138 مليار دولار تكاليف استثمارية إضافية تكبدتها "إكسون" وشركاؤها في 20 عاماً

دراسة داخلية تظهر أن سوء الإدارة والتخطيط كان وراء تجاوز تكاليف مشاريع النفط والغاز للتقديرات الأولية

مصفاة "إيسو فولي" النفطية التي تديرها شركة "إكسون موبيل" في منطقة فولي بمقاطعة هامبشاير، المملكة المتحدة، يوم 14 مايو 2020. الزيادات الكبيرة في تكاليف مشاريع النفط والغاز تفاقمت بعد انهيار أسعار النفط عام 2014
مصفاة "إيسو فولي" النفطية التي تديرها شركة "إكسون موبيل" في منطقة فولي بمقاطعة هامبشاير، المملكة المتحدة، يوم 14 مايو 2020. الزيادات الكبيرة في تكاليف مشاريع النفط والغاز تفاقمت بعد انهيار أسعار النفط عام 2014 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتهت تكلفة مشاريع النفط والغاز الطبيعي التي استثمرت فيها شركة "إكسون موبيل" بين عامي 1998 و2017، إلى زيادة قدرها 138 مليار دولار على تقديرات المراحل الأولى، ربما بسبب سوء الإدارة من قبل المشغلين وسوء التخطيط، وفقاً لتحليل داخلي اطّلعت عليه "بلومبرغ".

اقترحت دراسة أجريت في عام 2020، وتضمنت مراجعة لـ110 مشاريع امتلكت فيها "إكسون" حصصاً على مدى عقدين، نظريتين بشأن هذا الإنفاق الزائد: الأولى تتمثل في التعقيد الهائل للتطورات واسعة النطاق، فيما تتمثل النظرية الثانية في "التحيزات البشرية" التي أدت إلى خطط "مفرطة في التفاؤل" ومصممة لكسب موافقة كبار المديرين التنفيذيين على التمويل. ويشير التحليل إلى أن 21 مشروعاً استحوذت على 93% من الإنفاق الزائد. ومن هذا المنطلق، انتهى الأمر بأسوأ تكلفة، تجاوزت التقديرات الأولية بأكثر من ستة أضعاف.

الإمارات: نقص الاستثمار في الوقود الأحفوري "وصفة لكارثة"

يُعد هذا الإنفاق الزائد، والبالغ 138 مليار دولار، رقماً إجمالياً يشمل حصص الشركاء في المشاريع، ما يعني أن "إكسون" لم تتحمل التكاليف الباهظة وحدها. قال المتحدث باسم "إكسون"، مات فورمان، إن ما يسمى بتقديرات المرحلة الأولية لـ"البوابة 2"، المستخدمة للمقارنة في الدراسة، كانت "رسومات تقريبية"، وإن حصة الشركة من التكاليف التي تعلو القرار الاستثماري النهائي، "البوابة 3"، بلغت 20 مليار دولار خلال تلك الفترة. كما أوضح أن 6 مليارات دولار فقط من ضمن هذه القيمة الإجمالية، تُعزى إلى المشاريع التي تديرها "إكسون" بالفعل، وهو ما يمثل هامش خطأ بنسبة 1.5% فقط مقارنة بإجمالي رأس المال المستثمر.

يلين: أميركا على مسار التخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري

زيادة التكاليف

عانى قطاع الطاقة بأكمله من زيادات كبيرة في التكاليف خلال العقد الثاني من الألفية، والتي تفاقمت بسبب انهيار أسعار النفط في عام 2014، والذي يعتبر أحد أسوأ الانهيارت في تاريخ سوق النفط الخام.

تجاوز مشروع كاشاغان في كازاخستان، الممول من قبل مجموعة من شركات النفط الكبرى، من بينها "إكسون"، الميزانية المرصودة له إلى حدٍّ كبير. كما شهد مشروع "غورغون"، وهو مشروع غاز أسترالي ضخم تديره شركة "شيفرون" وتمتلك فيه "إكسون" حصة أقلية، ارتفاعاً أيضاً في التكاليف. وهناك أمثلة عديدة أخرى من هذا القبيل.

