ترقية نظام "إيثريوم" أمل جديد لعملات مشفرة صديقة للبيئة

ترقية العملة المشفرة إلى "إثبات الحصة" تقلل 99% من استخدام الطاقة

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من أين تأتي الأموال؟ في حالة الدولار تُطبع العملة عن طريق دار سك النقود. أما عندما يخص الأمر العملات المشفرة تكون الإجابة أكثر تعقيداً. فمنذ نشأة تلك العملات كان الرمزان الرقميان الأعلى قيمة سوقية، وهما: "بتكوين" و"إيثريوم"، يصدران فقط للسداد مقابل المهمات التي يؤديها من يُطلق عليهم بـ"المعدنين" عبر استخدام أنظمة معروفة بـ"إثبات العمل". وهو نهج لاقى انتقادات متزايدة بسبب كميات الطاقة الهائلة التي يستهلكها، والتلوث الذي ينبعث منه. لكن هذا تغير في 15 سبتمبر الجاري، عندما أعلنت "إيثريوم"، وهي المنصة المسؤولة عن إدارة العملة المشفرة التي تحمل الاسم نفسه، عن تحويل عملها إلى نظام "إثبات الحصة"، وهي ترقية كبيرة تعرف باسم "الدمج" (Merge). ويقول أنصار هذا النهج إنه سيخفض استخدام "إيثريوم" للكهرباء بنحو 99.%

1) ما استخدامات نهج "إثبات" الأنظمة؟

لن تعمل العملات المشفرة دون سلاسل الكتل (بلوكتشين)، وهي تقنية حديثة نسبياً تؤدي الوظيفة القديمة المتمثلة في الحفاظ على سجلات المعاملات التي تُرتّب زمنياً، لكن وجه الاختلاف بين هذه السجلات والدفاتر التي تُكتب بالورقة والقلم، هو أن الأولى تجري مشاركتها عبر مجموعة كبيرة من الحواسيب حول العالم. كما تضطلع "بلوكتشين" بمهمة أخرى لا نحتاجها في عالم النقود الورقية، وهي التأكد من عدم قدرة أي شخص على إنفاق الرمز المميز للعملة المشفَّرة أكثر من مرة عن طريق التلاعب في السجلات الرقمية. وتُدار سلاسل "بلوكتشين" دون وصي مركزي مسؤول عن السجلات -على غرار البنوك- إذ يعتمد كل من نظامي إثبات العمل وإثبات الحصة على مجموعة إجراءات لطلب وحماية سجل "بلوكتشين" ذي الترتيب التسلسلي.

2) كيف نطبق هذا النهج؟

قبل أن تظهر تقنية "الدمج" -في كل من شبكتي "بتكوين" و"إيثريوم"- كانت المعاملات تُجمع في "كتل" تُنشر بعد ذلك في "سلسلة" عامة، لكن أسلوب الترتيب لم يُستخدم إلا بعد ظهور نظام "إثبات العمل". في حالة برمجة "بتكوين"، يُطبق ذلك عندما يضغط النظام البيانات في الكتلة لتحويلها إلى رمز مشفر لا يمكن حله إلا من خلال استخدام حسابات التجربة والخطأ التي تحتاج أحياناً لملايين المحاولات حتى تصل للحل الصحيح. هذا العمل يضطلع به المعدنون، ممن يتنافسون للوصول لهذا الحل أولاً، وإذا أقر المعدِّنون الآخرون بأن حلهم صحيح بالفعل؛ فتكون مكافأتهم بعملة مشفرة مجانية.

3) ما أوجه قصور "إثبات العمل"؟

عندما ناهز سعر "بتكوين" و"إيثريوم" بضع سنتات، كان التعدين رخيصاً أيضاً. لكن مع ارتفاع قيمة العملات المشفرة، بدأت منافسة شرسة في القطاع، مع ضخ المُعدّنين موارد كبيرة أملاً في الحصول على عملات معدنية جديدة.

سوق التشفير تراهن بمليارات الدولارات على تحديث "إيثريوم" الجديد

استجابت برمجة نظام "بتكوين" للمنافسة المتزايدة من خلال تسريع الصعوبة الحسابية لرموز "بلوكتشين" المشفرة. لكن الاستخدام المرتفع بشدة للكهرباء الناتج عن ذلك أدى لظهور دعوات من المدافعين عن البيئة لتجنب عملات "بتكوين" و"إيثريوم". كما درس الاتحاد الأوروبي إمكانية حظر ممارسات "إثبات العمل" قبل أن يتخذ قراراً يُلزم مزودي الأصول المشفرة بالكشف عن حجم استهلاكهم للطاقة، والأثر البيئي للأصول التي يختارون إدراجها. تسبب نظام "إثبات العمل" أيضاً في تزايد هيمنة مزارع التعدين المركزية الضخمة، وهو تطور أدى إلى ظهور ثغرة أمنية جديدة في النظام المصمم ليكون لامركزياً. فمن الناحية النظرية، يمكن إعادة كتابة رمز "بلوكتشين" من قبل أي طرف يسيطر على أغلب طاقة التعدين.

