تعبئة بوتين للجيش تضرب الاقتصاد الروسي المتدهور في مقتل

أمر الاستدعاء يُبعِد شخصاً على الأقل من 100 عامل نشط عن وظيفته

مركبات مصطفة عند نقطة حدودية بين روسيا ومنغوليا، في 23 سبتمبر 2022.
مركبات مصطفة عند نقطة حدودية بين روسيا ومنغوليا، في 23 سبتمبر 2022. المصدر: بلومبرغ عن Maxar Technologies/AP
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يضرب قرار فلاديمير بوتين باستدعاء ما يصل إلى 300 ألف رجل للقتال في غزوه أوكرانيا اثنين من نقاط الضعف في الاقتصاد الروسي المتدهور.

يُبعد أمر الاستدعاء شخصاً واحداً تقريباً من كل 100 عامل نشط في الدولة عن وظيفته لإرساله للجبهة في وقت يتسم بمعدل بطالة منخفض قياسياً -بجانب هجرة الروس الجماعية خارج الدولة لتجنب التجنيد- ما يعني أن هناك مرشحين أقل ليحلوا محلهم. أيضاً من المرجّح أن يضرّ ذلك بالأوضاع المالية العامة الروسية الهشة بالفعل، ويترك بعض أسر المجندين في عوز للمال.

قالت صوفيا دونيتس، الخبيرة الاقتصادية في "رينيسانس كابيتال": "التعبئة توجه صدمة سلبية قوية لمعنويات المستهلكين. وسنرى استراتيجية التخلي عن المشتريات غير الضرورية وانخفاضاً كبيراً في الطلب"، وتوقعت أن يضيف انخفاض الطلب نحو 0.5% إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي العام الجاري.

اقرأ أيضاً: تعبئة بوتين للجنود تكشف أنه يخسر

تداعيات التعبئة

تتوقع "بلومبرغ إيكونوميكس" أن تعمّق التعبئة انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وتغذي التضخم العام الجاري. وقال الخبير الاقتصادي الروسي ألكسندر إيساكوف: "الأسوأ من ذلك أن هذه التداعيات على الأغلب ستستمر على مدى السنوات الخمس المقبلة".

صمد اقتصاد روسيا بشكل أقوى مما توقعه الكثيرون في وجه العقوبات الكاسحة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على غزو بوتين لأوكرانيا. ولا تزال الحكومة تتوقع انكماشاً بنحو 3% العام الجاري و1% العام المقبل، مع تجاوز التضخم الهدف بكثير.

في ظل ضيق سوق العمل بالفعل، تسعى الشركات جاهدة لمنع تجنيد موظفيها، وتسمح اللوائح الحكومية ببعض الإعفاءات للعمالة المهمة، لكن آلية الحصول عليها ليست فعالة بالكامل حيث أعلن بوتين على عجل عن الاستدعاء في 21 سبتمبر. وتقدّمت رابطة الأعمال الروسية الرئيسية، اليوم الثلاثاء، بالتماس للحكومة لتوسعة القائمة التي تستثني العديد من القطاعات الصناعية الكبرى من قرار الاستدعاء.

بوتين يعلن تعبئة جزئية للجيش ويدعو الحكومة لتمويل إنتاج المزيد من السلاح

سارعت الشركات الاستشارية لتقديم المشورة لأرباب العمل حول كيفية حماية موظفيهم. لكن في الوقت الراهن، تنصح بعض الشركات الموظفين بالعمل من المنزل في الأيام التي يُتوقّع فيها توزيع إشعار التجنيد في المكتب.

معاناة الشركات

قالت ناتاليا زوباريفيتش، المتخصصة في اقتصاد المناطق الروسية في جامعة موسكو الحكومية: "بدأت السلطات تدرك خطورة الوضع"، وأوضحت أن معظم المجندين يُرجّح أن يأتوا من مناطق ريفية، ما سيضرب قطاعي الزراعة والبناء.

وجدت شركات التكنولوجيا العالية، التي تلقت وعوداً بعدم استدعاء موظفيها للخدمة العسكرية، أن العديد منهم قد تم اختيارهم في الموجة الحالية. وذكرت صحيفة كوميرسانت أن بعض الشركات استأجرت طائرات خاصة لإجلاء الموظفين المتضررين.

انضمت تلك الشركات إلى طوفان من عشرات الآلاف من الروس الذين يحاولون مغادرة البلاد، ما تسبب في طوابير بطول أميال على الحدود البرية وزادت أسعار تذاكر الطيران لمستويات باهظة، ووسط مخاوف متزايدة من أن الكرملين سيحد من الهجرة، لم تقل السلطات سوى إنه لم يتخذ أي قرار حتى الآن. بالفعل، أُعيد المجندون الذين تلقوا إخطارات بالتعبئة، وفق محامين يعملون معهم.

تأتي الضربة التي يتعرّض لها المستهلكون في الوقت الذي تخطط فيه الحكومة بالفعل لزيادة الضغط على مواردهم المالية إذ تطالب الموازنة بقفزة كبيرة في ضريبة الدخل على مدى العامين المقبلين، كجزء من حملة أوسع لزيادة الإيرادات للمساعدة في تمويل تكاليف الحرب، كذلك تزداد أسعار المرافق التي تنظمها الدولة.

اقرأ أيضاً: روسيا تقلل من التأثير الاقتصادي للعقوبات وسط تصعيد الحرب

زيادات الإنفاق

تعِد الحكومة بزيادة الإعانات لأسر المجندين لمساعدتهم على تجاوز فترة الدخل المفقود، وتتوقع تاتيانا أورلوفا من "أكسفورد إيكونوميكس" أن تؤدي زيادة الإنفاق العسكري "لتحفيز الاقتصاد خلال العامين الجاري والمقبل".

قد يكون التأثير الأولي على البيانات مختلطاً، وفق دونيتس من "رينيسانس كابيتال"، والتي قالت: "بعض المجندين سيُعتبرون ضمن الموظفين وستبدو رواتبهم في الواقع أعلى، كما سيظل الإنفاق الحكومي مرتفعاً وستُظهر بعض القطاعات الصناعية الأكثر تأثراً بـ(التعبئة) نمواً".

لكن على المدى الطويل، ستؤدي التعبئة وزيادة عدد القتلى والجرحى من الحرب إلى تقليص المجموعة الصغيرة بالفعل من الروس في سن العمل، وفق زوباريفيتش.

وحذّرت، بالقول: "الأمر الأهم ليس فقدان العمالة وإنما هجرة العقول. فالقاعدة هي أن من يرحلون هم من الأثرياء والمتعلمين، فليس بوسعك الهرب بمحفظة فارغة".