لماذا يواجه المستثمرون المزيد من عدم استقرار الأسواق؟

غالبية الاقتصاديين والمتداولين يدركون أن الاقتصاد العالمي يمر بثلاثة تحولات نظامية

متداولون يعملون في بورصة نيويورك، بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية.
متداولون يعملون في بورصة نيويورك، بمدينة نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية. المصدر: غيتي إيمجز
Mohamed El Erian
Mohamed El Erian

Mohamed A. El-Erian is a Bloomberg Opinion columnist. He is the chief economic adviser at Allianz SE, the parent company of Pimco, where he served as CEO and co-CIO. He is president-elect of Queens' College, Cambridge, senior adviser at Gramercy and professor of practice at Wharton. His books include "The Only Game in Town" and "When Markets Collide."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يعتاد المسافرون الدائمون على المطبات الهوائية في بعض الرحلات الجوية. بالطبع يتوقع الكثير منهم ذلك، لكن رغم هذا التوقع قد تُسبب هذه الاضطرابات من وقت لآخر توتراً كبيراً حتى بين أكثر المسافرين المتمرسين.

هذا ما حدث للأسواق خلال الأسبوع الماضي. فالاضطراب المتوقع، المرتبط إلى حد كبير بثلاثة تحولات نموذجية متواصلة، تفاقم بسبب عاملين أقل توقعاً، ممن ستلعب فترة حدوثهما دوراً مهماً في تحديد الأداء المنظم للأسواق.

أدرك معظم الاقتصاديين والمستثمرين والمتداولين بدرجة كبيرة حالياً أن الاقتصاد العالمي والأسواق المالية يمران بثلاث مراحل للتغييرات النظامية، وهي:

  • استُبدلت عمليات الدعم النقدي المتوقعة لسيولة البنك المركزي، وأسعار الفائدة ذات المستويات الدنيا بتشديد عالمي عام للسياسة النقدية.
  • تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل لافت مع فقدان الزخم في المناطق الثلاث الأكثر أهمية من الناحية النظامية للاقتصاد العالمي في الوقت نفسه.
  • تحول طبيعة العولمة من افتراض التكامل الاقتصادي والمالي الأوثق إلى مزيد من التفتت، ويرجع ذلك جزئياً إلى التوترات الجيوسياسية المستمرة.

طالع المزيد: "العريان": الفيدرالي متأخر جداً في تحركاته ولا ينبغي أن "تطرف له عين"

تقلبات متزايدة

تشمل هذه التغييرات الثلاثة -منفردة ومجتمعة على حد سواء- تقلبات اقتصادية ومالية متزايدة. فيما يتعلق بتوزيع النتائج الاقتصادية والمالية المحتملة، أصبحت قاعدة المقارنة الأساسية أقل جاذبية وأكثر غموضاً، كما زادت احتمالية السيناريوهات الأكثر سلبية.

اقرأ أيضاً: سوق السندات الأمريكية تتأهب لموجة تقلبات جديدة بعد اجتماع "الفيدرالي"

تجاوزت التطورات التي طرأت على السوق خلال الأسبوع الماضي -بما فيها التحركات السعرية اللافتة للنظر في الدخل الثابت والعملات الأجنبية- توقعات المستثمرين والمتداولين، ممن أصبحوا مضطرين للتعامل مع هذه التحولات النموذجية الثلاثة غير المواتية. وهناك عاملان إضافيان جعلا الأسبوع الماضي مثيراً للقلق بصفة خاصة.

الأول: فقدان الثقة المتسارع في صنع السياسات. فالأسواق، التي ظلت لسنوات عديدة تُقدّر الفيدرالي الأميركي وحكومة المملكة المتحدة بوصفهما حواجز مانعة للتقلبات، تحوّلا إلى مصدرين أساسيين لعدم الاستقرار المثير للقلق.

