مستثمرون: ارتفاع الدولار بلا هوادة يرفع الرهان على التدخل في الأسواق

نحو نصف المشاركين في مسح بلومبرغ "ماركت لايف بالس" يتوقعون تنسيقاً بين القوى العالمية الكبرى لإضعافه

عامل يحمل أوراقاً من فئة الدولار الأميركي في مكتب صرافة بجاكرتا، إندونيسيا، يوم الأربعاء 2 مارس 2022.
عامل يحمل أوراقاً من فئة الدولار الأميركي في مكتب صرافة بجاكرتا، إندونيسيا، يوم الأربعاء 2 مارس 2022. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ينتظر أن يواصل الدولار الأميركي تحقيق المكاسب أمام العملات الأخرى مما يعزز التكهنات بأن تقوم الحكومات بتدخلات غير عادية في الأسواق لرفع قيمة العملات التي تكون في الجانب الخاسر من المعاملة.

يتوقع حوالي 45% من 795 مشاركاً في مسح بلومبرغ "ماركت لايف بالس" (MLIV Pulse) الأخير قيام القوى العالمية الكبرى بمحاولة منظمة لإضعاف الدولار، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تحركت للتقليل من شأن الحديث عن مثل هذه الخطوة.

وتوقعت نسبة مماثلة تقريباً من المشاركين أن تكثف اليابان من جهودها باهظة التكلفة بهدف رفع قيمة الين بنفسها، دون مساندة من الآخرين. بينما يتوقع الثلثان أن يرتفع مؤشر بلومبرغ للدولار الفوري إلى مستويات قياسية جديدة خلال الشهر المقبل.

ارتفع الدولار مع اغتنام المستثمرين الدوليين لأسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة أو السعي لإيجاد ملاذ من اضطراب السوق، بما في ذلك المملكة المتحدة التي تعصف بها الأزمات، والأسواق الناشئة.

كيف يرى مجتمع المال البريطاني السبيل إلى استقرار الجنيه الإسترليني؟

يؤدي ارتفاع الدولار إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الدول في جميع أنحاء العالم من خلال رفع أسعار استيراد المواد الغذائية والوقود. ويشكل ذلك ضغوطاً إضافية على العديد من البنوك المركزية، التي ترفع أسعار الفائدة في محاولة للحد من تأثير ارتفاع الدولار على أسعار المستهلكين.

ويضيف الدولار الذي لا تمكن السيطرة على ارتفاعه أعباءً على أرباح الشركات الأميركية من خلال تخفيض قيمة الأرباح التي تحققها في الخارج عند تحويلها إلى الدولار. ويتوقع ما يقرب من 90% من المشاركين في المسح أن تتأثر أرباح الشركات خلال الربع الثالث بارتفاع الدولار بدرجة أكبر مقارنة بالربع السابق.

الأسواق تترقب تدخل اليابان لدعم الين مجدداً بعد تجاوزه 145 مقابل الدولار

صعود الورقة الخضراء

قال جوزيف لويس، رئيس قسم تحوط الشركات وحلول العملات الأجنبية في شركة "جيفريز" ( Jefferies LLC): "سيستمر الاتجاه الصعودي للدولار على المدى القريب. وعلى المدى الطويل، سيشهد العالم تحولات وستعود بعض العملات الأخرى إلى الارتفاع. لكن السلوك البشري يخبرني أن الولايات المتحدة فيما يبدو هي المكان الأفضل لأن تكون فيه حالياً".

ارتفع الدولار بفضل سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأشد تقشفاً منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، مما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات الأميركية.

مهمة الاحتياطي الفيدرالي لتحجيم التضخم لم تنته بعد وستستغرق وقتاً

ارتفع مؤشر بلومبرغ للدولار بنسبة 14% منذ بداية 2022 مع صعود العملة الخضراء أمام الجنيه الاسترليني والين. وانهار الجنيه الإسترليني إلى مستوى قياسي منخفض في أواخر سبتمبر بسبب المخاوف المتعلقة بخطط التخفيض الضريبي الكبيرة في المملكة المتحدة.

أنفقت اليابان ما قيمته 19.7 مليار دولار في أول تدخل لها في الأسواق منذ عام 1998 لدعم العملة، لكن الخطوة المفاجئة لم تحقق نتائج طويلة المدى. على عكس بنك الاحتياطي الفيدرالي، أبقى بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة منخفضة.

