إخضاع "أوبك+" لقانون "نوبك" سيأتي بنتائج عكسية

السعودية قد تتخلص من الأصول المالية في الولايات المتحدة انتقاماً من خطوة واشنطن حال تنفيذها

الرئيس الأميركي جو بايدن
الرئيس الأميركي جو بايدن المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

آخر شيء تحتاجه سوق السندات العالمية، بجانب الارتفاعات الكبيرة في أسعار الفائدة، هو زيادة حدة الاضطرابات. لكن يبدو أن المزيد منها في الطريق، ومن مصدر غير متوقع، وهو التدهور السريع في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية.

في وقت سابق من هذا الشهر، تحدّت الرياض واشنطن، بعدما قادت تحالف "أوبك+"، الذي يضم روسيا، لخفض إنتاج النفط. وضعت الخطوة حداً أدنى لأسعار النفط، التي استقرت بين 90 و100 دولار للبرميل. نتيجة لذلك؛ يُرجح أن يستمر التضخم فترة أطول من المتوقع، ما قد يدفع البنوك المركزية لمزيد من التشديد النقدي، وهو ما قد يلحق الضرر بالمستثمرين في السندات. أغضبت الخطوة الولايات المتحدة.

العلاقات الأميركية-السعودية حالياً ليست في أفضل مراحلها منذ مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر 2018. منذ موافقة الرياض على خفض إنتاج النفط، اشتبكت المملكة والبيت الأبيض في حرب كلامية. أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً تقول فيه إن واشنطن أرادت أن يؤجل تحالف "أوبك+" خفض الإنتاج لشهر، ما يوحي بأن المشكلة في الواقع كانت انتخابات التجديد النصفي الأميركية. ورد البيت الأبيض متهماً الرياض بـ"اختلاق" الأعذار.

ما هو قانون "نوبك"؟

الخطوة الرئيسية لما هو آتٍ ستكون "نوبك" (NOPEC)، وهو مشروع قانون يعني "منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط"، الذي يقترح إخضاع "أوبك" لقانون "شيرمان" لمكافحة الاحتكار، واستُخدم القانون منذ أكثر من قرن لتفكيك إمبراطورية النفط الخاصة بجون روكفلر. إذا جرى تفعيل "نوبك"، سيتمكّن البيت الأبيض من مقاضاة السعودية وحلفائها، الذين تحميهم حالياً حصانة سيادية، بتهمة التلاعب بالسوق العالمية للنفط.

اقرأ أيضاً: مُشرعون أمريكيون يستهدفون مقاضاة "أوبك" عبر إحياء قانون "نوبك"

هناك احتمال كبير أن يرى مشروع القانون النور. لكن رغم رغبة الرئيس الأميركي جو بايدن الشديدة في الرد على قرار السعودية و"أوبك" بخفض المعروض من النفط، فإن الحكمة هي تجنّب تمرير التشريع. بخلاف ذلك، فالخطر هو أن يتخلص السعوديون من الأصول المالية في الولايات المتحدة، وإعادة توجيه مبيعات النفط، والتحدث علانية عن تسعير النفط بعملات أخرى.

خلال آخر 25 سنة، كان "نوبك" محط تركيز رئيسي لواشنطن، لكنه كان مجرد تهديد ولم يصبح قانوناً. عارض الرؤساء الأميركيون واحداً تلو الآخر، سواء ديمقراطيين أو جمهوريين، تمرير القانون. لكن بايدن، الذي دعم في إحدى المرات مشروع قانون مشابه أثناء عضويته في مجلس الشيوخ، قال إنه مستعد للعمل مع الكونغرس للحد من نفوذ "أوبك".

الانتقام من "نوبك"

إذا أصبح "نوبك" قانوناً، وهذا أمر غير مؤكد، قد تردّ الدول الأعضاء في "أوبك" رداً انتقامياً من خلال التخلص من بعض أصولها المالية في الولايات المتحدة. يعني ذلك أن الولايات المتحدة ستدفع الثمن غالياً إذا جرى تمرير مشروع قانون "نوبك".

اقرأ أيضاً: تشريع "نوبك" يعود للظهور كرد أميركي على قرار "أوبك+"

حتى آخر يوليو، كان لدى السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، والعراق مجتمعين 246 مليار دولار بشكل مباشر في سندات الخزانة الأميركية، وفقاً لبيانات حكومية. يُرجّح أن يكون الرقم الحقيقي أعلى، إذ إن دول الشرق الأوسط تملك أيضاً سندات من خلال ملاذات ضريبية مثل لوكسمبورغ، وجزر كايمان، وبرمودا، وسويسرا وأيرلندا.

