لماذا يجذب صراع أرمينيا وأذربيجان تدخلات القوى الكبرى؟

الدولتان تحاربان بالوكالة عن روسيا وتركيا وتطمحان للسيطرة على إقليم ناغورنو كاراباخ

جندي من أرمينيا يقوم بدوريات على طريق على خط وقف إطلاق النار المرسوم بين أرمينيا وأذربيجان خارج قرية بيرداشين، في نوفمبر 2020
جندي من أرمينيا يقوم بدوريات على طريق على خط وقف إطلاق النار المرسوم بين أرمينيا وأذربيجان خارج قرية بيرداشين، في نوفمبر 2020 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت الحرب القصيرة في 2020 بين أذربيجان وأرمينيا، بسبب إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، حلقة من الصراع الذي اشتعل مراراً وتكراراً بينهما على مدى ثلاثة عقود ماضية منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. فبدعم من تركيا، استعادت القوات الأذرية سيطرتها على 7 مقاطعات متجاورة احتلها الأرمن منذ الصراع الأول في بدايات التسعينيات. كما هيمنت أذربيجان على جزء من ناغورنو كاراباخ نفسها، وهي منطقة مأهولة بعدد كبير من الأرمن، وهي جزء من أذربيجان وفق الاعتراف الدولي بذلك. برغم أنَّ الهدنة التي توسط فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوقفت القتال في ذلك الحين، لم تتوصل أذربيجان الغنية بالطاقة وأرمينيا غير الساحلية إلى اتفاق سلام نهائي، واندلعت اشتباكات مميتة على الحدود بينهما مجدداً في سبتمبر الجاري.

1) ما أصل النزاع؟

في الوقت الحالي تقع أرمينيا وأذربيجان ضمن منطقة اتسمت بحدودها المتقلبة لقرون، مع معاناة الدولتين من التفرقة والوحشية على أيدي الإمبراطوريات الروسية والعثمانية والفارسية الأكبر حجماً بكثير. بدأ المجتمعان في قتال بعضهما مع انهيار هذه الإمبراطوريات في نهاية الحرب العالمية الأولى سعياً لتشكيل دولتين مستقلتين، تدعم روسيا أرمينيا، بينما تؤيد تركيا العثمانية أذربيجان فيما يرقى إلى وصفها بأنَّها حرب بالوكالة. وقَّعت ناغورنو كاراباخ في قلب الصراع منذ البداية، لأنَّ المنطقة الجبلية تحتضن مجتمعاً مختلطاً من الأرمن والأذريين، وكان ينظر إليها من قبل الدولتين على أنَّها محورية في تاريخهما وهوياتهما الوطنية.

2) ما الدور الذي لعبه تفكك الاتحاد السوفيتي؟

بعدما سيطر الاتحاد السوفيتي على الدولتين حديثتي العهد في 1921، زرع زعيمه جوزيف ستالين بذور الصراع الموجودة اليوم، حيث ضم ناغورنو كاراباخ لأذربيجان، لكن في 1923 قسمها كمنطقة ذاتية الحكم، مع ترسيم حدودها بطريقة تسببت في أن يسكنها الأرمن بنسبة تزيد عن 90%. اندلعت أعمال العنف الأولى في النزاع الحالي خلال 1988، بعدما اتضح أنَّ أيام الإمبراطورية السوفيتية أيضاً قد تكون معدودة. بدأت الجمهوريتان السوفييتان في الضغط من أجل الاستقلال، الذي يعني في جوهره بالنسبة لهما الحصول على حدود إدارية داخلية. صوتت الجمعية الوطنية في ناغورنو كاراباخ لصالح إنهاء وضعها المستقل والانضمام إلى أرمينيا. وقعت مذابح ضد كل من أصحاب الأصول الأذرية في أرمينيا وأصحاب الأعراق الأرمنية في أذربيجان. وإجمالاً، قُتل ما يزيد عن 30 ألف شخص في الحرب بأوائل التسعينيات، فيما لقي أكثر من 6000 شخص مصرعهم بالحرب التي استمرت 44 يوماً خلال 2020، فضلاً عن العشرات في اشتباكات العام الجاري.