4) ما هو "إثبات الحصة"؟

الفكرة الكامنة وراء نظام "إثبات الحصة"، الذي تبنّته "إيثريوم" في "الدمج"، هي أن "بلوكتشين" يمكن تأمينها بعدة أشكال من خلال منح بعض الأشخاص محفزات على طريقة "العصا والجزرة" للتعاون في إتمام المهمة المطلوبة منهم، إذ يمكن للأشخاص الذين يقدّمون أو بمعنى أصح يرهنون 32 وحدة "إيثريوم" (تم تداول إيثريوم مقابل 1600 دولار تقريباً في 14 سبتمبر) أن يصبحوا "مدققين". أما من يرهن أقل من ذلك فيصبح "مدققاً مشاركاً". يتم اختيار المدققين لإجراء أوامر على كتل المعاملات في "بلوكتشين - إيثريوم"، وإذا قُبلت الكتلة من قبل لجنة تُسمّى بـ"المصدقين" يُكافَأُ المدققون بـ"إيثريوم". لكن أي شخص يحاول التلاعب بالنظام قد يخسر العملات التي رهنها. كان أول اختبار لنظام "إثبات الحصة" في "إيثريوم" على "بلوكتشين" يسمى "بيكون تشين" (Beacon Chain)، لكنها انفصلت عن هذا النظام. وجُمعت العملتان المشفرتان –"إيثريوم" و"بيكون تشين"- معاً في "الدمج" الأخير.

5) ما مزايا النظام؟

يُفترض أن يؤدي الانتقال من إثبات العمل إلى إثبات الحصة لخفض استخدام "إيثريوم" للطاقة بنحو 99.9%، أو ما يعادل 45 ألف غيغاواط/ ساعة سنوياً، أي أكثر قليلاً من استخدام نيوزيلندا بأكملها للطاقة.

اقرأ أيضاً: رئيس أفريقيا الوسطى لـ"الشرق": العملات المشفرة ذهب المستقبل

فيما يخص بصمتها الكربونية؛ سيكون الإثبات بشكل أساسي مثل أي عملية أخرى على الإنترنت، إذ لا يتطلب استخدامه للطاقة أكثر من تشغيل شبكة من الحواسيب الآلية، بدلاً من أجهزة ضخمة تعادل مجموعة من المصانع الرقمية العملاقة.

6. ما عيوبه؟

لم يُختبر إثبات الحصة في الظروف القاسية بصورة كبيرة مقارنة بإثبات العمل، الذي خضع للتدقيق الأمني على مدى أكثر من عقد. لذلك؛ يمكن اكتشاف ثغرات جديدة فيه. كما أن إضافة نظام جديد إلى منظومة عمل "إيثريوم" ينذر بزيادة قوتها بشكل خطير، ويحولها إلى أحد المعروفين باسم "البناة"، الذين يجمعون حزم المعاملات في كتل، وينقلونها إلى المدققين. يوجد حالياً ما يزيد عن 420 ألف مدقق، لكن هناك عدد محدود من البناة. إذا قررت شركة كبرى من مقدمي "محافظ العملات المشفرة" -وهي برامج مختصة بتحويل العملات وتخزينها- إرسال جميع معاملاتها إلى أحد البناة دون غيره؛ فقد يتمكن من مراقبة المعاملات وفرض أسعار باهظة. يعتقد مؤيدو إثبات الحصة أن الفوائد البيئية لهذ النظام تستحق المخاطرة، بالإضافة إلى أن إشراك مجموعة أكبر من المستخدمين في هذه العملية، أكثر مما تتطلبه شركات التعدين التقليدية، قد يحتاج إلى نفقات كبيرة لشراء حواسيب آلية متخصصة.

7. ما نوع المشكلات التي يمكن أن تظهر في "الدمج"؟

لا تجري ترقيات البرامج الكبرى بسلاسة غالباً. فبالرغم من سنوات الاختبار التي سبقت "الدمج"، لكن من المحتمل أن تظهر العديد من الثغرات والمشكلات في الأسابيع حتى الأشهر التالية للتحول.