رغم أنه يُستبعد أن تكون ثرواتهم المخبأة أعلى من 5% إلى 10% من إجمالي الأصول الأجنبية من الدين السيادي الأميركي، يُرجّح أن تكون أقل بكثير من الأصول الصينية التي تبلغ 970 مليار دولار. والتخلص من هذه الأصول سيؤثر على سوق سندات الخزانة المضطربة بالفعل.

مخاطر قانون "نوبك"

قالت حليمة كروفت، محللة النفط في بنك الاستثمار "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، والذي يمتلك صلات قوية بواشنطن والرياض إن: "هناك خطر حقيقي أن هذا النزاع الدبلوماسي قد يشتد. لن نتفاجأ إذا رأينا اقتراحات خلال الأيام المقبلة بأن تصفي دول الخليج أصولها المالية إذا أصبح (نوبك) قانوناً".

اقرأ أيضاً: لماذا لم تتجاوب السعودية مع مناشدات بايدن زيادة إنتاج النفط؟

مما أسمعه من المسؤولين في الشرق الأوسط، فإن مثل هذه الاقتراحات تخرج بصوتٍ عالٍ وواضح. هل هذه تهديدات فارغة؟ ربما. في نهاية المطاف، يُرجّح أن تتكبد دول "أوبك" خسائر إذا تخلصت من الأصول ولم تكن لديها سوى خيارات قليلة لاستثمار أموالها، لكن هل يريد أي شخص في واشنطن بالفعل اختبارها؟

لطالما نُظر إلى "نوبك" بوصفه الحل الجذري الأخير. لم يُجِب أحد عمّا قد يحدث بعد ذلك إذا جرى تمرير مشروع القانون. هل ستطلب الحكومة الأميركية إجراء تحقيق فيما إذا كانت "أوبك" خالفت قانون مكافحة الاحتكار؟ وهل ستصل بالفعل إلى حد رفع دعوى ضد السعوديين أمام محكمة فيدرالية؟ وإذا رُفعت الدعوى وكسبت الولايات المتحدة، هل بإمكانها فرض أي تعويض؟ هل سيستحق ذلك خطوة انتقامية محتملة؟

تصويت محتمل

على البيت الأبيض التفكير في تلك الأسئلة، وعما إذا كان يريد الإجابة عنها بالفعل. أرفق الآن السيناتور تشاك غراسلي، وهو عضو جمهوري عن ولاية أيوا، مشروع قانون "نوبك" كتعديل لمشروع قانون للإنفاق الدفاعي السنوي، ما يتيح لمشروع قانون "نوبك" فرصة قوية للحصول على تصويت في مجلس الشيوخ الشهر المقبل.

لا يتضح إذا ما كان التعديل يحظى بأصوات كافية. لكن آخر مرة اقترب فيها هذا المشروع من التمرير كانت في 2007، عندما وافق مجلس النواب عليه في تصويت كانت نتيجته 345 مقابل 72 صوتاً، ووافق مجلس الشيوخ بـ70 مقابل 23 صوتاً، فقط لتصمت الأصوات المنادية به بعدما هدد جورج دبليو بوش باستخدام حق النقض (الفيتو).

يتوجب على بايدن تحديد موقفه في النهاية. ففي 2000، عندما كانت أسعار النفط ترتفع، شارك بايدن في كتابة خطاب بصفته سيناتور في تلك الفترة إلى بيل كلينتون، الذي كان الرئيس حينها، ليحث البيت الأبيض على مقاضاة "أوبك"، إما في المحكمة الفيدرالية بالولايات المتحدة أو محكمة العدل الدولية في لاهاي. في 2007، كان السيناتور بايدن الراعي المشترك لنسخة من مشروع قانون "نوبك"، لكنه لم يدلِ بصوته خلال التصويت. حتى الآن لم يوضح البيت الأبيض إذا كان يدعم التشريع أم لا.

"نوبك" يسير يداً بيد مع أسعار النفط. إذا ظل سعر خام برنت تحت 100 دولار للبرميل؛ قد يتوقف مشروع القانون. لكن إذا ارتفعت الأسعار، ولو قليلاً؛ فهناك فرصة لتمريره. إذا حدث ذلك؛ يُرجح أن يسبب مشاكل أكبر من تلك التي قد يحلها.

نفط