ورثة أغنى الأتراك يستثمرون بالتكنولوجيا في أخطر توقيت

الجيل الثالث من أثرى العائلات يبحث عن استثمارات غير تقليدية في فئة رأس المال المغامر والملكية الخاصة

ليرة تركية
ليرة تركية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بصفته الابن الأكبر لأغنى رجل في تركيا، كان من المحتم على يحيى أولكر تولي إدارة أعمال عائلته التي تُقدّر بمليارات الدولارات.

لكن أولكر، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، سلك طريقاً مختلفاً إذ يقدّم الدعم للشركات الناشئة المحلية ولأصحاب رأس المال المغامر.

بعد حصوله على شهادة في إدارة الأعمال، وعمله لفترة في مصرف "كريدي سويس"، بدأ أولكر العمل في مجال رأس المال المغامر، بدلاً من تولي منصب تنفيذي في شركة "يلدز" القابضة، التي تُعدّ ثالث أكبر صانع للوجبات الخفيفة في العالم وتملكها عائلته منذ 78 سنة.

وفقاً لـ"فوربس"، يملك والده، مراد أولكر، أسماء تجارية عالمية، مثل شركتي "غوديفا" للشوكولاتة و"مكفيتيز" للبسكويت، ويبلغ صافي ثروته 4.7 مليار دولار.

في 2019، أسّس يحيى أولكر "يلدز فينتشرز" (Yildiz Ventures) بـ50 مليون دولار للاستثمار مباشرة في الشركات الناشئة وصناديق رأس المال المغامر. منذ ذلك الحين، دعمت الشركة عدداً من الشركات الناشئة في مجال التجارة الإلكترونية، من بينها "إستيغالسين" (Istegelsin) وصناديق ر أس المال المغامر، مثل "إيرليبيرد فينتشر كابيتال" (Earlybird Venture Capital) في ألمانيا و"ريفو كابيتال" (Revo Capital) في تركيا.

نمو مضاعف

يستهدف يحيى الآن "نمواً يبلغ الضعفين على الأقل من كل الاستثمارات"، وهو ما يُعتبر عائداً إيجابياً في بلد وصل فيها التضخم الجامح لأعلى مستوى منذ أكثر من عقدين وتؤثر العملة الهابطة على الصفقات.

اقرأ أيضاً: وزير المالية: اقتصاد تركيا ينمو 7% في الربع الأول من 2022

قال يحيى أولكر، في مقابلة هاتفية مؤخراً، إن "يلدز فينتشرز" تحتاج إلى اتخاذ خطوات بطريقة "تتسم بخفة الحركة والشجاعة"، إذ إن بيئة مجال الأعمال "تتغير بسرعة". كما أوضح أن الشركة "تركّز على الشركات الناشئة في مجالات التجارة الإلكترونية وقطاعي التجزئة والأغذية، لكي نمهد الطريق لتحقيق تآزر في التكاليف مع الأعمال الرئيسية لـ(يلدز) القابضة".

ثروة خاصة

يحيى أولكر واحدٌ من بين ورثة الجيل الثالث لبعض أكبر التكتلات التركية والذين يختارون طرقاً أقل تقليدية لإنفاق ثرواتهم، ويأتي ظهور الثروات الخاصة في الدولة كقوة دافعة لرأس المال المغامر في الوقت المناسب إذ يهدد ارتفاع أسعار الفائدة واضطراب السوق والتباطؤ العالمي في التمويل آفاق القطاع بعد طفرة عام 2021.

انخفض تمويل المشروعات العالمي إلى 74.5 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الماضية، وهو أدنى معدل له في تسعة أرباع، وفقاً لـ"سي بي إنسايتس" (CB Insights). يمثّل ذلك هبوطاً فصلياً بنسبة 34%، وهو الأكبر خلال عقد.

في المقابل، جذبت الشركات الناشئة في تركيا استثمارات قياسية بلغت 1.5 مليار دولار من صناديق رأس المال المغامر وصناديق الملكية الخاصة والشركات العائلية في أول 9 أشهر من العام، ارتفاعاً من 1.44 مليار دولار في الفترة المقابلة من العام الماضي، وفقاً لبيانات من موقع "ستارت أب دوت ووتش" (startups.watch).

اقرأ أيضاً: مستشار "أردوغان" لـ"الشرق": خروج الاقتصاد التركي من أزمته لن يستغرق أكثر من عام

علاوة على ذلك، جمعت صناديق رأس المال المغامر التركية أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي المبلغ الذي جمعته العام الماضي في النصف الأول من 2022، بحسب منصة بيانات الشركات الناشئة "ماغنيت" (Magnitt)، وتضاعف عدد الشركات أو المكاتب العائلية التي تقدّم رأس مال مغامر في البلاد أكثر من 4 أضعاف على مدار الأعوام الستة السابقة.

قال تشيم كمال ميمارأوغلو، مؤسس شركة "كومبوز في سي" (Compose VC)، ومقرها نيويورك: "هناك طفرة في انخراط الشركات القابضة وشركات العائلات بتركيا في فئة أصول رأس المال المغامر ". جاء النظام البيئي لرأس المال المغامر في البلاد "متأخراً"، بسبب "الثقافة المحافظة ومحدودية الرؤية للشركات والاقتصاد المتقلب".