تباطؤ اقتصادي

بعد استسلام "الاحتياطي الفيدرالي" لشعار "التضخم المؤقت"، وتراخيه في تعديل السياسة النقدية، يحاول "المركزي" الآن اللحاق بالركب بسرعة لمواجهة التضخم المرتفع والمُضر بالاقتصاد. لكن هذا جاء بعدما تخلف إلى حد كبير عن الوتيرة المناسبة، وأصبح مُضطراً الآن إلى رفع أسعار الفائدة بقوة في ظل اقتصاد محلي وعالمي مُتباطئ.

رغم هذا، فقد ضاعت بالفعل الفرصة السهلة السانحة لتحقيق الهبوط السلس، ولم يتبقّ سوى الاحتمال الكبير غير المواتي لتسبب "المركزي الأميركي" في دخول الولايات المتحدة بحالة ركود اقتصادي، مع انتشار الضرر الناجم عن ذلك داخل وخارج الاقتصاد الأميركي المحلي.

اقرأ أيضاً: صناديق مؤشرات التقلب الشهيرة تعود إلى وول ستريت بعد أسبوع عاصف

في المملكة المتحدة، لم تختر الحكومة الجديدة برئاسة ليز ترس التركيز على إجراء إصلاحات هيكلية والسعي نحو استقرار أسعار الطاقة وحسب، وإنما حاولت أيضاً إقرار تخفيضات ضريبية غير مموّلة بحجم لم نشهده منذ 50 عاماً. وبسبب القلق من نتائج ذلك على التضخم واحتياجات الاقتراض، دفعت الأسواق قيمة الجنيه الإسترليني للهبوط إلى مستوى لم نشهده منذ 1985. كما تسببت أيضاً في أكبر زيادة على الإطلاق بتكاليف الاقتراض، وفقاً لمقياس العائد على السندات الحكومية ذات أجل الخمس سنوات.

كلا التحركين –في أميركا وبريطانيا- مزعزعان للاستقرار بطبيعتها اقتصادياً ومالياً. وكلاهما يصعب عكسهما على المدى القصير.

تخارجات مؤثرة

أما العامل الإضافي الثاني فيتعلق بتدفقات الأموال والآثار المترتبة نتيجة لذلك على سيولة السوق.

وفقاً لبيانات جمعها "بنك أوف أميركا"، تخارج 30 مليار دولار تقريباً من صناديق الاستثمار بالأسهم والسندات الموجهة للأفراد، وجرى تحويلها إلى سيولة نقدية. تدل هذه المؤشرات وغيرها، مثل الارتفاع القياسي في تداول عقود الخيارات للتحوط ضد انخفاضات الأسهم، إلى إمكانية إعادة تخصيص الأصول الكبيرة التي أدت إلى الضغط على الأداء المنظم للأسواق.

اقرأ أيضاً: 6 أشهُر من التقلبات.. كيف استوعب خبراء "وول ستريت" درس انهيار الأسواق؟

كلما تفاقمت الضغوط على أداء السوق؛ زاد قلق المتداولين والمستثمرين بشأن عدم قدرتهم على إعادة تمركز محافظهم على النحو المطلوب. وكلما ارتفع عجزهم عن تكوين محافظهم حسب أهوائهم؛ زاد خطر تخارج المزيد منهم. هذا هو الحال بشكل خاص في الدخل الثابت، حيث يعتمد الكثير من السندات الآن على الميزانيات العمومية للبنوك المركزية.

حسبما أوضحت بالتفصيل سابقاً بمقالات الرأي المنشورة في "بلومبرغ"، كنت أتوقع بالفعل زيادة التقلبات وانخفاض الأسعار مع مرور الأسواق بالتحولات النموذجية الثلاثة الكبرى. تشير التطورات التي حدثت خلال الأسبوع الماضي إلى خطر حدوث مزيد من عدم الاستقرار المدفوع بالقرارات التي تُتخذ في مرحلة التغيير الأولى، مما يعقّد الرحلة الوعرة بالفعل نحو تحقيق توازنات اقتصادية ومالية جديدة، ويرجح هذا بدوره حدوث أخطاء سلوكية استثمارية.