حرب بوتين تمنح اقتصاد روسيا دفعة هادئة متجاوزة أسوأ التوقعات وسط العقوبات

زيادة إنتاج القطاعات المرتبطة بالتصنيع العسكري من أسلحة وذخيرة ومركبات وطائرات

فلاديمير بوتين
فلاديمير بوتين المصدر: أ.ف.ب
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أنَّ الحرب الآخذة في الاتساع التي يقوم بها الرئيس فلاديمير بوتين تعمل على زيادة الإنتاج الصناعي الروسي، مما يساعد اقتصاده على تجاوز العديد من أسوأ التوقُّعات وسط العقوبات.

لم تحجب السرية التي تحيط بتصنيع المعدات العسكرية تماماً التأثير الذي بدأت تحدثه على الإنتاج. ارتفع إنتاج السلع المعدنية الجاهزة - هو خط إحصائي يتضمن الأسلحة والقنابل وأنواعاً مختلفة من الذخيرة إلى جانب عناصر مثل أدوات المائدة - بنسبة 30% تقريباً في يوليو على أساس سنوي، بعد انخفاضات حادة في الأشهر السابقة.

توجد فئة منفصلة تسمى "المركبات والمعدات الأخرى" التي تشمل إلى جانب الدراجات والمنتجات المماثلة، السفن والطائرات والدروع، وهي من بين أكبر الشركات ذات الأداء المتفوق.

قالت تاتيانا أورلوفا من "أكسفورد إيكونوميكس": "أداء التصنيع كان سيصبح أسوأ بكثير لولا الحرب".

طالع المزيد: ما أهمية إقليم دونباس الأوكراني لبوتين؟

هجوم أوكرانيا المضاد

من المقرر أن تضيف الانتكاسات الشديدة التي حدثت خلال سبتمبر في مواجهة الهجوم المضاد بشمال أوكرانيا إلحاحاً للجهود التي تبذلها روسيا لتعبئة الموارد لما يبدو بشكل متزايد أنَّها تمثل حملة ستمتد إلى ما بعد 2022.

اقرأ أيضاً: الغزو الروسي يدمر معظم قدرات توليد طاقة الرياح في أوكرانيا

مع ذلك، من المرجح أن يكون الانتعاش الاقتصادي بفضل صناعة الدفاع قصير الأجل، خاصة إذا أدى إلى تشتيت القوى البشرية بينما تؤدي العقوبات إلى إضعاف آلة الحرب الروسية من خلال حرمانها من المكونات والتكنولوجيا.

كما تهدد المواجهة بشأن شحنات الطاقة إلى أوروبا باستتزاف الإيرادات، إذ أوقفت روسيا بالفعل معظم إمداداتها من الغاز لسوقها الرئيسية، وتقوم ببيع الخام مقابل خصومات.

دفاعات مالية

سارعت روسيا لإقامة دفاعات مالية لمواجهة الصدمة التي لحقت باقتصادها بعد غزو أوكرانيا في فبراير، لكن من المحتمل أن يستغرق تحويل القاعدة الصناعية إلى قاعدة حرب وقتاً أطول.

طالع أيضاً: بوتين يهدد بوقف إمدادات الطاقة عن أي دولة تفرض قيوداً على السلع الروسية

بحلول يوليو، وقَّع بوتين على قانون يفضي إلى منح الحكومة سيطرة غير عادية على الشركات لدعم الجيش من خلال إجبارها، إذا لزم الأمر، على توجيه الإنتاج لتلبية الاحتياجات العسكرية أو العمل لساعات إضافية.

قالت أورلوفا: "بيانات يوليو تؤكد أنَّ الزيادة في طلبات الدولة المقدمة للمجمع الصناعي العسكري تدعم التصنيع في روسيا، كما بدت أرقام الإنتاج الصناعي صحيحة في الأشهر القليلة الماضية".

قد تشير الأدلة المتزايدة إلى أنَّ روسيا بدأت في التعامل بشكل أفضل مع الاضطرابات المدمرة الناجمة عن العقوبات. في مايو، قالت الولايات المتحدة إنَّ ضوابطها على الصادرات أوقفت العمل في مصنعين روسيين كبيرين للدبابات.

لكنَّ التقارير المحلية الأخيرة تشير إلى أنَّ أحد المصنعين - "أورال فاغون زافود"- يسرع وتيرة التعافي. تحول الأشخاص المنخرطون في الصناعات الدفاعية هناك إلى يوم عمل مدته 12 ساعة، ويمكنهم التطوع في وردية مدتها ثماني ساعات في أيام السبت.