تتعلق بعض هذه المشكلات بما يُسمّى "الانشقاقات" (Forks)، أي ظهور نسخ منشقة عن "إيثريوم"، والتي يُتوقَّع ظهورها واستمرار اعتمادها على المُعدِّنين. بسبب هذه الانشقاقات؛ يكون هناك خطر هجمات إعادة استخدام الرمز، التي يكرر القراصنة الإلكترونيون فيها معاملة المستخدم المنفّذة باستخدام أحد السلاسل على شبكة إثبات الحصة الرئيسية لـ"إيثريوم" لسرقة العملات المشفرة.

اقرأ المزيد: في أحدث هجوم إلكتروني.. قراصنة يسرقون 590 مليون دولار من العملات المشفرة

برغم تحصين "إيثريوم" ضد الهجمات المماثلة، لكن بعض التطبيقات التي تعمل على الشبكة قد لا تتضمن الحماية اللازمة منها في برمجتها الأساسية.

8) هل سيغير "الدمج" تجربة مستخدم "إيثريوم"؟

لا، لن يغير الدمج تكاليف معاملات الشبكة أو سرعتها. لكنه يؤسس بالفعل لترقيات البرمجة المستقبلية التي يأمل داعمو المنصة في تحسينها للتكاليف والسرعة على حد سواء.

9. إذا نجح "الدمج"؛ ماذا سيعني هذا بالنسبة لـ"بلوكتشين" إثبات العمل؟

إذا بدأ نظام "إيثريوم" الجديد في العمل بشكل جيد؛ قد يضغط بصورة أكبر على أنظمة إثبات العمل الأخرى -لا سيما "بتكوين"- للتبديل إلى عملية أكثر كفاءة في استخدام الطاقة أيضاً. منذ فترة طويلة منعت المخاوف البيئية المحيطة بسلاسل "بلوكتشين" المماثلة الشركات الكبيرة والصناديق الملتزمة بمكافحة تغير المناخ من الاستثمار في العملات المشفرة. لكن "إيثريوم" تأمل أنه بمجرد تحولها إلى منصة أكثر صداقة للبيئة؛ فإن مزيداً من المستثمرين المؤسسيين قد يعيدون النظر في شراء عملتها "إيثريوم"، إضافة إلى انتقال مطورين أكثر إليها، ممن تجنّبوا بالماضي المشاركة في بناء أقسام التمويل والألعاب والتطبيقات الأخرى الموجودة على شبكتها بسبب استهلاكها العالي للطاقة.

اقرأ المزيد: هل تنتزع "إثيريوم" قيادة سوق العملات المشفّرة من "بتكوين"؟

قد ينتج عن هذا شيء يسميه محترفو العملات المشفرة بـ"التقليب"، الذي يعني بالأساس تفوق الرسملة السوقية لـ"إيثيريوم" على نظيرتها في "بتكوين" للمرة الأولى. قبل "الدمج"، كانت قيمة "بتكوين" ضعف "إيثريوم" تقريباً.

10) كيف يمكن أن يغير "الدمج" اقتصاديات "إيثريوم"؟

من خلال تغيير خصائص "إيثريوم" يمكن للدمج أن يجعلها أشبه بالأوراق المالية ذات العائد، إذ ستحقق عملات "إيثريوم" المرهونة عائداً لأصحابها، ومن المتوقَّع أن يصل إلى 5.2% تقريباً مباشرة بعد "الدمج"، وفقاً لموقع تزويد البيانات "ستيكنغ ريوردس" (Staking Rewards) بالإضافة إلى توقعات انخفاض صافي المعروض من عملات "إيثريوم"، ربما يحدث هذا بعد بضعة أشهر من التحديث، ومن المفترض أن يجعل ذلك العملة أكثر جاذبية للمستثمرين. حالياً، يُستخدم 11% فقط من عملات "إيثريوم" لرهنها على المنصة. لكن في نهاية المطاف، قد تصل نسبة العملات المرهونة منها إلى 80% ، مما يعني أنها ستُجمّد لبعض الوقت. وقد يكون لذلك عواقب على السيولة والتسعير طويل الأجل لـ"إيثريوم".

11) ماذا يعني تجميد عملات "إيثريوم" المرهونة؟

يجب أن تخضع "إيثريوم" لترقية أخرى لبرمجتها، ومن المتوقع أن تمر 6 أشهر على الأقل من "الدمج" لتنفيذ ذلك، ومن ثم السماح بسحب عملات "إيثريوم" المرهونة. وحتى عندما يُلغى التجميد؛ ستكون عمليات السحب مقيّدة. لذلك؛ سيتحمل المستثمرون مخاطر كثيرة عند تجميد عملاتهم من "إيثريوم".