خفض إنتاج النفط من منظور أميركي.. "أوبك+" متحالف مع روسيا

الخفض بمقدار مليوني برميل جاء رغم ضغوط من واشنطن لتعديل مساره

الأمير محمد بن سلمان في استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في مدينة جدة السعودية في يوليو 2022
الأمير محمد بن سلمان في استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في مدينة جدة السعودية في يوليو 2022 المصدر: وكالة الأنباء السعودية (واس)
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقلم جاك فارشي وأنماري هوردين وبن بارتنشتاين - بلومبرغ

تخطّى الرئيس الأميركي جو بايدن كبرياءه وسافر إلى المملكة العربية السعودية، في يوليو، للالتقاء بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، معرباً عن تفاؤله، في ختام الزيارة، بأن الرياض ستتخذ خطواتٍ لتعزيز إمدادات النفط "خلال أسابيع".

على النقيض، وبعد أقل من 3 شهور، حصل عكس ما كان يطمح إليه الرئيس الأميركي، وتمثّل بخفض ضخم في إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً من قِبل تحالف "أوبك+"، الذي تلعب السعودية دوراً أساسياً في إدارته.

بالنسبة للمسؤولين الأميركيين، الذين أمضوا الأيام القليلة الماضية في بذل جهود قوية لإقناع الرياض والأعضاء الآخرين في التحالف النفطي لتعديل مسار خفض الإنتاج، فإن الانطباع لديهم أصبح واضحاً: في حرب الطاقة المتفاقمة بين روسيا والغرب، السعودية تعتزم دعم فلاديمير بوتين وتجاهل جو بايدن.

واعتبرت كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، في تصريحات للصحفيين، أنه "بات جلياً من خلال إعلان اليوم أن "أوبك+" متحالف مع روسيا".

في المقابل، أكّد مسؤولون سعوديون أن قرار الخفض جاء مدفوعاً بالقلق حيال تباطؤ الاقتصاد العالمي.

خطوة محفوفة بالمخاطر

تُشير تحليلات إلى أن التأثير المترتب على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل، هو تحفيز صعود أسعار النفط بما يفوق 10% من أدنى مستوياتها الأسبوع الماضي. وبالنظر إلى تراجع المخزونات، حذّر بعض المحللين من أن هذا التحرك قد يدفع الأسعار إلى مستويات أعلى، حيث رأى داميان كورفالين، من بنك "غولدمان ساكس"، أن التخفيضات، في حال أبقى عليها تحالف "أوبك+" حتى نهاية 2023، قد تصعد بسعر خام برنت بمقدار 25 دولاراً للبرميل العام المقبل. لافتاً إلى "احتمال ارتفاع الأسعار لمستويات أعلى إذا استُنفدت المخزونات بشكلٍ كامل".

بالنسبة لبايدن، يُعدُّ قرار خفض الإنتاج بمثابة صدمة، ومجافاة لرئيسٍ كان وعد خلال حملته الانتخابية بجعل المملكة "منبوذة"، إلاّ أنه سعى لإصلاح العلاقات معها خلال العام الحالي، على أمل توفير إمدادات طاقة أكبر. كما يعرقل القرار محاولاته لكبح الأسعار وتقليص إيرادات موسكو، عبر حشد التأييد من أجل وضع سقفٍ لأسعار النفط الروسي، والإفراج عن مخزونات من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي.

يرى بن كاهيل، كبير الباحثين لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن "هذا الخفض كان مدفوعاً بعوامل "جيوسياسية"، وليس فقط أساسيات السوق، حيث يتصدّى "أوبك+" لجهود مستوردي النفط لإعادة تشكيل السوق، ومن ضمنها وضع سقف لأسعار النفط الروسي، وعمليات الإفراج عن الاحتياطي الاستراتيجي لخام الولايات المتحدة، والتحرّك المنسق بين المشترين"؛ واصفاً خطوة التحالف بـ"الخطرة".

