أعماق البحار تتحول إلى ساحة حرب بعد انفجارات "نورد ستريم"

أميركا ليست مجهزة للدفاع عن كابلات الإنترنت وأنابيب الغاز ومنصات البترول من الهجمات تحت الماء

سفينة وادن 2 في محطة ضغط واستقبال الغاز لخط أنابيب نورد ستريم 1 في لوبمين بألمانيا.
سفينة وادن 2 في محطة ضغط واستقبال الغاز لخط أنابيب نورد ستريم 1 في لوبمين بألمانيا. المصدر: بلومبرغ
James Stavridis
James Stavridis

James Stavridis is a Bloomberg Opinion columnist. He is a retired U.S. Navy admiral and former supreme allied commander of NATO, and dean emeritus of the Fletcher School of Law and Diplomacy at Tufts University. He is also chair of the board of the Rockefeller Foundation and vice chairman of Global Affairs at the Carlyle Group. His latest book is "2034: A Novel of the Next World War."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أكّدت الهجمات الأخيرة على خط أنابيب نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق على أهمية قاع البحر كمنطقة صراع في الحرب الحديثة. لسوء الحظ، فإن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين ليسوا على استعداد لحماية شبكاتهم الضعيفة القابعة تحت عن الأمواج.

لم يثبت بعد بشكل قاطع أن سلسلة انفجارات خطوط الأنابيب هي عمل تخريبي أو تُنسب إلى أي دولة، لكن معظم المحللين يعتقدون أن الجاني المحتمل هو روسيا. حيث يبدو أن موسكو هي المستفيد الرئيسي من الهجمات، والتي ربما تكون مصممة لإرسال إشارة إلى أوروبا الغربية (وإلى جميع المشاركين في الاقتصاد العالمي) مفادها أن الكرملين يمكن أن يُعرّض البنية التحتية الحيوية في قاع البحر للخطر.

لقراءة المزيد: طوارئ في أوروبا لتأمين البنية التحتية للطاقة بعد انفجار "نورد ستريم"

كيف يمكننا الاستعداد للردع وإلحاق الهزيمة والرد على الاعتداءات تحت الماء؟

درستُ هذه القضية منذ أوائل الثمانينيات، عندما كتبت مقالاً في المجلة المهنية للبحرية، التي تحمل اسم "وقائع المعهد البحري الأميركي" (US Naval Institute Proceedings)، بعنوان "حرب الموارد في البحر". حيث حددتُ نقاط الضعف في منشآت النفط والاتصالات البحرية، والهجمات المفترضة على غرار ما حدث الآن مع نورد ستريم.

بعد عقود، أمضى فريقي في منظمة حلف شمال الأطلسي وقتاً طويلاً في التفكير في كيفية حماية 400 كابل يحمل 98% من بيانات الإنترنت العالمية، وهو أمر لم يكن علينا القلق بشأنه في الثمانينيات.

ما من شك في أنه توجد الآن بنية تحتية حيوية ضخمة في البحر، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة والحلفاء الغربيين لم يفعلوا الكثير للاستعداد للدفاع عنها، بما في ذلك شحذ المهارات الهجومية لخلق ردع حقيقي في ذهن أي مهاجم محتمل.

آن أوان التصدي لتحديات أعماق المحيط

في مختبر جونز هوبكنز للفيزياء التطبيقية، حيث أعمل زميلاً أول، استكشفت إحدى المناورات الحديثة ذات التصنيف العالي هذه التحديات، حيث جُمِعت مجموعة رفيعة المستوى ونخبوية للتعامل مع قرارات التكنولوجيا والسياسة التي ستكون حاسمة للدفاع عن أعماق المحيط. كانت النتيجة واضحة: لقد حان الوقت لإيلاء المزيد من الاهتمام والموارد لهذه المجموعة من التحديات ليس فقط في البنتاغون، ولكن أيضاً في مؤسساتنا البحثية ومراكز الفكر والوكالات الحكومية الأخرى.

اقرأ أيضاً: أوروبا تحقق في أضرار غير مسبوقة بشبكة أنابيب"نورد ستريم"

في الواقع، ليس لكل جزء من قاع البحر نفس القدر من الأهمية بالطبع. فالمنطقة الشاسعة تحت المحيطات -70% من سطح الأرض- يصعب الوصول إليها وتصعب مراقبتها، حتى مع الأسطول الاستثنائي للجيش الأميركي من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، والغواصات المأهولة، والتدريبات في المياه العميقة والمركبات التي تعمل عن بعد.

