لهذه الأسباب سوق العمل الأميركية أكثر تراخياً مما تبدو

الذين بدّلوا وظائفهم حصلوا على زيادات سنوية في الأجور بنسبة 8.4% خلال أغسطس

لافتة تعلن عن طلب موظفين للعمل.
لافتة تعلن عن طلب موظفين للعمل. المصدر: غيتي إيمجز
Gary Smith
Gary Smith

Gary Smith, an economics professor at Pomona College, is the author of "The AI Delusion" and the forthcoming "Distrust: Big Data, Data-Torturing, and the Assault on Science."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يرى الكثيرون أن سوق العمل في الولايات المتحدة مفرطة القوة، حيث وصفها رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مؤخراً بأنها "ضيقة للغاية" و"غير متوازنة"، إذ يفوق الطلب على العمال العرض بكثير. إلا أنني أخالفه الرأي.

في الواقع، ارتفعت معدلات الاستقالة من العمل لأن الموظفين لم يعودوا قلقين بشأن العثور على وظائف جديدة، حيث حصل أولئك الذين بدّلوا وظائفهم على زيادات سنوية في الأجور بنسبة 8.4% في أغسطس، ارتفاعاً من 5.8% في وقت مبكر من هذا العام، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا. وقد شجع ذلك الناس على تغيير وظائفهم أو الإضراب من أجل الحصول على رواتب أعلى، إذ حدث 180 إضراباً شارك فيه 78,000 عامل في النصف الأول من العام الجاري، ارتفاعاً من 102 إضراباً شمل 26,500 في العام السابق.

التعافي المفاجئ لسوق العمل بعد الجائحة يواجه خطر التضخم

فضلاً عن ذلك، تبلغ فرص العمل الشاغرة نحو ضعف عدد العاطلين عن العمل، مما يعني أنه للعودة إلى معدل المشاركة في العمالة البالغ 63.4% في فبراير 2020، أي قبل انتشار الجائحة، يتطلب الأمر انتقال 2.8 مليون شخص إلى القوى العاملة. وقد كانت عمليات تسريح 1.4 مليون موظف في يوليو أقل بنسبة 23% من المتوسط ​​في عام 2019.

في حال لم يكن هناك أي تراخٍ في سوق العمل، فلماذا تنخفض الأجور الحقيقية؟ بعد تصحيح التضخم، انخفض متوسط ​​الأجر في الساعة في أغسطس بنسبة 2.1% هذا العام، مع قفزة سنوية في مؤشر أسعار المستهلك عند 8.2%. كما أن العديد من أرباب العمل الذين سارعوا لإضافة موظفين يترددون الآن في خفض عدد موظفيهم حتى مع انزلاق الاقتصاد بسبب القلق من أنهم قد لا يتمكنون من العثور على عمال عندما تتغير الأمور.

إنفوغراف.. قطاعات الطاقة المتجددة الأكثر توظيفاً

يصب الضعف الأخير في نمو الإنتاجية -والانخفاضات الفعلية في النصف الأول من هذا العام- الزيت على النار نظراً لأن الأمر يستغرق المزيد من ساعات العمل لإنتاج نفس المنتج. ففي الربع الأول، انخفض الإنتاج لكل ساعة عمل بمعدل سنوي 7.4% وبنسبة 4.1% في الربع الثاني.

علاوةً على ذلك، تباطأت إلى حد كبير الهجرة التي يمكن أن تحل محل العمال المولودين في البلاد. ومن عام 2019 إلى عام 2021، انخفضت الهجرة السنوية من 1.3 مليون إلى 505.000 مهاجر. كذلك، فإن أطفال ما بعد الحرب الذين يتقدمون في السن سريعاً، والذين تتراوح أعمارهم الآن بين 58 و76 عاماً، يتسربون من القوى العاملة بفعل تقاعدهم. كما تبلغ نسبة المشاركة في العمل لمن هم في سن 65 وما فوق نحو 19.1%، مقارنة بـ82.8% لمن هم في سن العمل الأساسي، أي 25 سنة إلى 54 سنة.

مهمة الاحتياطي الفيدرالي لتحجيم التضخم لم تنته بعد وستستغرق وقتاً

في الحقيقة، يشير تحليلي إلى أن التشدد الحالي في سوق العمل لا يرجع إلى الطلب القوي على العمال، ولكن لأن الأميركيين يحدّون من العرض بعد الجائحة. فبعد البقاء في المنزل لمدة عامين بسبب الإغلاق، اعتاد الكثير من الناس على العمل عن بُعد وتقليل ساعات العمل، بينما ترك الآخرون العمل وتقاعدوا مبكراً. وفي أواخر سبتمبر، بلغ معدل إشغال المكاتب حسب قياس العاملين في المكاتب الفعلية 47.5% فقط من معدل الإشغال في أوائل عام 2020، وفقاً لشركة "كاسل سيستمز" (Kastle Systems).

