كيف تتعايش المتاحف الكبرى مع أيام الـ"كورونا"؟

المتاحف تكافح من أجل البقاء في أيام الوباء
المتاحف تكافح من أجل البقاء في أيام الوباء بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحدثت أزمة جائحة كورونا، بالإضافة إلى التحركات المطالبة بالعدالة العرقية، تحولات كبرى في المجتمع الأمريكي، وامتد أثرها إلى أماكن العمل والمدرسة ونظم الرعاية الصحية.

وأدّت هذه التحولات إلى زعزعة الأسس التي تقوم عليها إحدى أعرق المؤسسات الأمريكية، وهي المتاحف التي وجدت نفسها مضطرة لبيع بعض تحفها الثمينة وتوسيع نطاق تعريفها للفنّ المتنوع.

قواعد صارمة

والتزمت المتاحف الأمريكية على مدى أجيال، بمجموعة صارمة من القواعد، فكانت تتلقى التبرعات التي تخضع لخصومات ضريبية حتى تشتري أعمال فنانين يُنظر إليهم على أنهم من العظماء، وأغلبهم من فئة الأوروبيين أو الأمريكيين الذكور، من ذوي البشرة البيضاء.

ونظراً إلى الهالة التي تحيط بعمل المتاحف، فإنه كان يُسمح لها ببيع الأعمال الفنية فقط في حال أرادت شراء غيرها، وليس لتسديد فواتير الكهرباء أو دفع رواتب موظفيها.

ولكن بعد إغلاق معظم المتاحف في الولايات المتحدة، من سان فرانسيسكو إلى ماين، ابتداءً من شهر أبريل الماضي في ظلّ الإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، أعلنت رابطة مديري المتاحف الفنية أنها ستسمح ببيع الأعمال الفنية واستخدام عوائدها لتغطية نفقات "العناية المباشرة" لمدة عامين، على أن يعود لكلّ مؤسسة تفسير ما تعنيه هذه النفقات بالنسبة لها.

جذب فئة جديدة من الزوار

ونظراً إلى حجم هذا التغيير الذي طرأ على القطاع، لم تقتصر مساعي المتاحف على بيع الأعمال التي تملكها منذ سنوات، بل بدأت أيضاً في اقتناء أعمال جديدة لفنانين من النساء وذوي البشرة السوداء واللاتينيين، آملة أن تجذب فئة جديدة من الزوار الذين سيرون انعكاساً لأنفسهم داخل أروقة المتاحف التي باتت شبه فارغة.

بوادر الانتعاش تتجدد

وبمعنى آخر، باتت المتاحف تسعى لتوسيع دائرة جمهورها، بغية تحويل الأزمة التي ألمت بها إلى فرصة، وبالفعل، بدأت الأعمال الفنية الجديدة تتدفق إلى السوق، وبدأت اللوحات القديمة تباع. ففي شهر أكتوبر، باع متحف "إيفرسون" للفنون في نيويورك لوحة لجاكسون بالوك مقابل 13 مليون دولار من خلال دار مزاد "كريستيز". فيما عرضت متاحف "سبرينغفيلد" في ماساتشوستس لوحة لبيكاسو بقيمة 4.4 مليون دولار.

ويستعد متحف "بروكلين" لبيع لوحته الوحيدة للوكاس كراناش في المزاد في وقت لاحق. فيما يبحث متحف "بالتيمور" للفنون عن مشترٍ للوحة "العشاء الأخير" الشهيرة لأندي وارهول مقابل حوالي 40 مليون دولار.

وكان رئيس رابطة مديري المتاحف ومدير متحف سان لويس للفنون برينت بينجمان، قد علّق على هذه التحولات قائلاً إن "هذه اللحظة لا سابق لها"، مشيراً إلى أنه على الرغم من الأزمات المالية الحادة التي وقعت في السابق، مثل أزمة عام 2008، "إلا أنه لم يمرّ علينا أي أمر مماثل".

العودة التدريجية وإلغاء الوظائف

وبدأت المتاحف بإعادة فتح أبوابها ببطء مع تخفيض عدد موظفيها، فمثلاً ألغى متحف "ميتروبوليتان" للفنون 400 وظيفة في ظلّ الجائحة وبات يعمل بسعة أقل. إذا لم تعد المتاحف قادرة على تنظيم فعاليات لجمع التبرعات أو توسيع علاقاتها من خلال تنظيم رحلات إلى المعارض الدولية. وباتت مضطرة لبيع تحفها حتى تتمكن من الاستمرار، ما يجلب المزيد من الأعمال لداريّ مزاد "سوذبيز" و"كريستيز".

ويعكس وضع المتاحف الأزمة التي يعيشها سوق الأعمال الفنية، حيث لا يزال معظم رعاة الفنّ من الأثرياء غير مضطرين للبيع، بينما باتت المتاحف مضطرة لذلك. وتعتبر هذه الأعمال المعروضة مرغوبة جداً، بما أنها تُعرض حديثاً في السوق وتحمل قيمة تاريخية وتنتمي إلى بعض أهمّ المجموعات الفنية.

