أسعار الفائدة الأميركية تتحول إلى أسلحة "دمار اقتصادي شامل"

تداعيات رفع الاحتياطي الفيدرالي للفائدة تمتد لباقي العالم وتعود لتضرب الاقتصاد الأميركي

رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 29 يناير 2020، في العاصمة الأميركية واشنطن
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، يتحدث خلال مؤتمر صحفي عقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في 29 يناير 2020، في العاصمة الأميركية واشنطن المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدّد تقرير مؤشر أسعار المستهلك في أغسطس، آمال الأميركيين في أن يكون التضخم قد بلغ ذروته في الصيف، لكن المعاناة ستكون مضاعفة بالنسبة إلى كل شخص تقريباً لا يملك مسكناً في أكبر اقتصاد في العالم، لأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ورئيسه جيروم باول، لديهما الآن المبرر لاتخاذ خطوات أكبر في ما يتعلق برفع أسعار الفائدة، من أجل الحد من التضخم.

لسوء الحظ، قد يكون العلاج أسوأ من المرض. إذا قام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة بوتيرة قوية، ستمتد التأثيرات خارج نطاق اختصاصه المحلي، وستنهار أجزاء من الاقتصاد العالمي، وسيعود تباطؤ الاقتصاد العالمي ليضرب بدوره النمو في الولايات المتحدة، وبعدها نتجه لعدد لا محدود من التداعيات غير المقصودة.

مستوى لعوائد السندات الأميركية لم يظهر منذ 40 عاماً ينذر باقتراب الركود

تتبع أسواق السندات العالمية عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين، التي تتخذ مساراً يصيب الاقتصادات والعملات التي لا يمكنها تحمل تلك العوائد، بالرعب. في مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت العوائد 0.2%. الآن زادت 19 مرة على تلك المستويات، وذلك كله قبل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي التشديد الكمي بقيمة 95 مليار دولار شهرياً. لكن شئنا أم أبينا، يبقى الدولار عملة الاحتياطي الرئيسية عالمياً، وسيشعر الجميع خارج الولايات المتحدة بالتأثير إذا جفّت السيولة بمعدلات أعلى.

توقعات التضخم الأميركي طويل الأجل تتراجع لأدنى مستوياتها منذ منتصف 2021

الملاذ الآمن

يستمر غياب الحوافز التي تبعد المستثمرين الأميركيين عن الأصول الأميركية، ما يتسبب في افتقار باقي العالم لرأس المال. أظهر أحدث استطلاع رأي أجراه "بنك أوف أمريكا" لمديري صناديق الاستثمار حول العالم، والذي صدرت نتائجه الثلاثاء، أكبر انخفاض تاريخي بالمراكز الاستثمارية في الأسهم العالمية.

"بنك أوف أميركا": شعور الصدمة يسبب تخارج 11 مليار دولار من الأسهم الأميركية

إذا كنت خبيراً استراتيجياً استثمارياً محترفاً، لن يتم طردك إذا التزمت بالأصول المقومة بالدولار، أو احتفظت بسيولة من الدولار فقط، ومن الصعب رؤية ما يغير تلك العقلية. كذلك من الصعب على الاقتصادات والأسواق الأخرى المنافسة، عندما تؤدي كل الطرق إلى ارتفاع الدولار، حيث ينتج عن تلك القوة المطلقة انهيار العديد من عملات العالم، في ظل رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بوتيرة متسارعة تجبر المستثمرين على البحث عن أصول آمنة، والابتعاد عن المخاطرة.

تداعيات آسيوية

بالنظر إلى اليابان على سبيل المثال، انخفض الين إلى أدنى مستوياته منذ 1990 متراجعاً العام الماضي بأكثر من 25% مقابل الدولار، حيث تلاشى تميز اقتصاد البلاد القائم على التصدير أمام الاقتصاد الأميركي، بسبب الحاجة إلى استيراد معظم طاقتها ودفع ثمنها بالدولار، واضطر بنك اليابان إلى تصعيد دفاعه عن العملة، ما يشير إلى احتمال زيادة التدخل، الذي قد يُموّل عن طريق بيع احتياطيات البنك من سندات الخزانة الأميركية.

كان بنك اليابان لفترة طويلة، البنك المركزي الرئيسي الوحيد السعيد بارتفاع التضخم لتعزيز نمو اقتصاده الراكد، لكنه أخيراً شهد معدلات تضخم تفوق المستوى المستهدف البالغ 2%. في الوقت ذاته، احتفظ بنك اليابان بقبضة حديدية على سوق السندات للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة – سلبية غالباً، لكنه لن يتمكن من تحقيق الهدفين، وكذلك منع استمرار هبوط عملته.

