفسه، يُظهر الأوكرانيون بالتأكيد استعدادهم للقتال من أجل حريتهم، تماماً كما فعل البريطانيون في الحرب العالمية الثانية. ويعود الأمر الآن إلى الديمقراطيات الأخرى لتحمّل عواقب مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وإذا كان بإمكان الروس مقاومة الضغط الاقتصادي في قضية بائسة،

فلا ينبغي أن يفعل الأوروبيون أقل من ذلك في قضية أخلاقية فاضلة.