تحديد الأولوية في أعماق المحيط أمر رئيسي

سنحتاج إلى إعطاء الأولوية للدفاع والاحتفاظ بالأجزاء الأكثر أهمية. وسيشمل ذلك أنابيب الغاز الطبيعي والنفط تحت سطح البحر، سواء تلك التي ترتفع لتصل إلى البر أو التي تربط المرافق في البحر؛ وكبلات بيانات الإنترنت، والحفارات فوق الماء لاستغلال النفط والغاز وقاع البحر؛ وسلاسل الاستشعار المصنفة المستخدمة لتتبع حركة المرور تحت سطح البحر.

طالع المزيد: السويد تكتشف تسرباً رابعاً للغاز في "نورد ستريم"

كل هذا يعني الاستثمار في تدريب وتجهيز وإعداد قوات عالية التخصص يمكنها العمل في قاع البحر. واليوم، تنتشر هذه القدرات من خلال المجتمعات العسكرية والعلمية والأرصاد الجوية والبيئية والتجارية، مع القليل من التنسيق. ويجب أن يتركز الجمع بين هؤلاء أصحاب المصلحة للتشاور والعمليات في إطار منظمة واحدة، إما البحرية الأميركية أو الإدارة الوطنية لعلوم المحيطات والغلاف الجوي.

فضلاً عن ذلك، تشمل المناطق التي نحتاج إلى التركيز عليها مزيداً من التعزيز المادي للكابلات وخطوط الأنابيب، بما في ذلك الرافعات التي تربطها بالأرض؛ وأجهزة استشعار أفضل في الوقت الحقيقي تحت سطح البحر لاكتشاف الهجمات وتوثيقها، مثل الكثير من كاميرات فيديو المراقبة المنتشرة في كل مكان في الأماكن العامة؛ وفرق الاستجابة والإصلاح المتمركزة بالقرب من المرافق البحرية الأكثر حيوية (قبالة ساحل النرويج، على سبيل المثال)؛ والتدريب والتمارين التي تثبت للقوى المنافسة أن الولايات المتحدة لديها القدرة الهجومية للرد على الهجمات بطريقة متناسبة. في الواقع، لدى روسيا أيضاً العديد من نقاط الضعف في قاع البحر.

التحالف مع الدول الصديقة

يُشار إلى أن العمل مع الحلفاء والشركاء والأصدقاء سيكون مهماً أيضاً؛ إذ يمكن أن تساعد المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، وحلف الناتو (خاصة قيادته البحرية القوية للحلفاء)، والشركاء الثنائيين المهمين مثل أستراليا والبرازيل والهند واليابان، في تعزيز جهود الولايات المتحدة.

طالع أيضاً: "غازبروم" تقطع الغاز الروسي عن إيطاليا ابتداء من اليوم

أما العوامل الرئيسية التي تزيد من تعقيد المسألة على أرض الواقع فهي تشمل فشل مجلس الشيوخ الأميركي في التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تُبعد أميركا عن العديد من المجالس وهيئات صنع القرار. أخيراً، أصبح التصديق على هذه الأداة الدبلوماسية المهمة والمعقولة -التي تستشهد بها الوكالات الأميركية والأوامر العسكرية بشكل روتيني وتتبعها عملياً على أي حال- أكثر منطقية من أي وقت مضى.

اقرأ المزيد: روسيا تسابق الزمن لإعادة فتح جسر القرم بعد حادث الانفجار

ولطالما اعتبرت الجيوش أن مجالات الحرب هي مجالات جوية وبحرية وأرضية. لكننا أدركنا بمرور الوقت أن الفضاء الخارجي والفضاء الإلكتروني مختلفان ويتطلبان أدوات وتدريباً متخصصين -ومن هنا تم إنشاء القيادة الإلكترونية للبنتاغون في عام 2010 وقوة الفضاء في عام 2019. إلا أن قاع المحيط– وهو مزيج صعب من الأرض والبحر– هو أيضاً مجال فريد، والاستعداد للعمل على مستوى العالم هناك يُعدّ عنصراً حاسماً في الأمن القومي لأميركا.