وظيفة المدير المالي ربما هي الأصعب بين وظائف الإدارة العليا

جعل الوباء دور المدير المالي أقرب إلى مستشار استراتيجي في ظل اختفاء وظيفة مدير التشغيل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت جينا ماستانتونو مديرة مالية لدى شركة "سيرفيس ناو" (ServiceNow) لتطوير البرمجيات منذ شهرين تقريباً في مارس 2020 حين ضرب الوباء، فكان عليها اتخاذ سلسلة قرارات سريعة، منها رفع توصيات للرئيس التنفيذي بالمضي قدماً في خطط التوظيف والتوسع، رغم احتمالية تباطؤ نمو الإيرادات وتحويل معظم موظفي الشركة، البالغ عددهم 10 آلاف موظف، للعمل عن بُعد.

أسفرت توصيات ماستانتونو عن نجاحات كبيرة، إذ بلغت مبيعات الشركة التي تنتج تطبيقات تنظيم سير العمل في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا نحو 6 مليارات دولار العام الماضي، بزيادة 70% عما حققته قبل "كوفيد"، ولديها الآن أكثر من 19 ألف موظف. تقول ماستانتونو إنّ عمل المديرين الماليين بات أقرب إلى مستشارين استراتيجيين هذه الأيام ولم يعودوا أقرب إلى محاسبين كما في الماضي.

مدير يسجل رقماً قياسياً بعمله في نفس الشركة لمدة 84 عاماً

لقد تمددت وظيفة المدير المالي، وهي فعلاً إحدى أعقد الوظائف في الشركات الأميركية، لتصبح ما يمكن وصفه بأنها أصعب وظيفة بين وظائف الإدارة العليا. يضطلع المدير المالي، بصفته رأس الإدارة المالية، بمهام متابعة التدفقات النقدية والتخطيط الاستراتيجي والإشراف على إدارة الحسابات والضرائب، فضلاً عن ضمان دقة واكتمال التقارير المالية والتفاعل مع أسواق رأس المال. غير أن العبء التخطيطي ازداد في السنوات الأخيرة جزئياً بسبب الوباء، حسبما يقول ستيف غالوتشي الذي يقود برنامج "ديلويت" (Deloitte) لتقديم المشورة للمسؤولين التنفيذيين الماليين، مشيراً إلى أن ذلك "ينقل درجة صعوبة وظيفة المدير المالي إلى مكانة لم يسبق لها مثيل".

يصارع المديرون الماليون تحديات مثل ارتفاع تكاليف المواد الخام والنقل وسلاسل التوريد المتقلبة وضيق سوق العمل. قال جيمس ستارك، المستشار الإداري لدى "إيغون زندر" (Egon Zehnder) للاستشارات والأبحاث التنفيذية، إنّ "الوظيفة تزداد صعوبة. لقد اختفى دور مدير التشغيل في السنوات الأخيرة، لذلك نشهد إضافة كثير من المسؤوليات إلى وظيفة المدير المالي".

ضغوط العمل؟

يمكن أن يكون للضغط الشديد أثر سلبي، وليس النجاح نهاية جميع قصص المديرين الماليين. لم يتضح على سبيل المثال السبب الذي دفع غوستافو أرنال، المدير المالي لشركة "بيد باث أند بيوند" (Bed Bath & Beyond)، إلى الانتحار هذا الشهر. لكنه كان يقضي ساعات طويلة يعالج مشكلات مثل تراجع أسعار الأسهم وأزمة التدفقات النقدية وتسريح الموظفين وإغلاق المتاجر. رفضت "بيد باث أند بيوند" التعليق على الأمر.

قال أكثر من نصف المديرين الماليين الذين شاركوا في استطلاع أجرته "ديلويت" في فبراير 2021 إنّ رؤساءهم طالبوا بالمزيد بمجرد اندلاع أزمة "كوفيد-19"، إذ قال ربعهم إنهم باتوا يشرفون على مزيد من فرق العمل. قال غالوتشي إنّ هذا لم يتغير خلال ما يقرب عامين منذ إجراء الاستطلاع.

مَن المدير المالي الغامض الذي عزز أرباح "تسلا"؟

ارتفع معدل مغادرة المديرين الماليين لوظائفهم في الشركات المدرجة في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" في 2021، وفقاً لدراسة من شركة "راسل رينولدز أسوشيتس" (Russell Reynolds Associates) المتخصصة باستقطاب الكفاءات. وظفت شركات كبرى عديدة، منها "وول مارت" و"غولدمان ساكس" و"كيمبرلي-كلارك"، مديرين ماليين جدداً منذ يناير. كما وظفت "بلوبيرد بايو" (Bluebird Bio) في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، وهي شركة تعمل على تطوير العلاجات الجينية للاضطرابات الوراثية، اثنين من المديرين الماليين خلال أقل من عام. تزيد الضغوطَ عواملٌ مثل الترقيات الداخلية وتقاعد عدد كبير من الموظفين وتقلبات السوق، إذ تدفع إلى التدقيق في أداء المديرين الماليين.