من جهتها، كشفت نينا ديل ريو، رئيسة قسم الاستشارات والمتاحف والخدمات الخاصة والمؤسساتية في دار "سوذبيز" أن الدار ستقوم بـ "المزيد من الإعلانات المهمة خلال الأسبوعين المقبلين"، حيث حصلت على تفويض بقيمة 65 مليون دولار من متحف "بالتيمور" للفنون، بالإضافة إلى تفويضات أصغر من متحف "بالم سبرينغز" للفنون ومتحف "سان دييغو" للفنون ومعهد "الفنّ" في شيكاغو.

الحفاظ على ثقة الجمهور

وقال آدم ليفين، المدير الجديد لمتحف "توليدو" للفنون إنه على تواصل دائم مع ديل ريو من دار "سوذبيز"، وهو حالياً يدرس طرق تأمين السيولة مع الحفاظ على ثقة الجمهور. وكان المتحف قد حصل على إذن يتيح له أن يستخدم هذا العام مبلغ 200 ألف دولار من الأموال التي كانت مخصصة لإدارة مجموعته، فيما يضع الطاقم اللمسات الأخيرة على خطة لتنويع المقتنيات الفنية.

ويقول ليفين "تمتلك المتاحف قوة مذهلة، فحين نعلّق عملاً فنياً على جدار المتحف يصبح تلقائياً عملاً عظيماً". وحين يصبح العمل عظيماً، سيصبح بالتالي قيماً.

سلسة من الضغوط

وترزح المتاحف حاليا تحت الكثير من الضغوط لتمنح القوة والقيمة لفنانين من الخلفيات المختلفة التي لم تُمثّل بما يكفي في السابق. ولهذا السبب، فإن العمل الفنّي الأول الذي اشتراه ليفين بعد تعيينه كان منحوتة من توقيع الفنانة ذات البشرة السمراء بيزا بتلر، وتجسّد المنحوتة المناضل فريدريك دوغلاس وتحمل القطعة الفنية اسماً مستوحى من خطابه المناهض للعبودية.

وتجدر الإشارة إلى أن المتاحف باعت في السابق أعمالاً فنية انتهكت من خلالها القواعد وهو ما أدى لتعرضها للعقوبات في بعض الأحيان. مع العلم بأن المتاحف لا تعرض عادة إلا مجموعة قليلة من مقتنياتها الفنية، بينما تبقي بقية مجموعتها الفنية مخبأة وقد لا تعرضها أبداً.

وبالتالي، فإن إزالة لوحة عن جدار العرض في المتحف، بغرض بيعها ليس بالأمر السهل.

فعلى سبيل المثال، أحدث بيع متحف "إيفرسون" للوحة "Red Composition" لبولوك موجة من الانتقادات، فيما أثار بيع متحف "بروكلين" لوحة لكراناش الكثير من الدهشة.

ومن جهتها أكدت مديرة متحف "بروكلين" آن باستيرناك أن "هذه القرارات لم تتخذ بسهولة"، مشيرة إلى أن لوحة كراناش كانت (زائدة) على المجموعة وتحتاج للترميم.

وقالت "هل أنا حزينة للتخلي عنها؟ بالطبع، ولكن يوجد أعمال فنية أكثر أهمية لدى المتحف."

وتسعى باستيرناك لبيع أعمال فنية بقيمة 40 مليون دولار على الأقل في العامين المقبلين، بدءاً بـ 12 قطعة تقدر قيمتها بين 2.3 و3.6 مليون دولار من خلال دار مزاد "كريستيز". وينوي المتحف استخدام الإيرادات للعناية بالـ 160 ألف قطعة فنية الموجودة في عهدته حاليا.

ويعمل متحف المدينة في بالتيمور،على بيع ثلاثة أعمال فنية من مجموعته تحمل توقيع كليفورد ستيل وبرايس ماردين ووارهول في مساعيه لجمع مبلغ 65 مليون دولار.

ويثير بيع لوحة ستيل استياء سكان المدينة، إذ كان الفنان الذي ينتمي للمدرسة التعبيرية التجريدية والذي أقام خلال العقد الأخير من حياته في مزرعة في ماريلاند، قد قدم لوحته "157-G" هدية إلى بالتيمور.

ومن المتوقع أن تحقق اللوحة ما بين 12 و18 مليون دولار، على أن يخصص جزء من المبلغ لشراء أعمال فنية تحمل توقيع نساء أو أشخاص من خلفيات عرقية مختلفة.

ويضيف كريستوفور بيدفورد، وهو مدير متحف "بالتيمور" إنه "من المهم التصرف الآن ومعالجة عقود من التقاعس حيال عدم المساواة في المتاحف"، مؤكداً أن التشديد على التنوّع "سيضمن أن تكون القصة التي نرويها كاملة وحقيقية."