"شيفرون" تزيد إنتاجها في أكبر حقل نفطي بالولايات المتحدة

تراجع الانضباط المالي

لا شك في أن نتائج الدراسة جديرة بالملاحظة، نظراً للسمعة التاريخية التي تتميز بها "إكسون" في المحافظة على قيود صارمة في ما يتعلق بالإنفاق، وكذلك العدد الهائل من المشاريع الكبرى التي تمتلك فيها الشركة الأميركية حصصاً. لقد كان هذا التراجع الملحوظ على نطاق واسع في الانضباط المالي، سبباً في الحملة الناجحة التي قام بها صندوق الاستثمار "إنجين نمبر 1" (Engine No. 1) في العام الماضي لاستبدال ثلاثة مديرين في مجلس إدارة "إكسون".

على الرغم من أن "إكسون" حققت أرباحاً قياسية خلال العام الجاري في ظل ارتفاع أسعار السلع الأساسية، إلا أنها تواجه قرارات في الأعوام المقبلة بشأن المضي قدماً في مشاريع جديدة بمليارات الدولارات، مثل مشاريع تطوير الغاز في موزمبيق، والاستثمارات منخفضة الكربون.

"الاقتصاد القديم" ينتصر.. عمالقة النفط يتفوقون على أباطرة التكنولوجيا

قال فورمان: "كان الهدف من الدراسة، النظر في كيفية تشديد المخططات التحضيرية لجعلها أقرب إلى الأرقام المستخدمة في قرارات الاستثمار النهائية. فنحن فعلنا ذلك حتى لا نخاطر بإضاعة الوقت في مشاريع قد لا يجري تمويلها أبداً".

تقدم الدراسة أمثلة عدة على كيفية ارتفاع التكاليف، من دون أن تسمّي مشاريع محددة. في إحدى الحالات، اتُخذ قرار بخفض طول خط الأنابيب لخفض التكاليف، لكن انتهى الأمر بإعادة توجيه خط الأنابيب ليمر عبر "موقع أكثر صعوبة وحساسية". وأوضحت الدراسة أن التكاليف كانت في النهاية، أعلى مما كانت ستكون عليه لولا ذلك. وفي حالة أخرى، أفادت بأنه "تم اتباع طرق مختصرة في الهندسة لتوفير التكاليف، وهذا أدى إلى تدني الجودة، وارتفاع التكاليف في التصنيع والبناء". لم توضح الدراسة ما إذا كانت "إكسون" أو المشغلون الآخرون، هم من اتخذوا قرارات بهذه الطرق المختصرة.

مشاريع "جامحة"

قال فورمان: "هناك عدد من المشاريع في هذه الدراسة لم يكن لدينا فيها حصة مسيطرة، وهذا يعني أنه ليست لدينا سلطة اتخاذ قرار بشأن المشروع أو كيفية إنفاق الأموال، وهذا يشمل أي قرار يُتخذ قبل تمويل المشروع أو بنائه، وفي أي وقت أثناء تنفيذ المشروع".

حدّد التحليل ما يسمى بـ"المشاريع الجامحة"، وهي تلك المشاريع التي تجاوزت تقديرات التكلفة الأولية بأكثر من 70%. ورأى أن المخططين "قللوا عن عمد" من تكاليف المشاريع في المراحل المبكرة بالغة الأهمية، للحصول على الموافقات اللازمة لبدء إنشائها. ودون أن تنسب هذه الإجراءات إلى موظفي "إكسون" على وجه التحديد، أوضحت الدراسة أن "هذه النظرية تشير إلى أن التحيّز والسلوك البشريين، يسهمان في الإفراط في التفاؤل، وبالتالي "يمكن أن تخلق التخفيضات توقعات خاطئة، وتهيئ المشروع للفشل".

