أزمة الطاقة تلقن شولتس درساً قاسياً بشأن إدارة ألمانيا

قلق حقيقي في الشتاء المقبل بدون تدفق الغاز الروسي لإعادة ملء الاحتياطيات

أولاف شولتس
أولاف شولتس المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

اعتلى أولاف شولتس منصة البرلمان الألماني لإلقاء خطاب روتيني حول الإنفاق الفيدرالي، لكن المستشار فاتر الانفعالات عادة ما لبث أن تحرّر من هذا السمت المألوف عنه.

فقد كان شولتس يلوّح بيده اليمنى بقوة، وهو يشنّ هجوماً غاضباً على منتقدي سياسته في مجال الطاقة، وحرّك قبضة يده إلى أعلى وأسفل قبل أن يشير بإصبعه إلى المعارضة المحافظة ويلقي باللوم على كتلة أنجيلا ميركل بصفتها مسؤولة عن مأزق ألمانيا.

اقرأ أيضاً: كيف أدارت أنغيلا ميركل عقارب ساعة التاريخ الألماني إلى الوراء؟

قال شولتس: "أنتم" الذين فشلتم في تنويع الطاقة بألمانيا، وصبّ غضبه على الديمقراطيين المسيحيين، وهي الكتلة المتصدرة حالياً في استطلاعات الرأي.

هذا الغضب غير المعتاد هو علامة على التوتر الذي يمر به الزعيم الاشتراكي الديمقراطي البالغ من العمر 64 عاماً وهو يدخل مرحلة حاسمة من فترة ولايته التي لا تزال في بداياتها. فإذا واجه شولتس تحدياً في توجيه أكبر اقتصاد في أوروبا خلال الأشهر المقبلة، فقد تنكسر قوته قبل فترة طويلة من الانتخابات المقررة المقبلة في عام 2025.

ترجع جذور الانفعالات العاطفية لشولتس إلى الأيام الأولى لمنصبه كمستشار. فبعد فترة وجيزة من توليه المسؤولية، أُبلغ أن تقارير المخابرات تشير إلى احتمال غزو روسي لأوكرانيا، وحذّر من أن الرئيس فلاديمير بوتين قد يسعى بعد ذلك إلى استخدام الطاقة كسلاح.

طالع المزيد: المستشار الألماني الجديد في اختبار مهم مع تصاعد أزمة أوكرانيا

خطة بديلة؟

ما الخطة البديلة؟ هو سؤال وجّهه شولتس إلى مساعديه في المستشارية. وما كان الجواب إلا أنه لا توجد أي خطة بديلة، وفقاً لشخص مطلع على المناقشات.

الأمر كان اكتشافاً قاسياً بأن ألمانيا كانت في ورطة كبيرة، ويمكن أن يتحمل شولتس اللوم على ذلك، حتى لو كان اعتماد البلاد على الطاقة الروسية في طور التكوين لعقود. وطفا هذا الإحباط إلى السطح من خلال هجومه على البرلمان الشهر الماضي.

بدأت المشكلات تصل إلى الذروة مع اقتراب فصل الشتاء، وأصبحت مخاطر انقطاع التيار الكهربائي وترشيد الاستهلاك أكثر واقعية.

السمة المميزة لجهود شولتس لتحقيق الاستقرار في ألمانيا هي مبادرة مموّلة بالديون بقيمة 200 مليار يورو (196 مليار دولار) لكبح تكاليف الطاقة حتى الشتاء المقبل.

يعادل هذا المبلغ أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويهدف إلى إرسال إشارة إلى الكرملين مفادها أن ألمانيا لن تستسلم. لكن حتى قبل تحديد التفاصيل، فقد أثارت خطة الإنفاق غضب شركاء الاتحاد الأوروبي وتهدد بإعادة فتح الخلافات في الكتلة.

دافع شولتس عن هذه الخطوة، قائلاً إنها تعكس انكشاف ألمانيا وتتماشى مع الخطوات التي اتخذتها الدول الأخرى.

طالع أيضاً: ألمانيا تخطط لاقتراض 200 مليار يورو لمواجهة ارتفاع أسعار الغاز

إغاثة شاملة

قال شولتس بعد وصوله لحضور قمة الاتحاد الأوروبي في براغ هذا الأسبوع: "سنتمكّن من تقديم إغاثة جيدة وشاملة للعديد من المواطنين والعديد من الشركات لتأمين الوظائف. ونحن ندرك أن كثيرين آخرين يفعلون شيئاً مشابهاً الآن وفي السنوات القادمة".

هذا النهج المخادع والمتمسك بالمصلحة الذاتية الذي تتبعه ألمانيا سيكون أمراً سيئاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي يحتاج إلى القيادة بعد انحراف إيطاليا إلى أقصى اليمين وفقدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السيطرة على البرلمان.

بالإضافة إلى التوترات مع بروكسل، تتصاعد التوترات محلياً. وقد أحرز المحافظون بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي تقدماً بفارق 10 نقاط على الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شولتس في بعض استطلاعات الرأي الوطنية، ليكتسب البديل اليميني المتطرف لألمانيا قوة، مستغلاً مخاوف الناخبين القلقين من تداعيات العقوبات ضد روسيا.

لقراءة المزيد: خطط شولتس للفوز بمنصب المستشار الألماني كانت بحاجة لأزمة

مخاوف أوسع

قد يحصل شولتس على مهلة قصيرة يوم الأحد، عندما تصوّت ولاية ساكسونيا السفلى. وتُظهر استطلاعات الرأي أن الديمقراطيين الاشتراكيين تمسّكوا بالسلطة في موطن شركة "فولكس واجن"، وذلك بفضل صاحب المنصب الشهير.