هناك حدود لمدى وسرعة تراجع الين، ما ستكون له تداعيات غير مباشرة على اليوان الصيني والوون الكوري والدولار التايواني. فموجة أخرى من قوة الدولار، بسبب رفع جديد لأسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي، قد تدمّر استراتيجية بنك اليابان، وتزعج باقي دول آسيا.

تسارع التضخم بأكثر من هدف بنك اليابان البالغ 2%

سوف تشعر الصين بأن من حقها الرد بالمثل على الانخفاض غير المرغوب به في سعر صرف عملتها، والذي عادة ما تسيطر عليه بعناية، لكنها اضطرت لأن تترك اليوان يضعف بما يزيد على 10% مقابل الدولار خلال الأشهر الستة الماضية، وبالتالي، لم تستطع حتى عملة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الصمود أمام المد التضخمي الأميركي.

تبخر النمو

على الجانب الآخر من أوراسيا، تنافس كل من اليورو والجنيه الإسترليني منذ ربيع العام الماضي على الانخفاض مقابل الدولار، ما عرقل جهود أوروبا وكل ما أنفقته للتعافي من الوباء، والآن هي عالقة في مرمى نيران أزمة الطاقة بسبب اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي، حيث نرى النمو يتبخر أمام أعيننا، فيما لم تتغير معدلات نمو المملكة المتحدة طوال العام الجاري، وانزلقت أجزاء من الاتحاد الأوروبي إلى الركود، بينما يتوقع محللو "دويتشه بنك" انكماش اقتصاد ألمانيا 4% العام المقبل.

الجنيه الإسترليني يتراجع لأدنى مستوياته منذ نحو 40 عاماً أمام الدولار

مثل الاحتياطي الفيدرالي، لا يفكر البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا فقط في رفع البنك المركزي الأميركي لأسعار الفائدة بشكل كبير، لكن في الوقت ذاته يفكران أيضاً في خفض سيولة النظام المصرفي وعكس عمليات شراء سندات التيسير الكمي.

يجب التخلي عن أي أمل في الحصول على نتائج إيجابية للجهود التي تبذلونها.

سيحدث ذلك لأننا سمحنا من الأساس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بتحديد أسعار الفائدة للعالم بأسره، لكن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، باول ورفاقه، يعانون من قصر نظر. فكل ما يمكنهم رؤيته هو سوق العمل الأميركية الضيقة للغاية، وقد يصبح سباق التسلح النقدي نتيجة تلك السياسات كارثياً.

مضيعة للمال والوقت

الحقيقة أن كل الاقتصادات قد لا تحتاج إلى تكاليف اقتراض أعلى من أي وقت مضى لخنق الطلب، حيث يعود جزء كبير من التضخم عالمياً إلى نقص العرض الخارجي. تغير العالم بشكل كبير منذ تفشي وباء كوفيد في 2020، الذي أوقف العولمة إلى حد كبير. ورغم ذلك، لم يتغير رد فعل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى.

إيقاف الاقتصاد العالمي وإعادة تشغيله يتطلب مرونة أكبر مما توفرها الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة. من الجيد فصل الأسواق المالية وأسعار الأصول عن الجولات المتكررة من التيسير الكمي، لكن الاحتياطي الفيدرالي فشل في حل المشكلة مرتين.

لماذا تصر البنوك المركزية على وصول عدد كبير من الاقتصادات إلى مستهدف التضخم البالغ 2% بينما لم يعد ذلك ممكناً أو مرغوباً فيه؟ بالتأكيد، حان الوقت لتحديد نطاق مرن بدلاً من رقم محدد. وبينما من المرجح انخفاض ​​معدل التضخم بشكل حاد العام المقبل على أي حال بسبب تأثيرات فترة الأساس، ستكون هناك تكلفة اقتصادية ضخمة لمحاولة دفع العالم مرة أخرى للوصول إلى معدل تضخم أساسي - باستثناء الغذاء والطاقة - أقل بكثير.

في الختام، ستعود ممارسات الاحتياطي الفيدرالي بالضرر على البنك والولايات المتحدة، وقتها ستضيع كل تريليونات الدولارات الخاصة بالتحفيز أثناء الوباء هباءً. يا لها من مضيعة هائلة للوقت والمال والجهد.

العملات الرئيسية