"فيسبوك" لا تبدو ضمن اهتمامات مارك زوكربيرغ هذه الأيام

يتجاهل رئيس "ميتا" التنفيذي الشبكة الاجتماعية ليركز على جذب قادمين جدد لعالم افتراضي شاغر

مساحات العمل في "هوريزون" خلال فاعليات "ميتا" الافتراضية "كونكت" التي انعقدت 11 أكتوبر في نيويورك.
مساحات العمل في "هوريزون" خلال فاعليات "ميتا" الافتراضية "كونكت" التي انعقدت 11 أكتوبر في نيويورك. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بقلم: Max Chafkin

أفضل ما يمكن قوله عن فشل محاولة مارك زوكربيرغ في تسويق رؤيته المستقبلية العظيمة للعالم أنه مازال يحاول. أقام زوكربيرغ فاعلية ترويجية في 11 أكتوبر دخل خلالها آلاف مطوري البرمجيات والصحفيون وموظفو "ميتا بلاتفورمز" تزامناً إلى عالم الشركة الافتراضي، حيث ظهر زوكربيرغ ونوابه عبر شخصيات افتراضية (أفاتار) يعرضون تنبؤات تقنية تتراوح بين الغموض والتسبب بالاكتئاب.

كانت التوقعات بشأن أداء "ميتا بلاتفورمز"، التي كان اسمها سابقاً "فيسبوك" متراجعة قبل حدث "كونكت 2022" السنوي للشركة، الذي يشارك فيه مطورو برامج أجهزة الواقع الافتراضي والمعزز. فيما يبلغ عدد مستخدمي تطبيقات الشركة بالمليارات، بلغ عدد مستخدمي تطبيق الواقع الافتراضي الرائد لدى "فيسبوك" المُسمّى "هوريزون وورلدز" نحو 300 ألف مستخدم في فبراير، تقريباً في نفس الوقت الذي روّجت له الشركة عبر إعلان في محفل "سوبر بول" الرياضي. يبدو أن ذلك الرقم انخفض لأقل من 200 ألف مستخدم منذئذ، رغم جهود التسويق المكلفة، ورغم ظهور زوكربيرغ بأحد أشهر برامج البودكاست في العالم.

اجعل مارك سعيداً

كانت كافة الآراء الآتية من "ميتافيرس" قاتمة، وقد قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" خلال عطلة نهاية الأسبوع: "نادراً ما تجد فتيات في حفل الفتاة المثيرة المقام عند حمام السباحة فوق سطح المبنى، وكثيراً ما لا يكون هناك من يُقتل في قرية قتلة". حتى أن موظفي "ميتا" لم يتمكنوا من التعبير عن فرط حماس تجاه "هوريزون".

استجابت الشركة للشكاوى بشأن أوجه القصور في "هوريزون" وقامت بمراجعة دقيقة لكافة حوانب الكيان الذي يعلّق زوكربيرغ عليه آمال نجاح شركته. أنا أمزح، ما حصل هو أنه طُلب من الموظفين أن يحبوه!

"ميتا" تريدك أن تعمل في الواقع الافتراضي.. إليك نظرة عما يعنيه ذلك

كتب فيشال شاه، نائب رئيس "ميتافيرس" في مذكرة داخلية، وفقاً لموقع "ذا فيرج" (The Verge) الإلكتروني: "يتعين على كل شخص في المؤسسة أن يجعل من الإعجاب بـ(هوريزون وورلدز) مهمة له، ادخلوا هناك وحددوا مواعيد لذلك مع زملائكم أو أصدقائكم". لكم أن تتوقعوا مدى نجاح هذه التوجيهات.

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أن موظفي "فيسبوك" استخدموا اختصاراً معناه "اجعل مارك سعيداً" لتستصنيف بعض مشاريع "ميتافيرس".

فجوة مؤلمة

للإنصاف، لقد أنشأت "ميتا بلاتفورمز" شركة ألعاب فيديو ناجحة إلى حد ما منذ شراء "أوكيولوس" (Oculus) مقابل 2 مليار دولار مطلع 2014، حيث حققت ذراع "ميتافيرس" لديها، "رياليتي لابس" (Reality Labs)، 2.3 مليار دولار كإيرادات في 2021. يرجع معظم ذلك لبيع أجهزة الواقع الافتراضي التي تربط بالرأس "كويست 2" (Quest 2)، لكن "ميتا بلاتفورمز"خسرت نحو 5 دولارات مقابل كل دولار من عائدات الواقع الافتراضي العام الماضي.

يسعى زوكربيرغ لتحقيق النمو بدل التركيز على محاولة تحسين عوائد الأنشطة الرائدة التي حققت نجاحاً إلى حد ما، حيث تُباع سماعات سماعة الرأس "كويست برو" مقابل 1500 دولار، ولا تستهدف مستخدمي الألعاب بل موظفي المكاتب، الذين يمثّلون نظرياً سوقًا كبيرة غير مخترقة.

