"ميتا" و"تيك توك" تواجهان دعاوى من أُسَر تتعلق بإدمان الأطفال

إدمان واضطرابات وأرق وانتحار.. الأهالي يقاضون وسائل التواصل بتهمة إلحاق الأذى بأولادهم

إدمان وسائل التواصل الاجتماعي
إدمان وسائل التواصل الاجتماعي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصاب هوس مراهقةً من ولاية يوتاه حول شكل جسدها بعدما أدمنت استخدام تطبيق "انستغرام" لدرجة أنَّها أصيبت بفقدان شهية عصابي، و شَره مرضي، في حين تدرج صبي في التاسعة من ولاية ميشيغان من مشاهدة مقاطع فيديو على "يوتيوب" لعدة ساعات في اليوم بسبب الإفراط بمتابعة تطبيقيّ "تيك توك" و"سناب شات" طوال الليل، وانتهى به الأمر أن أرسل صورته عارياً إلى شخص غريب على "سناب شات" فنشرها الأخير على نطاق واسع عبر الإنترنت. كما عانت فتاة من ولاية كونيتيكت من إدمان بالغ على تطبيقيّ "إنستغرام" و"سناب شات" لأكثر من عامين، قبل أن تستسلم لأرق واكتئاب شديدين، وانتحرت عن عمر 11 عاماً. في حين أنَّ شروط الاستخدام التي تعتمدها هذه التطبيقات لا تسمح لها أصلاً بفتح حسابات لمن هم دون سن 13 عاماً.

دعوى قضائية تتهم "ميتا" و"سناب" بالمسؤولية عن انتحار فتاة

أصبح هؤلاء الأطفال وجوهاً لمساعٍ جديدة للتوجه إلى القضاء لتحميل الشركات التي تدير المنصات الرقمية الأروج مسؤولية المخاطر المزعومة لوسائل التواصل الاجتماعي. رُفعت أكثر من 70 دعوى قضائية ضد شركات "ميتا" و"سناب" و"غوغل" وتطبيق "تيك توك" الذي تملكه شركة "بايت دانس" هذا العام. ترتكز هذه الدعاوى على ادّعاءات من مراهقين وشباب بأنَّهم عانوا القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل والأرق بسبب إدمانهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كان المدّعون في سبع حالات على الأقل من الآباء والأمهات الذين أقدم أطفالهم على الانتحار، إذ حمّلت الدعاوى الشركات المسؤولية عن منتجاتها، وهي اتهامات من نوع جديد ضد وسائل التواصل الاجتماعي، لكنَّها تذكّر بحملات سابقة ضد شركات التبغ ومصنعي السيارات.

لماذا يحاول الجميع تقليد "تيك توك"؟

نشأت فكرة تحميل شركات وسائل التواصل الاجتماعي المسؤولية عن الأضرار المحتملة التي قد تسببها منتجاتها للشباب في أواخر 2021 حين كشفت فرانسيس هوغين، الموظفة السابقة في شركة "ميتا بلاتفورمز"، عن وثائق حول عمليات الشركة الداخلية. إذ تضمّنت ادعاءات هوغين تعمُّد الشركة استغلال الشباب سريعي التأثر من أجل زيادة أرباحها، حيث كشفت هوغين عن دراسة داخلية أجراها تطبيق "إنستغرام"، التابع لشركة "ميتا"، إذ وجدت دليلاً على معاناة العديد من المراهقات اللواتي يستخدمن تطبيق مشاركة الصور من الاكتئاب والقلق بسبب عُقد تتعلق بشكل أجسادهن.

عقبة قانونية

تشكل هذه الجبهة القانونية الجديدة التي فُتحت على شركات التقنية المتخبطة تحدياً لها في مجال العلاقات العامة كحدّ أدنى.

تستند شركات التقنية في دفاعها إلى المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، وهو القانون الفيدرالي المعتمد منذ 26 عاماً، ويمنح شركات الإنترنت حصانة واسعة من الدعاوى المتعلقة بالمحتوى الضار الذي ينشره المستخدمون. فقد حماها هذا القانون بشكل فعال جداً من الدعاوى القضائية، مما أدى لتصاعد مطالبات سياسيين يمينيين ويساريين بإصلاحه. كما تذرعت الشركات، لمزيد من الحيطة، بحقوقها الدستورية التي تضمن لها حرية التعبير كمؤسسات ناشرة، وتمنحها الحق بالتحكم في محتواها.

قد يستغرق الأمر شهوراً قبل أن يصدر القاضي الاتحادي قراره حول إذا ما كان سيسمح بمضي الدعاوى القضائية قدماً.

منصات التواصل الاجتماعي تخسر أكثر من 100 مليار دولار من قيمتها السوقية

قال تطبيق "سناب" في الطلب الذي تقدّم به أمام المحكمة لصرف النظر عن الدعوى القضائية التي رفعتها والدة الفتاة التي قضت عن 11 عاماً: "قد تُسبب شتّى أنواع الخدمات 'الإدمان'، بمعنى أنَّها تتحوّل إلى عادة، من التلفزيون مروراً بألعاب الفيديو إلى تسوق الملابس. لكنَّ القانون لا يحمّل أي طرف المسؤولية لمجرد ابتكار نشاط قد يفرط بعض الناس بممارسته، حتى حين يُزعم أنَّه يؤدي، كما هو الحال هنا، إلى مأساة".

