أزمة صناديق المعاشات تثير دعوات لإصلاح سوق قيمتها 1.6 تريليون إسترليني

صناديق التقاعد دخلت في موجة لبيع الأصول للحدّ من الخسائر

مجموعة أشخاص يلعبون كروكيه بأحد النوادي في مدينة برايتون بالمملكة المتحدة
مجموعة أشخاص يلعبون كروكيه بأحد النوادي في مدينة برايتون بالمملكة المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتفاقم الضغوط لإجراء عملية إعادة دراسة شاملة لتنظيم صناديق المعاشات التقاعدية في المملكة المتحدة عقب تسبب ما يشبه الانهيار الداخلي للقطاع في إحداث فوضى بالأسواق المالية وساهم في جر الحكومة لتراجع مهين.

فوجئت صناديق معاشات التقاعد بالصعود السريع لأسعار فائدة سندات الحكومة البريطانية عقب صدور الموازنة المصغرة للحكومة الشهر الماضي، مما اضطرها الدخول في موجة من مبيعات الأصول. تدخل بنك إنجلترا المركزي لاحتواء ما اعتبره "آليات البيع العنيف" - وهو إجراء طارئ يثير فعلياً تساؤلات حول السبب الذي يجعل جانباً ضخماً، ولكن هادئاً حتى ذلك الوقت من القطاع المالي يتحول بهذه الطريقة.

بنك إنجلترا أجرى مشتريات سندات طارئة بقيمة 19.25 مليار جنيه إسترليني

كان في قلب الاضطراب الصناديق التي تستخدم استراتيجية الاستثمار المدفوع بالالتزامات، وهو نمط من أنماط التخطيط المالي يستهدف مقابلة الدخل المضمون لأصحاب المعاشات، والمعروف بالمعاش التقاعدي المحدد، مع العوائد طويلة الأجل. سعياً لتسوية فجوات التمويل التي أسقطت خطط التقاعد بالمملكة المتحدة في الماضي، خلقت شبكة الاستثمارات وطرق التحوط أزمة سيولة مالية قصيرة الأجل وأحدثت خسائر في قيم الأصول في السوق بقيمة 150 مليار جنيه إسترليني (169 مليار دولار).

إصلاحات مطلوبة

تم الاستغناء عن كواسي كوارتنغ، وزير المالية البريطاني السابق الذي أطلقت خططه شرارة البيع، الجمعة عقب 5 أسابيع فقط من توليه المنصب. قد تُفعّل آلية إشراف جديدة أو إصلاحات محاسبية أو مراجعة عن كثب لدور الأمناء مع استعادة القطاع عافيته من الأسابيع القليلة الماضية التي عانى فيها من الفوضى.

ترَس تقيل كوارتنغ.. أقصر فترة لوزير مالية في بريطانيا خلال 200 عام

قال مايك رايك، الرئيس السابق لاتحاد الصناعة البريطانية، أثناء مقابلة: "حان الوقت فعلاً لمراجعة تنظيم الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات وطرقهم المحاسبية".

تقع المسؤولية النهائية عن الصناديق التي كانت في قلب الاضطرابات على عاتق "هيئة تنظيم المعاشات التقاعدية"، ومقرها بمدينة برايتون الساحلية. قال الرئيس التنفيذي للهيئة، تشارلز كونسيل، إن مسؤوليه لا يسجلون بيانات مستفيضة حول حجم الضمانات أو الاستثمار الممول بالديون المستخدم في برامج المعاشات التقاعدية، ولا يطلبون من الجميع تقديم هذه المعلومات.

أضاف في رسالة في 10 أكتوبر الجاري موجهة للجنة العمل والمعاشات التقاعدية في البرلمان: "بصفة عامة، من خلال مشاركاتنا، وعبر التحدث مع قطاع الاستثمار، تتوافر لدينا معلومات جيدة إزاء ما وقع في سوق الاستثمار بالمعاشات المحددة وأنواع استراتيجيات الاستثمار التي تم الاعتماد عليها".