يُشار إلى أن الكثيرين تحولوا إلى العمل بدوام جزئي بدلاً من العمل بدوام كامل. ففي أغسطس، عمل 21 مليوناً بدوام جزئي لأنهم أرادوا ذلك، في حين أن عدداً متناقصاً من العاملين بدوام جزئي -4.1 مليون- يريدون وظائف بدوام كامل، لكن لم يُعرض عليهم سوى العمل بدوام جزئي. كما كشفت الدراسات الاستقصائية التي أجراها الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، من بين آخرين، أن الجائحة سبّبت تغييرات في المواقف إزاء العمل، حيث يرغب الرجال، والنساء، والشباب، ومتوسطو العمر، وأولئك الذين يعملون بدوام كامل، وأولئك الذين يعملون بدوام جزئي في العمل لساعات أقل ما كانت عليه قبل أن جائحة "كوفيد-19".

مخاوف التشديد النقدي والركود العالمي تهوي بالأسهم الأميركية

علاوةً على ذلك، يمكن للمستهلكين الحفاظ على إنفاقهم الحقيقي في مواجهة انخفاض الأجور الحقيقية عن طريق تصفية الأصول، ولكن هذا لا يحدث وليس من المحتمل أن يحدث. فقد ذهب جزء كبير من الجولات الثلاث السابقة من التحفيز المالي الفيدرالي المرتبط بالجائحة في عامي 2020 و2021 إلى إسكان الأسرة الواحدة، حيث فرّ الأميركيون من المدن إلى الضواحي والمناطق الريفية، وإلى الأسهم.

إلا أن أسعار الأسهم هبطت إلى سوق هابطة، وبدأت أسعار المساكن في الانخفاض. ومع ارتفاع معدلات الرهن العقاري، أصبحت مسألة إعادة التمويل النقدي، التي توفر الأموال للإنفاق على الأمور الأخرى، من الماضي. كما انخفض صافي ثروة الأسرة بنسبة 4.1% في الربع الثاني مع تراجع الأسهم وصناديق الاستثمار المشتركة، وفقاً للاحتياطي الفيدرالي.

كذلك تزداد تكلفة الاقتراض كما يتضح من ارتفاع أسعار الفائدة على بطاقات الائتمان من 16% في أوائل مارس إلى 18% في سبتمبر. وتشير المستويات المنخفضة من ثقة المستهلك إلى أن الأميركيين خائفون للغاية من دعم الاقتصاد عبر زيادة الإنفاق، حيث يحجمون عن الإنفاق بدلاً من ذلك.

مخاطر الركود تدفع الشركات لتجميد خطط الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية

ومع كل هذه القوى التي تثقل كاهل المستهلكين، الذين يُمثِّلون 68.4% من إجمالي الإنتاج، فليس من المستغرب أن مبيعات التجزئة الحقيقية في أغسطس انخفضت بنسبة 4.4% عن مارس 2021 و1.2% عن نوفمبر الماضي.

ما من شك في أن البطالة تتخلف عن الاقتصاد في دورات الأعمال. وفقط عندما تنخفض مبيعات الأعمال والأرباح، يقوم أصحاب العمل بخفض عدد الموظفين. وهذه المرة، مع حدوث الركود الذي كنت أتوقعه، قد يكون أصحاب العمل أبطأ من المعتاد في التحول من التوظيف إلى الفصل من العمل. لكنه سيحدث في نهاية المطاف.

في الأشهر الأخيرة، انخفضت فرص العمل وكذلك التوظيف. والشيء نفسه يحدث بالنسبة لمعدلات الاستقالة من العمل، حيث بدأ الموظفون في القلق بشأن العثور على وظائف جديدة. وارتفع معدل البطالة من 3.5% في يوليو إلى 3.7% في أغسطس.

ارتفاع الدولار القياسي يهوي بالمعادن.. والذهب يهبط إلى أدنى مستوى منذ 2020

لذا لا تتفاجأوا في حال تحركت بيانات سوق العمل بسرعة من كونها مبشرة إلى أخرى منذرة بالشؤم، حيث سيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط الهبوطي على أرباح الشركات وأسعار الأسهم. لكنه سيحد من التضخم، لصالح سندات الخزانة الأميركية.