قالت نانسي ديفيز، مؤسسة شركة " كوادراتيك كابيتال مانجمنت" (Quadratic Capital Management): "هناك اختلاف كبير بين السياسة النقدية للبنوك المركزية، إذ يتسم بنك الاحتياطي الفيدرالي بكونه متشدداً للغاية، والبعض الآخر متساهل بالفعل"، مثل بنك اليابان المركزي وبنك الشعب الصيني. وأضافت: "هذا الوضع يجعل الدولار قوياً بشكل لا يصدق".

اتفاق بلازا

ليس لدى إدارة الرئيس جو بايدن حافز كبير لإضعاف الدولار، حيث يمكن أن تمارس المزيد من الضغط على التضخم في الولايات المتحدة. وقد قال مدير المجلس الاقتصادي الوطني للبيت الأبيض، برايان ديزي إنه لا يتوقع إبرام أي اتفاق بين الاقتصادات الكبرى لمواجهة قوة العملة الأميركية.

مكاسب متداولي السندات الأميركية مرهونة بنهاية مسار الفائدة لـ"الاحتياطي الفيدرالي"

لكن المشاركين في استطلاع "ماركت لايف بالس" قالوا إن الارتفاع الشديد في قيمة الدولار قد يؤدي إلى مثل هذه الخطوة.

كانت آخر مرة شهدت جولة كبيرة من العمل المنسق لإضعاف الدولار في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما وافقت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية واليابان والولايات المتحدة على العمل وتنسيق الجهود فيما أطلق عليه اسم "اتفاق بلازا".

وتمكنت اليابان في عام 2011 من الحصول على دعم مجموعة الدول السبع للتدخل بعد كارثة تسونامي وأثناء الأزمة المالية الآسيوية. كما تعاون أعضاء مجموعة الـسبع لدعم اليورو في سبتمبر 2000.

قد يؤدي أي تدخل منسق محتمل في السوق إلى ارتداد كبير في معظم العملات مقابل الدولار. ففي الشهرين التاليين لـ "اتفاق بلازا"، انخفض الدولار بأكثر من 10%، مع بلوغ التراجع الإجمالي خلال العامين التاليين ذروته إلى 50% تقريباً.

في الوقت الحالي، اتخذ كثير من المستثمرين مراكز استثمارية طويلة الأجل بشراء الدولار، وأي تدخل لإضعاف قيمته سيؤدي إلى موجة بيع كثيفة.

نتائج الأعمال

قال أدريان زويرشر، رئيس الاستثمار في الأصول العالمية في شركة "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت"، في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" إن الجنيه الإسترليني واليورو في "شبه" أزمة بالفعل، وفي النهاية "قد نحتاج حتى إلى بعض التنسيق من جانب البنوك المركزية إذا استمر هذا الأمر".

يتسبب الدولار القوي أيضاً في إلحاق ضرر ببعض المستثمرين في الأسهم. فقد قال ما يقرب من 90% من المشاركين في المسح إن تأثيره سيظهر بوضوح أشد في نتائج أعمال الربع الثالث.

حذرت شركة "مايكروسوفت" من أن ارتفاع الدولار يضر بأرباحها الصافية بعد خصم الضرائب، عندما خفضت توقعاتها في يونيو، قبل موسم إعلان نتائج أعمال الربع الثاني مباشرة.

خلال المؤتمرات الهاتفية لإعلان نتائج الأعمال الفصلية للشركات المدرجة في مؤشر "إس آند بي 500"، ذكر المحللون والمسؤولون التنفيذيون بالشركات كلمة الدولار أكثر من 1000 مرة، وهو أكبر عدد خلال ثلاث سنوات، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.

قال لويس من "جيفريز": "معدلات التحوط وأسواق العملات الأجنبية في مقدمة اهتمامات الناس. بالنسبة لمعظم الشركات، فإن تحرك أسعار العملة بنسبة 5% أو 10% أمر يمكنها تجاهله، لكن تحركها بنسبة 20% أمر يتعين عليها التعامل معه نوعاً ما".

"مورغان ستانلي": المسار المرجح لـ"الفيدرالي" لن ينهي مشكلات الأرباح

بعض المشاركين في استطلاع "ماركت لايف بالس" ذكروا أيضاً أزمة ديون الأسواق الناشئة ومشاكل السيولة وإعادة التمويل باعتبارها تهديدات محتملة ناتجة عن ارتفاع الدولار هذا العام. وتناولوا كذلك أزمة الطاقة، إذ أن ارتفاع الدولار يجعل النفط والغاز أعلى تكلفة بالعملة المحلية، مما يؤدي إلى صعود التضخم المرتفع بالفعل.