تضاعف الحجم الإجمالي للالتزامات التي تم تحويطها باستخدام استراتيجيات الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات أربع مرات إلى ما يقرب من 1.6 تريليون جنيه إسترليني (1.8 تريليون دولار) خلال العقد المنتهي في 2021، وفقاً لجمعية الاستثمار البريطانية.هذا بالمقارنة بسوق ديون الحكومة البريطانية البالغة قيمتها نحو 2.3 تريليون جنيه إسترليني. أدت الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات إلى هجرة المعاشات التقاعدية من الأسهم إلى عالم السندات المستقر نسبياً، إلى جانب المشتقات للتحوط ضد التضخم وسنوات من معدلات الفائدة المنخفضة للغاية التي أدت بموجب القواعد المحاسبية إلى زيادة التزاماتهم.

أمناء غير منظمين

يتحمل أمناء صندوق المعاشات التقاعدية مسؤولوية ضمان إدارة البرامج بصورة سليمة وأن معاشات الأعضاء آمنة. قال بارني رينولدز، الرئيس العالمي لمجموعة قطاع الخدمات المالية في شركة المحاماة "شيرمان أند سترلينغ" (Shearman & Sterling)، إن الأمناء "غير منظمين من الأساس ولا يخضعون للإشراف في هذا الإطار، الذي يبدو أنه عفا عليه الزمن". أضاف أنه بينما يقدم المديرون المحترفون المشورة للأمناء، فإنهم أخطؤوا في هذه الحالة، ويتعين أن يتحمل الأمناء بالنهاية المسؤولية عن سياسات الاستثمار بصورة كلية.

صناديق "الاستثمار المدفوع بالالتزامات" تثير القلق من السندات البريطانية

تابع: "الأمر الأساسي الذي يتعين أن نفهمه بالوقت الحالي هو: من أين أتى التفكير بخصوص شراء السندات الحكومية البريطانية ولماذا اعتقد الأشخاص أنها فكرة جيدة؟ هل كان ذلك مبرراً؟ من كان يتعين أن يعيد ضبط هذه الفكرة مع مرور الوقت؟، تعد هذه أسئلة نظامية مهمة".

"بلاك روك" جزء من الحل

تدير بعض أكبر الكيانات في العالم المالي استراتيجيات الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات نيابة عن صناديق المعاشات التقاعدية. تمتلك "بلاك روك" نحو 20%، أو 250 مليار دولار، من سوق الاستثمارت المدفوعة بالالتزامات في المملكة المتحدة. قال لاري فينك، الرئيس التنفيذي للشركة، بمكالمة هاتفية لمناقشة الأرباح الخميس الماضي: "نريد العمل مع الجهات التنظيمية، وأن نكون جزءاً من هذا العمل لمحاولة تحديد ما إذا كانت التقلبات ستتواصل بهذه الضخامة أم لا، ربما يتعين إجراء عملية إعادة تصميم شاملة لبعض المنتجات، سواء كان ذلك بصندوق مختلط أو في حسابات منفصلة..سنكون جزءاً من الحل".

بينما عملت البنوك وشركات التأمين عبر سنوات من الإصلاح التنظيمي للحد من المخاطر على مستوى النظام عقب الأزمة المالية لسنة 2008، كان قطاع المعاشات التقاعدية معفيّاً من الإصلاح بصورة كبيرة. رغم ذلك، فإن الضغوط التنظيمية أدخلت صناديق معاشات تقاعدية في استثمارات مماثلة وساهمت في خلق الأزمة الحالية، على حد قول روس ألتمان، وهي عضو في مجلس اللوردات ووزيرة سابقة للمعاشات التقاعدية بالمملكة المتحدة.

الأصول البريطانية تتجرّع الآلام بعد التكهنات القاتمة لبنك إنجلترا بشأن الركود

أضافت ألتمان: "من خلال جعل الاستراتيجيات تعمل على نفس النحو مثل بعضها البعض، فإن المخاطر النظامية لأصول ضخمة من هذا النوع والتي تعاني في نفس الوقت من ذات الخسائر لم تُصمم مطلقاً لتلائم درجة عدم الاستقرار التي حدثت". رغم ذلك، فقد تساءلت عما إذا كان هناك أي جهة منظمة مسؤولة يمكنها إعداد صناديق المعاشات التقاعدية بالكامل لأزمة من هذا النوع والتي اضطرتهم للتخلي عن حيازاتهم الأكثر أماناً. تابعت: "يؤدي إهدار الموارد إلى تقويض النظام".