المنتجات النهائية

لم ترد دائرة الإحصاء الفيدرالية الروسية على استفسار حول البيانات المتعلقة بالصناعة الدفاعية، لكنَّها قالت إنَّها تجمع إحصاءات حول السلع المعدنية الجاهزة وفقاً لنظام رسمي لتصنيف النشاط الاقتصادي. قالت إنَّ الفئة لا تشمل "المنتجات النهائية" للصناعة العسكرية، دون توضيح ما يعنيه ذلك.

تضم تسمية المجموعات، التي تم تعديلها آخر مرة في يوليو 2022، عدداً كبيراً من المنتجات المعدنية من أسلحة وذخائر وقنابل وصواريخ وطلقات وغيرها.

أصبح الحصول على قراءة دقيقة للاقتصاد أكثر صعوبة بعد أن توقفت الحكومة عن نشر بعض الإحصائيات الرئيسية، ولم تعد تكشف عن أرقام شهرية توضح مقدار ما يتم إنفاقه على بنود الميزانية المختلفة بما في ذلك الدفاع.

الانتعاش الصناعي هو أحدث مثال على ذلك، ودور الجيش يضيف التعقيد فقط. انكمش إنتاج المصانع، الذي كان في السابق يمثل مؤشراً لأداء الاقتصاد ككل، في يوليو، وهو نفس الشهر الذي انكمش فيه الناتج المحلي الإجمالي بنسبة سنوية بلغت 4.3%.

تناقض البيانات

على النقيض من ذلك، قام مركز تحليل الاقتصاد الكلي والتنبؤ على المدى القصير، بفحص البيانات الرسمية ليجد أنَّ الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 3.1% على أساس سنوي. عزا الباحثون الاختلاف مع الرقم الأكثر تفاؤلاً لهيئة الإحصاء جزئياً إلى استبعادهم للعناصر المصنفة في حساب الناتج.

اقرأ المزيد: بوتين: روسيا ستتغلب على العقوبات.. والغرب سيعاني أكثر

توضح مؤشرات أخرى للصناعة الروسية حدوث هبوط، سواء عبر مقياس ثقة الأعمال في التصنيع، أو المؤشر الذي جمعه البنك المركزي الروسي. أشار استطلاع لمديري المشتريات أجرته وكالة "إس آند بي غلوبال" إلى أنَّ شركات التصنيع شهدت انخفاضاً لمدة ستة أشهر في الإنتاج بحلول أغسطس.

مع ذلك، أظهرت البيانات الرسمية أنَّه من حيث الشروط المعدلة موسمياً ويوم العمل، لم ينخفض ​​إنتاج المصانع منذ أبريل، وبدأ في النمو بالفعل في يوليو.

من المحتمل أن تكون الطلبات العسكرية قد ساهمت في انتعاش التصنيع خلال يوليو، وفقاً لـ يفغيني سوفوروف، الاقتصادي الروسي الرائد في مصرف " سنتروكريدي بنك" (CentroCredit Bank).

من المحتمل أيضاً أن يكون التحفيز وراء زيادة غير متوقَّعة في نشاط البناء خلال الشهر نفسه، عندما فاجأ الاقتصاديين بنمو أكثر من 6% على أساس سنوي، على حد قوله.

حرب استنزاف

مع ذلك، ليس من المعقول أن تتمكن روسيا من تلبية احتياجاتها الخاصة، خاصة إذا تحولت المعارك في أوكرانيا إلى حرب استنزاف. قالت الولايات المتحدة إنَّها استوردت بالفعل طائرات إيرانية من دون طيار وتريد شراء ملايين الصواريخ وقذائف المدفعية من كوريا الشمالية لاستخدامها ضد أوكرانيا.

يمكن أن تتعرض الميزانية أيضاً لضغوط. يقدَر جانيس كلوج، محلل الاقتصاد الروسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين، أنَّ الإنفاق الدفاعي في الأشهر السبعة الأولى من العام كان أعلى بنحو 20 مليار دولار من نفس الفترة من عام 2021.

طالع المزيد: "التمويل الدولي": اقتصاد روسيا سينكمش 15% بسبب العقوبات

قال مسؤول كبير إنَّ ميزانية المشتريات الدفاعية من المرتقب أن ترتفع إلى 700 مليار روبل (11 مليار دولار) خلال 2022. في عام 2021، بلغ الإنفاق العسكري الروسي بأكمله نحو 65.9 مليار دولار.

لدى بلوغه 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي الشهري، سجلت الحكومة بالفعل أكبر عجز بالموازنة في يوليو منذ صيف 2020، وانكمش فائضها بشكل حاد في أغسطس.

قالت ألكسندرا أوسمولوفسكايا-سوسلينا، الخبيرة الاقتصادية الروسية المستقلة: "من الصعب حساب المدة التي يمكن للإنفاق العسكري أن يدعم فيها النمو الصناعي، لأنَّ البيانات محجوبة.. ربما لمدة عام أو ربما أكثر".