قال باري تورين، الذي يقود عمليات استقطاب المسؤولين الماليين بأميركا الشمالية لدى شركة "كورن فيري" (Korn Ferry) للاستشارات، إنّ التنافس على المديرين الماليين ساخن للغاية. شرح غرانت كلايتون، الذي يقود عمليات "إيغون زيندر" لاستقطاب المديرين الماليين في الولايات المتحدة: "تدفع الشركات مبالغ ضخمة للغاية في الوقت الحالي" للحصول على أفضل المديرين التنفيذيين، إذ "يخبرنا عملاؤنا من شركات المساهمة الخاصة باستمرار أن البحث لتوظيف المديرين الماليين هو الأصعب".

استقطاب مستمرّ

يتلقى جوشوا تشاندلر، المدير المالي في "ويسكر" (Whisker)، مطوِّرة منتجات رعاية الحيوانات الأليفة في أوبورن هيلز بولاية ميشيغان، نحو ثلاث مكالمات أسبوعياً سعياً لإغرائه كي ينتقل إلى وظائف أخرى. لكنه يقول إنه باقٍ في وظيفته للتأكد من قدرة الشركة على تلبية الطلب المتزايد على صناديق القمامة ذاتية التنظيف، الذي حفزه تزايد تبني الحيوانات الأليفة خلال الوباء.

اشتكى مدير إدارة مصنع "ويسكر" في ويسكونسن أخيراً من أن مصنع "جون دير" (John Deere) المجاور كان يغري العمال بأجور أعلى. أجاب تشاندلر أنه لا يمانع رفع الأجور، لكنه قال إنّ المنشأة بدورها يجب أن تعمل بكفاءة أكبر بنسبة 10%، إذ لا يمكنه السماح بتقليص هوامش الأرباح. قال تشاندلر: "لديك هذه الضغوط الاقتصادية السلبية، وفي الوقت نفسه نحاول معرفة كيفية مضاعفة القدرة الإنتاجية. إننا بحاجة إلى ضعف عدد الموظفين الحاليين".

مطلوب رؤساء تنفيذيون جدد دون إعادة تدوير

في مينيابوليس، يحاول غريغ باستيان، المدير المالي لدى "برانش بيسكس" (Branch Basics) ترويض التضخم، الذي يحتلّ مرتبة متقدمة بين اهتمامات المديرين التنفيذيين الماليين هذه الأيام. يتطلب هذا مراقبة جميع عناصر التصنيع في سلاسل التوريد الخاصة بالشركة حتى تتمكن من تلبية الطلبيات المتزايدة لمنتجاتها من المنظفات المنزلية القائمة على النباتات والعناصر المعدنية. لكن "برانش بيزكس" شركة صغيرة تضم نحو 20 موظفاً فقط، لذلك ليس لديها نفوذ كبير مع الموردين. لكن رغم ازدهار المبيعات تقع حماية الربحية على عاتق باستيان. يقول المدير المالي في "برانش بيزكس" إنه لا شيء آخر يهم "إذا لم تعكس قائمة الشركة المالية أو حساباتها المصرفية هذا الازدهار".

نظرة تشاؤمية

كما تؤثر ضغوط مثل التوقعات المتغيرة والبحث عن المواهب والصدمات الخارجية، كالحرب الروسية-الأوكرانية، جميعها على توقعات المديرين الماليين. تراجع مؤشر "ديلويت"، الذي يقيس تفاؤل التنفيذيين سالفي الذكر بشأن شركاتهم، إلى المنطقة السلبية في الربع الثاني للمرة الأولى منذ 2020. كما ازداد تشاؤم المديرين الماليين حالياً بشأن الاقتصاد الأميركي أكثر من أي وقت منذ 25 عاماً، وفقاً لمسح أجرته جامعة "ديوك" بالتعاون مع الاحتياطي الفيدرالي في ريتشموند وأتلانتا.

قال سكوت كروسيت، رئيس شركة البحث عن المديرين التنفيذيين "كاميرون سميث"، إنّ الأيام الأولى للوباء وفّرت رغم الفوضى التي عمّتها غطاءً للمديرين التنفيذيين لأن قلة منهم كانوا يحققون أهدافهم. لكن الاقتصاد المليء بالتحديات اليوم يضع الرؤساء الماليين على المحك، كما أصبح المستثمرون أكثر تطلباً.

أدى التقاء العقبات إلى جعل وظيفة المدير المالي أوضح من أي وقت مضى، ما عزز مكانتها. قال تورين من "كورن فيري": "هذا وقت رائع لأن تكون مديرًا مالياً... لكن لا مجال للراحة".