قال جيم أونيل، الخبير الاقتصادي السابق في بنك "غولدمان ساكس غروب" ورئيس مجلس إدارة شركة الاستثمار "نورثرن غريتستون" (Northern Gritstone)، إن المشكلات كشفت عن وجود معضلة أوسع نطاقاً. أضاف: "نمتلك قطاعاً هائلاً للخدمات المالية الذي تعد صناديق التقاعد وشركات التأمين جزءاً رئيسياً منه, لكنها تستثمر عادة بأدوات منخفضة المخاطر إلى حدّ ما. لقد تحملوا الكثير من الديون في محاولة لكسب العوائد التي يتوقعها المدخرون، فلماذا يوجد لدينا نظام يحفز هؤلاء الأشخاص بصورة دائمة على شراء سندات الحكومة البريطانية أكثر وأكثر عوضاً عن الأسهم ورأس المال المغامر والبنية التحتية طويلة الأجل؟"

عائدات السندات الحكومية

الخطوات التالية

راجعت الجهات التنظيمية البريطانية مخاطر الضغوط البيعية بسوق السندات الحكومية منذ 2018 في سلسلة من اختبارات الإجهاد التي درست الطلبات على السيولة لدى بعض أكبر صناديق المعاشات التقاعدية. في ذلك الوقت، أكد بنك إنجلترا أنه "لا يوجد هشاشة في النظام بصورة كبيرة مترتبة على طلبات تغطية الهامش للمشتقات المالية في المؤسسات غير المصرفية".

أوضح بنك إنجلترا الأربعاء الماضي أنه سيعمل مع "هيئة تنظيم المعاشات التقاعدية" و"هيئة السلوك المالي" لضمان وجود معايير أشد صرامة لخطط صناديق المعاشات التقاعدية وشركات إدارة الاستثمارات المدفوعة بالالتزامات مستقبلاً.

معاناة السوق ستحدد قرار بنك إنجلترا المقبل للفائدة

يتكتم المسؤولون بشدة حتى الآن حول التغييرات المحتملة في القواعد. ورفض متحدث باسم الهيئة الرقابية لصناديق المعاشات التقاعدية التعليق على الموضوع، وقال إن التشريع من اختصاص الحكومة. كما امتنع متحدث باسم بنك إنجلترا عن التعليق على الأمر، قائلاً إن الجهة المنظمة لصناديق المعاشات التقاعدية هي المسؤولة، وإن الحكومة هي التي تقرر من ينظم؟ وماذا ينظم؟. أحالت متحدثة باسم هيئة السلوك المالي الأسئلة إلى الحكومة. لم يرد ممثلو وزارة العمل والمعاشات التقاعدية ووزارة الخزانة على رسائل البريد الإلكتروني في حينه.

جلسة استجواب

تخطط لجنة الخزانة بالبرلمان البريطاني، وهي مجموعة نواب يدققون في عمل الوزارة، لعقد جلسة استجواب لجون كونليف، نائب محافظ بنك إنجلترا، حول تقلبات السوق والنتائج المترتبة على الموازنة في 19 أكتوبر الجاري. امتنع ممثلو لجنة الخزانة ولجنة العمل والمعاشات عن التعليق على الموضوع.

بالنسبة للبعض، سيعكس الإطار الحالي حتمياً الأزمة المالية الأخيرة عوضاً عن المخاطر المحدقة التي كانت وشيكة للغاية. قال أونيل: "تمر الأسواق المالية بأوقات وجود فائض وفترات من الأزمات. ومن وجهة نظري، فإن فكرة أنه باستطاعتك التنظيم لمنع أي أزمة مالية مستقبلاً، مجرد فكرة افتراضية وساذجة".