صُممت هذه الدعاوى القضائية بطريقة تهدف إلى الالتفاف على المادة 230 من خلال التركيز على الخوارزميات التي تستخدمها الشركات لتنظيم المحتوى وتقديمه، وليس المحتوى نفسه. قالت جين كينغ، الباحثة في معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي المتمحور حول البشر، التي تدرس التلاعب بالخوارزميات، إنَّ عدد الأبحاث السريرية حول الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي ما يزال محدوداً. أضافت كينغ أنَّ المقاربة القانونية قد تكون جديدة بما فيه الكفاية "لتحصل على فرصة أكبر للنجاح، خاصة بعد تسريبات ووشاية فرانسيس هوغين".

رفض متحدثون باسم "سناب" و"إنستغرام" التعليق على الدعاوى القضائية المعلقة. لكنَّهم قالوا في رسائل إلكترونية إنَّ الشركتين تعملان على حماية مستخدميها صغار السنّ، بما يتضمن تقديم موارد حول مواضيع الصحة النفسية وتحسين الضمانات التي تتصدى لانتشار المحتوى الضار. لم يستجب ممثلو "تيك توك" و"بايت دانس" لطلب التعليق. قال المتحدث باسم "غوغل" إنَّ الشركة "استثمرت بشكل كبير في إنشاء تجارب آمنة للأطفال"، وأشار إلى قدرة الأهل على الحد من الوقت الذي يمضيه أولادهم أمام الشاشة وحظر محتويات معينة.

تأثير مختلف على الأطفال

أصدرت محكمة استئناف فيدرالية في كاليفورنيا العام الماضي حكمها في إحدى الدعاوى المستندة إلى المسؤولية عن المنتج، وهي واحدة من الدعاوى النادرة التي نجحت في تجاوز المادة 230، فقد قضت المحكمة بإمكانية رفع دعوى قضائية على "فلتر" لصور "سناب شات" يسمح بتسجيل سرعة القيادة، إذ زعمت الدعوى أنَّ هذا شجّع مراهقين على القيادة المتهورة، مما أدى لوقوع حادث قاتل. لكنَّ "ميتا" قالت في مستند قدّمته أمام المحكمة إنَّ الحكم المتعلق بهذا "الفلتر" ليس له صلة بقضية الفتاة التي ماتت عن عمر 11 عاماً، بحجة أنَّ "فلتر" السرعة هو ما شكّل "الخطر" على السائقين في قضية "سناب"، وليس أي محتوى أنتجه مستخدمو التطبيق.

أقرّ إريك غولدمان، أستاذ القانون بجامعة "سانتا كلارا" صاحب الكتابات المسهبة عن المادة 230، بضعف الأساس المنطقي المطروح في القضية المرفوعة ضد "ميتا". قال غولدمان: "إنَّ كانت على أمر، فالحجة حول لوم الخوارزميات تُظهر أنَّ ما يقاضيه المدّعون هو محتوى يتبع لجهة خارجية". قال غولدمان إنَّه سيصعب إثبات أنَّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يحمل المسؤولية عن المشكلات الصحية في "المجتمع المعقد" اليوم، حيث يتعرض الأطفال لشتّى أنواع التأثيرات.

الشباب الأمريكي ليس متمرداً اجتماعياً وسياسياً كما تعتقد

سلّط آدم زيمرمان، أستاذ القانون في جامعة "لويولا ماريماونت" الضوء على عقبة أخرى يواجهها المدعون، تتمثل في إثبات أنَّ الخوارزميات التي تحدد المحتوى الذي يراه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن تخضع لمعاملة مشابهة "للمنتجات" الأخرى التي تعتريها شوائب، والتي تعني عادةً سلعاً استهلاكية ملموسة. أضاف أنَّه حتى إذا كانت الخوارزميات قابلة للتصنيف كـ"منتجات"؛ فقد يُمنَع مستخدمو المنصات في بعض الولايات من رفع دعاوى قضائية على خلفية "الضرر النفسي فقط" إذا لم يتعرضوا لإصابة جسدية.

كان الأذى الواقع بالفعل أكثر من مجرد ضرر نفسي في بعض الحالات الشديدة. إذ رفعت جانيت ماغوسكي، التي انتحرت ابنتها إميلي عن 14 عاماً، دعوى ضد كل من "تيك توك" و"بايت دانس" و"سناب" و"ميتا" في أغسطس، قائلة إنَّ الشركات هي المسؤولة عن إفراط ابنتها في قضاء الوقت أمام الشاشة، وهذا ما قادها نحو مسار خطير.

تذكر ماغوسكي، التي تعيش في مدنية غروفتاون في ولاية جورجيا، أنَّها تحققت من هاتف إميلي قبل أسبوع من وفاتها، لكنَّها لم تلاحظ أي أمر يدعو للقلق. شرحت أنَّ الأطفال والمراهقين لا يستوعبون وسائل التواصل الاجتماعي مثل البالغين، قائلة: "نحن كأهل، لا نرى ما يرونه". أضافت أنَّ الشركات تسعى إلى "استقطاب الأطفال كي يُمضوا أطول وقت ممكن باستخدام منتجاتها بلا ضمانات لحمايتهم... عليهم تغيير ما يقدّمونه لهؤلاء الأطفال، كتغيير الخوارزمية بحيث لا تقودهم إلى هذه الأماكن المظلمة".