3) كيف ساهم تاريخ أرمينيا في ذلك؟

برغم أنَّ مجتمعات الأرمن والأذريين في كاراباخ عاشت بسلام معاً، واندمجت بشكل جيد نسبياً حتى 1988، لكنَّ تاريخ أرمينيا بصفة خاصة لعب دوراً كبيراً في تأجيج النزعة القومية. فالإبادة الجماعية في 1915، التي قتل فيها النظام العثماني البائد ما يصل إلى 1.5 مليون أرمني أثناء طردهم من الأناضول، تركت ندوباً عميقة.

اقرأ أيضاً: أرمينيا تتهم أذربيجان بالتحضير لهجوم عسكري جديد

تسبب الخوف من تركيا في شعور أرمينيا بالاعتماد بشكل غير طبيعي على روسيا للحصول على الدعم العسكري بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كما أصبح العديد من الأرمن ينظرون إلى الأذريين على أنَّهم أتراك بدائيون، متجاهلين التهديد الذي قد ينتج عن ذلك. لكن واقع الأمر هو أنَّ الأذريين والأتراك مختلفان، فبالرغم من تحدث أهل أذربيجان باللغة التركية، إلا أنَّ معظمهم من المسلمين الشيعة، في حين أنَّ غالبية الأتراك من السُنة.

4) لماذا تتدخل تركيا، وما أهدافها؟

لقد أغلقت تركيا حدودها ورفضت إقامة علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، يرجع ذلك من ناحية إلى نزاع كاراباخ، ومن ناحية أخرى إلى التوتر الأوسع نطاقاً بشأن الإبادة الجماعية في 1915. (لكن منذ حرب عام 2020 بدأ الجانبان في تطبيع العلاقات وإعادة فتح حدودهما جزئياً).

على النقيض من ذلك، تزود أذربيجان تركيا بالغاز الطبيعي والنفط الخام عبر خطوط الأنابيب التي تمر نحو 10 أميال (ما يعادل 16 كيلومتراً) على الحدود بين أذربيجان وأرمينيا، وحوالي 30 ميلاً من منطقة الصراع الأوسع نطاقاً. نتيجة لذلك؛ انحازت تركيا إلى جانب أذربيجان في نزاع كاراباخ مراراً. اقتصر هذا الدعم حتى وقت قريب على الخطب السياسية، لكنَّ المعونات العسكرية التركية، بما فيها الطائرات المقاتلة "أف-16" والطائرات من دون طيار، أثبتت أنَّها حاسمة في صراع 2020. كما وقَّعت الدولتان اتفاقية دفاع بعدها بعام.

اقرأ أيضاً: أرمينيا تطالب روسيا بالتدخل لمنع "حرب شاملة" مع أذربيجان

جاءت التغييرات خلال الوقت الذي استخدم فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القوة الصارمة للضغط من أجل إذكاء المصالح التركية في معظم منطقة الخلافة العثمانية السابقة، بما في ذلك ضد روسيا وسوريا وليبيا وقبرص واليونان وإسرائيل في شرق البحر المتوسط. وبرغم عدم توقيعه على اتفاق السلام، إلا أنَّ تلك المعركة تمثل انتصاراً استراتيجياً للرئيس التركي الذي أثبت أنَّه قادر على اختراق الظهير الخلفي لروسيا في القوقاز.

5) ماذا تضمنت الهدنة؟

أعادت الهدنة بفاعلية سيطرة أذربيجان على معظم الأراضي التي فقدتها في التسعينيات، بينما لم تذكر أي شيء حول الوضع النهائي للإقليم المتنازع عليه. أرسلت روسيا، التي تملك قاعدة عسكرية في أرمينيا، 2000 جندي لحفظ السلام إلى ناغورنو كاراباخ. ونصت الاتفاقية على إتاحة ممر بري، تحت حراسة القوات الروسية، يمكن من خلاله لسكان ناغورنو كاراباخ الوصول إلى أرمينيا. من المفترض أيضاً أن تسمح للأشخاص في منطقة ناكسيفان الأذربيجانية، التي تملك حدوداً مشتركة مع أرمينيا وإيران وتركيا، بالسفر عبر جنوب أرمينيا إلى باقي أنحاء أذربيجان، لكن لم يُفتح هذا الممر حتى سبتمبر 2022. وما يزال التوصل لاتفاق سلام كامل أمراً مستبعداً برغم الجهود الدولية لتعزيز المحادثات.