يمكن إرجاع ثقافة "إكسون" المتطلبة إلى حدٍّ كبير، إلى الرئيس التنفيذي السابق الأسطوري، لي ريموند، الذي أسهم في خفض التكاليف بقوة، وسعى بلا هوادة وراء احتياطيات جديدة، خصوصاً في فترات الركود، خلال فترة ولايته من عام 1993 وحتى عام 2005. كانت النتيجة عائداً جيداً على رأس المال المستخدم مقارنة بنظرائه، وهو ما قاد "إكسون" إلى احتلال قمة مؤشر "ستاندرد آند بورز 500". في هذا السياق، قال فورمان إنه على الرغم من ارتفاع التكاليف بشكل كبير، إلا أن العائد على رأس المال الخاص بشركة "إكسون" "قاد القطاع طوال الفترة بأكلمها تقريباً".

مراجعات منتظمة

كانت دراسة عام 2020 جزءاً من مراجعات داخلية منتظمة طلبتها إدارة "إكسون" لتحسين كيفية تطوير الشركة لمشاريع النفط والغاز والكيماويات. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يبرز فيها تقرير داخلي مجالاً للتحسين في خطط "إكسون" للمشاريع الكبرى.

حدّدت دراسة أجريت عام 2015، تُعرف داخلياً باسم "الأسود والأزرق"، حوافز أداء الموظفين غير المتوازنة، ونقص التواصل بين فرق العمل، والضغط غير المبرر للوفاء بالمواعيد النهائية، باعتبارها "فرضيات" لـ"عدم الكفاءة" في عملياتها الداخلية. كانت ثقافة "الانطلاق السريع" التي تتبعها الشركة تعني تخطي "العمليات الرئيسية" للالتزام بجدول زمني، وفقاً لعرض تقديمي خاص بدراسة عام 2015 اطلعت عليه "بلومبرغ". قال فورمان: "نحن نقيم بشكل روتيني استثمارات رأس المال وكيفية تحسينها".

تولى دارين وودز منصب الرئيس التنفيذي في عام 2017، بعد أن عيّن الرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترمب ريكس تيلرسون وزيراً للخارجية الأميركية، ليعمل على توحيد وحدات الأعمال في الخطوط الأمامية لـ"إكسون"، وتحويل تركيز الشركة إلى تشغيل أصولها الخاصة، بدلاً من الحصول على حصص في مشاريع خارجية. أجرى مؤخراً سلسلة من التعيينات الخارجية النادرة، مثل كاثي ميكيلز، المدير المالي لشركة "دياغيو" (Diageo)، ودان أمان، نائب رئيس "لو-كاربون" (Low-Carbon)، والذي تولى إدارة قسم القيادة الذاتية في شركة "جنرال موتورز" من قبل.

خفض الوظائف

كذلك، يستهدف وودز خفض التكاليف السنوية بمقدار 9 مليارات دولار بحلول العام المقبل. وقد قلّصت الشركة قوتها العاملة - لا سيما من خلال تسريح العمال، واستنزاف القوى العاملة ما بعد الوباء - إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين على الأقل.

وجد تحليل أُجري في عام 2020، أن "العديد من المشاريع الجامحة" كانت نتيجة أعمال التصميم والتخطيط غير الكافية، موضحاً أن "بعض المشاريع التزمت بمفاهيم محددة في وقت مبكر للغاية، دون النظر بشكل كامل في خيارات أخرى أفضل".

قال وودز للمستثمرين في مارس، إن "إكسون خفضت مستوى التعقيد والواجهات الداخلية، ما سمح باتخاذ قرارات أسرع وذات كفاءة أعلى"، مشيراً إلى أن التطويرات تحافظ على "التميز الوظيفي الذي بنيناه على مدى عقود".