أرباح مفاجئة

التكتلات التركية التي تتمتع بسيولة عالية قد تصبح مصدر دعم مالي بما ينافس بعض أكبر المستثمرين العالميين، بعدما حقق مزيج العمالة الرخيصة والنمو الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي أرباحاً مفاجئة لأكبر الشركات في الدولة والتي تريد إنفاق هذه الأموال. حقق أكبر تكتل في البلاد، شركة "كوتش" القابضة (Koc)، مبيعات بقيمة 40 مليار دولار، أو 5% من الناتج المحلي الإجمالي بتركيا، فيما حققت "يلدز" 5.4 مليار دولار.

يعود سبب الزيادة في أصحاب رأس المال المغامر بشكل كبير إلى محاولة الشركات الاستفادة من الإعفاءات الضريبية إذا أنشأوا صناديق محلية لرأس المال المغامر تستثمر بشكل أساسي في تركيا. قال ميمار أوغلو: "نتيجة لذلك، يشهد النظام البيئي المحلي لرأس المال المغامر ارتفاعاً في المعروض من الدولار وزيادة نسبية في التقييمات".

اقرأ أيضاً: "إنفستكورب" و"مبادلة" تشاركان في جولة تمويل "تركر" قبل طرحها في البورصة

أنشأت "كوتش" في 2010 أكبر صندوق لرأس المال المغامر للشركات، "إنفنترام" (Inventram)، برأس مال يبلغ 110 مليون دولار. أنشأت هانزاد دوغان بوينر، التي أسست منصة "هيبسيبورادا" (hepsiburada.com) للتسوق عبر الإنترنت المُدرجة في بورصة "ناسداك"، صندوق "دي 4 فينتشرز" (D4 Ventures)، الذي يبلغ رأس ماله 100 مليون دولار ومقره لندن، فيما جمعت "فينتشي في سي" (Vinci VC) التابعة لـ"إينجه هولدينغز" (Inci Holdings) 50 مليون دولار منذ إنشائها في 2018.

تراجع بوتيرة أبطأ

أوضح ميمارأوغلو: "بينما تجري إعادة معايرة التقييمات والاستثمارات العالمية في 2022، ما تزال الشركات الناشئة التركية تستفيد من طفرات الفترة السابقة، وتهبط التقييمات والاستثمارات لكن بمعدل ووتيرة أبطأ بكثير عن أوروبا والولايات المتحدة".

وتراجع التمويل بحدة بعد الصفقات العملاقة لشركات "غيتير" (Getir) و"إنسايدر" (Insider) و"دريم غيمز" (Dream Games) في وقت سابق من العام الجاري، ونتيجة لذلك، شهدت صناديق رأس المال المغامر التركية أكبر انخفاض في الربع الثاني عن الأشهر الثلاثة الأولى، مقارنة بأسواق ناشئة أخرى لرأس المال المغامر تغطيها "ماغنيت"، وفقاً لفيليب باهوشي، الرئيس التنفيذي لـ"ماغنيت" التي تتخذ دبي مقراً لها.

اقرأ أيضاً: ماذا تعني أفكار أردوغان الاقتصادية غير التقليدية لتركيا؟

رغم تحديات من بينها تسريحات العمالة وتراجع أسعار الأسهم، استطاعت العديد من الشركات الناشئة في تركيا الحصول على دعم بعض أكبر المستثمرين في العالم.

صفقات ضخمة

في أكبر صفقة شهدتها البلاد حتى الآن العام الجاري، جمع تطبيق توصيل الطلبات "غيتير" 768 مليون دولار من مستثمرين، من بينهم شركات "مبادلة للاستثمار" و"سيكويا" (ٍSequoia) و"تايغر غلوبال مانجمنت" (Tiger Global Management)، مما قدّر قيمتها بـ11.8 مليار دولار.

أصبحت منصة التجارة الإلكترونية "ترنديول" (Trendyol) أكبر شركة ناشئة في تركيا بتقييم بلغ 16.5 مليار دولار، بعدما حصلت على 1.5 مليار دولار من مستثمرين، من ضمنهم "سوفت بنك" والقابضة "ADQ" بأبوظبي.

كل هذا الاستثمار يُترجَم إلى صفقات. يُقال إن "غيتير" في مرحلة متقدمة من المحادثات لشراء منافستها "غوريلاز تكنولوجيز" (Gorillas Technologies)، مما سيمنحها آفاقاً للتوسع في أسواق أوروبية رئيسية من بينها المملكة المتحدة وألمانيا.

وحصد "فينبرغ" (Finberg)، صندوق رأس المال المغامر الذي أنشأته شركة "فيبابانكا" (Fibabanka) التابعة للملياردير حسنو أوزيغين في 2018، عائداً بلغ على الأقل 10 أضعاف استثماره الأوّلي في "غيتير" والشركة الناشئة للمدفوعات "يونايتد بايمنت" (United Payment) في عمليتي تخارج جزئي منهما، وفقاً لإحسان إلغين، عضو مجلس الإدارة في "فينبرغ".

أيّاً كان هيكل رأس المال المغامر، فهو يمنح فرصة لتحقيق -خلال بضع سنوات- نفس الأرباح التي تحققها الشركات التقليدية في عقود، وفقاً لسركان أونسال، مؤسس موقع "startups.watch"، وأضاف: "يثير ذلك شهية التكتلات الكبيرة ومكاتب العائلات".