6) ما الدور الذي اضطلعت به روسيا؟

بوصفها جارة ذات قوة نووية عظمى ودولة ذات سيادة سابقة؛ تتمتع روسيا بنفوذ مع كلا البلدين. وقَّعت موسكو اتفاقية دفاع مع أرمينيا، برغم أنَّها لا تشمل منطقة ناغورنو كاراباخ. لكن مع هذا، ألغت هذه الاتفاقية -التي جرى التوقيع عليها في 2020- ويشار إلى الوصف الغريب الذي كان يصنف الإقليم كمنطقة غير نشطة متنازع عليها في أراضٍ سوفيتية سابقة، حيث لم يكن لدى روسيا قوات على الأرض قادرة على حسم النتيجة.

اقرأ المزيد: روسيا تتوسط للتهدئة بين أرمينيا وأذربيجان عقب الاشتباكات الحدودية

تعتمد أرمينيا الآن أكثر من أي وقت مضى على التأمين الهائل الذي توفره القاعدة الروسية. ومنذ 1994، سمحت ثروة أذربيجان من النفط والغاز بزيادة إنفاقها العسكري بشكل كبير، وذهب الكثير من هذه الأموال إلى شراء الأسلحة من موسكو التي تسلّح الجانبين.

7) ماذا عن الولايات المتحدة وفرنسا؟

تعد روسيا والولايات المتحدة وفرنسا أعضاء فيما يسمى بمجموعة وسطاء "مينسك" (Minsk)، التي حاولت منذ عقود التفاوض على تسوية. اعتادت الولايات المتحدة على ممارسة نفوذ كبير، كونها تستضيف جالية من أرمينيا كبيرة وثرية ونشطةـ كما أنَّها داعمة أساسية لطرق أنابيب النفط والغاز الأذرية الجديدة، التي تلتف حول الحدود وتنافس شبكة النقل الروسية. برغم تراجع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة في السنوات الأخيرة؛ إلا أنَّ وزير الخارجية الأميركي، توني بلينكين، اتصل بزعماء أرمينيا وأذربيجان في سبتمبر لحثهم على وقف الأعمال العدائية. فيما أعرب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن تعاطفه مع أرمينيا، لكنَّ نفوذه على أذربيجان يبدو محدوداً. وقَّع الاتحاد الأوروبي في يوليو الماضي اتفاقية لأجل مضاعفة واردات الغاز الطبيعي من أذربيجان في الوقت الذي تسعى خلاله كتلة اليورو إلى تحرير إمدادات الطاقة من قبضة بوتين، وسط المواجهة الدائرة بينهما حول الغزو الروسي لأوكرانيا.

8) ما وضع الطاقة؟

تناهز طاقة خط أنابيب النفط "باكو-تبليسي-جيهان" 1.2 مليون برميل يومياً. يضخ الخط عادةً نصف هذا المستوى فقط، لكنَّ الإمدادات زادت منذ مايو الماضي، عندما أوقفت شركة "بي بي" صادرات النفط عبر خط أنابيب الطريق الغربي، المعروف أيضاً باسم باكو سوبسا، وحوّلتها إلى "باكو - تبليسي – جيهان". أشارت الشركة إلى عدم وجود ناقلات في البحر الأسود الذي تعطلت عمليات الشحن فيه بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.

صدّر خط أنابيب جنوب القوقاز -وهو الفرع الأول لسلسلة خطوط الأنابيب المعروفة باسم ممر الغاز الجنوبي الذي يربط أذربيجان بأوروبا عبر جورجيا وتركيا- 14.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في الأشهر الثمانية الأولى من 2022، بزيادة 23% مقارنة بالعام السابق.