ضغوط وإحباط

تسبب اتخاذ قرار بمثل هذا الخفض الكبير في صدمة للولايات المتحدة. ومع اتضاح خطط مجموعة الدول المنتجة للسير بهذا الاتجاه في الأيام القليلة الماضية، توالت اتصالات مسؤولين أميركيين، بمن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يلين، بنظرائهم في دول الخليج الأعضاء بمنظمة أوبك لمحاولة إقناعهم بتعديل المسار. وكشفت مصادر مطلعة أن يلين اتصلت بعدد من الوزراء في المنطقة، لكنها لم تحصل على تعهدات مؤكدة منهم بهذا الشأن.

عقب صدور قرار التخفيض مساء البارحة الأربعاء، صرح البيت الأبيض أن بايدن "محبط جرّاء القرار "قصير" النظر المتخذ من قِبل "أوبك+" لخفض حصص الإنتاج"، مهدداً بالنظر في اتخاذ تدابير إضافية "للحدّ من تحكم "أوبك" في أسعار الطاقة"، على حدّ تعبير البيان.

بعض الساسة الأميركيين كانوا أكثر صراحة، إذ كتب كريس مورفي، السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيكتيكت والعضو بلجنة العلاقات الخارجية، تغريدة على "تويتر" قائلاً: "ظننت أن المغزى كله خلف بيع الأسلحة إلى دول الخليج رغم سجل حقوق الإنسان لديها، وحرب اليمن التي لا جدوى منها، والتعامل بخلاف المصالح الأميركية في ليبيا والسودان وغيرهما، أنه عند وقع أزمة دولية، قد يفضل الخليج اختيار أميركا على روسيا والصين".

ثقة اقتصادية وخارجية

بعيداً عن الرقم النظري المعلن من "أوبك+"، سيكون خفض الإنتاج الفعلي بحوالي مليون برميل يومياً، نظراً لأن بلدان عدّة في التحالف تضخّ نفطاً أقل من حصصها الإنتاجية. هذه المعطيات، ستمدُّ المسؤولين الأميركيين بقدر من الارتياح. لكن التأثير السياسي للقرار سيتجاوز على الأرجح أثره على السوق.

بالنسبة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، فإن القرار يشير إلى تعزيز ثقةٍ مدعومةٍ بقوة النفط، والتي طبعت فترة ما قبل مقتل الناقد والكاتب جمال خاشقجي في 2018.

يسير اقتصاد المملكة على المسار الصحيح ليصبح أحد أسرع الاقتصادات نمواً ضمن دول مجموعة العشرين. ساهم توسُّط ولي العهد السعودي مؤخراً بإنجاح عملية تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا، وقد عُيِّن الأمير الأسبوع الماضي رئيساً للوزراء، ما يعزز سلطاته الرسمية، ويمنحه حصانةً محتملة بمواجهة دعاوى قضائية تتهمه بالمسؤولية عن مقتل خاشقجي.

يُنوّه مسؤولون سعوديون بأن قرار "أوبك+" يُشير إلى تطور الشراكات الخارجية للرياض، المدفوعة جزئياً بالتجاهل الملحوظ من قِبل واشنطن. مُضيفين أنه في حين سعى بعض كبار المسؤولين الأميركيين إلى إصلاح العلاقة، لم يكن ذلك كافياً لرأب التصدعات التي تسبب فيها الرئيس الأميركي شخصياً إلى حدٍّ ما.

امتنع وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، البارحة الأربعاء، عن مناقشة الأمور السياسية المتعقلة بقرار خفض الإنتاج، قائلاً: "هذا الأمر يتجاوز كثيراً وظيفتنا". وعندما سُئل عن تبريره لقرار خفض الإنتاج مع أن السوق مازالت تشهد أسعاراً مرتفعة نسبياً، رغم تراجعها من 130 دولاراً للبرميل في مارس، سلّط الضوء على حقيقة أن أسعار الغاز الطبيعي والفحم صعدت أكثر بكثير من النفط.

بالنسبة للبعض، فإن هذه المقاربة تُنذر بما لا يُحمد عقباه؛ فصعود أسعار الغاز والفحم جاء، بنظر الغرب، نتيجة استخدام روسيا للغاز كسلاح سياسي، عبر الحدّ من الإمدادات إلى أوروبا.

ويُفصح المراقب المخضرم لنشاط "أوبك" روجر ديوان أنه "بعد أسواق الغاز، تتحول أسواق النفط حالياً إلى سلاح".