لكن المخاوف الأوسع نطاقاً تتسرب إلى التيار الرئيسي، إذ يستعد تحالف يضم منظمات اجتماعية ونقابات عمالية وجماعات بيئية لإقامة تجمعات في 22 أكتوبر للاحتجاج على ما يسمونه بـ"استجابة الحكومة غير الكافية" لأزمة الطاقة.

كتبت سارنا روزر، رئيسة مجموعة نوعية تمثّل أصحاب الأعمال الشباب، في عمود لمجموعة "آر إن دي" (RND) الإعلامية: "الاقتصاد الألماني مهدّد بالسقوط الحر، ولن تنجو جميع الشركات من هذا التأثير. والحكومة الفيدرالية تزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية".

صعد شولتس وحزب الاشتراكيين الديمقراطيين من يسار الوسط إلى السلطة بعد فوزه بفارق ضئيل في الانتخابات قبل أكثر من عام بقليل، خلفاً لميركل فيما يُعدّ أضعف دعم لمستشار ألماني منذ الحرب العالمية الثانية.

من خلال فرض تحالف ثلاثي مُربك، تبلورت الانقسامات الداخلية حول وزير المالية كريستيان ليندنر، رئيس الديمقراطيين الأحرار المؤيدين للسوق، ووزير الاقتصاد روبرت هابيك من حزب الخُضر.

اندلع التنافس المحتدم علناً في أواخر سبتمبر الماضي حول خطة مثيرة للجدل لدعم شركات الطاقة المُثقلة بالأزمات من خلال فرض ضريبة على مستهلكي الغاز، مع تنازع ليندنر وهابيك علناً بشأن خطة جمع 34 مليار يورو.

تمّت تنحية النزاع بالتخلي عن الضريبة وإنشاء صندوق ضخم للطاقة. وقدم شولتس الخطة بينما كان لا يزال في العزل بسبب "كوفيد-19"، حيث قدم الإعلان قبل أقل من 48 ساعة من بدء سريان الضريبة في الأول من أكتوبر.

يتم وضع الأموال في كيان خارج الميزانية العمومية للحماية من كسر حدود الديون، فيما تعد خطوة كان من شأنها أن توجّه ضربة إلى الحزب الديمقراطي الحر التابع له ليندنر والمتدهور بشدة. من المتوقع صدور توصية أولية بشأن تفاصيل السياسة يوم الإثنين.

اقرأ المزيد: المستشار الألماني يعلن تأهب بلاده لاحتمالات القطع التام لإمدادات غاز روسيا

ردّ حاسم

ساعدت الإحاطة في الأيام الأولى من ولاية شولتس وفريقه على التحرك بسرعة لإعادة ملء احتياطيات الغاز المستنفد والبدء في بناء محطات لاستيراد الغاز الطبيعي المُسال.

كما كان رد فعله حاسماً إزاء تأمين قطاع الطاقة الألماني، وسيطر على الوحدات المحلية التابعة لشركتي "غازبروم" و"روسنفت" الروسيتين. وانتقل إلى تأميم شركة "يونيبر"، وهي أكبر مشترٍ للغاز الروسي في ألمانيا.

قال أولريك مالميندير، مستشار الحكومة وأستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: "ألمانيا في وضع أفضل مما توقعه الكثيرون. فقد كان الطريق وعراً بكل أسف".

لا تزال البلاد في وضعية صعبة.، ذلك أن إمدادات الغاز الطبيعي المسال شحيحة، ويطالب منتجون مثل قطر بعقود طويلة الأجل من شأنها أن تدفع ألمانيا إلى ارتفاع الأسعار لسنوات، مما يقوّض خطط التحول عن الوقود الأحفوري.

اقرأ أيضاً: قطر تقول إن محادثاتها مع ألمانيا حول عقود الغاز الطبيعي المسال مستمرة

الجهود المبذولة لزيادة الطاقة المتجددة تواجه تحديات، ولا يزال من الممكن أن تستغرق بعض عمليات الموافقة ما يصل إلى 15 عاماً، وفقاً لسيمون مولر، مدير في مركز أبحاث الطاقة "أغورا إنرجي ويندي" (Agora Energiewende).

هناك أيضاً خطر التركيز كثيراً على الأشهر المقبلة بدلاً من التحوّل الطويل والشاق. يقر أشخاص مقربون من المستشار الألماني من خلف الكواليس بأن التحدي الحقيقي سيكون الشتاء المقبل بدون تدفق الغاز الروسي لإعادة ملء الاحتياطيات.

قال مالميندير: "لدي خوف من أنهم يعتقدون أنهم سيجتازون الشتاء وبعد ذلك سيكون كل شيء على ما يرام. للأسف، فالأمر ليس كذلك".

إذا كافح شولتس في الأشهر المقبلة، فلن يتبقى لديه سوى قدر محدود من رأس المال السياسي، وسينتهي الأمر إلى ألمانيا ضعيفة.

أوضح في تبريره لدرع الطاقة: "يمكن أن يتزعزع ازدهارنا، ويتضرر هيكلنا الاقتصادي حتى يتآكل تماسكنا الاجتماعي في النهاية. وبهذا تُظهر ألمانيا قوتها الاقتصادية الكاملة في حرب طاقة".