"ميتا" تخطط لإطلاق نظارتها الجديدة للواقع المعزز تحت اسم "كويست برو"

أعلن زوكربيرغ خلال حديثه في تلك الفعالية عن طموحه بأن تصبح تلك الأجهزة المتطورة، التي تكلف 3 أضعاف "كويست 2"، بديلاً لأجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة سطح المكتب، ويفترض المرء أن ذلك يشمل أيضاً البرمجيات التي تعمل عليها تلك الأجهزة. كانت هناك لحظات ممتعة بعد ذلك الطرح، لكنه كشف فجوة واضحة مؤلمة بين نظرة زوكربيرغ للعالم كملياردير مهووس بالعمل ووجهات نظر أخرى حول العالم ممن لا يديرون شركة متعددة الجنسيات انطلاقاً من مسكن على رقعة أرض مساحتها 1500 فدان في هاواي.

تكنولوجيا باهظة الثمن

تحدث زوكربيرغ عن "روعة الجمع بين عملك ومن تتفاعل معهم فوق قمة العالم المادي"، وقال: "نقدم مجموعات للتواصل" أيضاً وأشار بشيء من الحماس إلى أن "هوريزون" لديها الآن إمكانية "إضافة ورق ملاحظات لاصق افتراضي على لوح كتابة أبيض".

ظهرت جولي سويت، رئيسة شركة "أكسنتشر" (Accenture) التنفيذية على الشاشة لتبرز شراء شركتها المعنية بالاستشارات 60 ألف جهاز "كويست2" لغرض اجتماعات افتراضية، كما أعلن ساتيا ناديلا من "مايكروسوفت"، ما يُعدّ تقريباً أهم أخبار ذاك اليوم، وهو إتاحة حزمة البرامج التي يستخدمها الجميع "مايكروسوفت 365"، التي قامت الشركة بتسويقها سابقاً باسم "أوفيس" (Office) عبر "ميتافيرس" الخاصة بـ"فيسبوك". نعم أيها الأولاد والبنات لقد قرأتم ذلك حقاً: في المستقبل سيمكنكم مشاهدة عروض "باور بوينت" (PowerPoint) التقديمية عن طريق هاتف في أيديكم أو عبر جهاز ملتصق بوجوهكم.

سهل تفهم أن الأمر منطقي لدى "مايكروسوفت" لكن يصعب أن نفهم كيف أن ذلك الأمر أو أي شيء أعلن عنه زوكربيرغ الأسبوع الماضي من شأنه أن يلهم أي شيء يزيد من جاذبية "ميتافيرس"، حيث تطرح "ميتا" تقنية باهظة الثمن للعمل عن بعد في وقت يطلب معظم الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة من موظفيهم العودة إلى المكاتب وخفض التكاليف. حتى لو كان هناك طلب على جهاز رأس لموظفي المكاتب بقيمة 1500 دولار، فإن زوكربيرغ يروج له عبر التركيز على الأجزاء الأقل تفضيلاً لدى أصحاب الياقات البيضاء كألواح الكتابة وبرامج الإنتاجية ومستشارو الإدارة ويجعل من ذلك ركيزة للترويج لمبيعاته.

خسائر مليارية

يمكنك أن ترى لماذا يبدو ذلك منطقياً على اللوح الأبيض في مينلو بارك أو حتى على لوح الكتابة الأبيض في اجتماع (أكسنتشر) الإفتراضي.

أنفقت "ميتا" أموالاً طائلة على الواقع الافتراضي وتكبدت خسائر بسببه لا تقل عن 27 مليار دولار منذ 2019، ما يعني أنها بحاجة لأن يُتبنّى على نطاق واسع جداً كي يؤتي الرهان عليه ثماره. ربما لن يأتي ذلك من ألعاب الفيديو، ومن هنا تأتي المحاولة اليائسة على ما يبدو لتسويقه على موظفي المكاتب على "ميتافيرس". المدير الإقليمي لـ"ميتا": اقتصاد "ميتافيرس" سيتخطى 360 مليار دولار بالشرق الأوسط خلال العقد القادم

بطبيعة الحال تتجاوز مشكلات "ميتا" حدود المبيعات فالأجهزة والبرمجيات التي أعلن عنها زوكربيرغ تبدو فيها على الفور المبالغة وعدم جاهزيتها جيداً. تعادل تكلفة جهاز "كويست برو" تكلفة كمبيوتر محمول متطور تقريباً، لكنه يعمل ببطارية لا تتجاوز مدة تشغيلها ساعة أو ساعتين وقدرة محدودة على المعالجة تجعله بعيداً كل البعد عن احتلال مكان كمبيوتر شخصي.

انتظروا قليلاً

تفاخر زوكربيرغ خلال حديثه بأن الشخصيات الافتراضية، أفاتار، على "هوريزون"، التي تظهر للعالم كأجساد غير مكتملة، سيكون لها أرجل في المستقبل القريب، وقفز لأعلى وأسفل كي يستعرض قدراتها، ما أدى إلى ساعات من الإثارة الوهمية حول إنجاز الشركة البسيط. قالت "ميتا" بعد يومين من ذلك إن أرجل الشخصيات الافتراضية التي كشف عنها الرئيس التنفيذي لم ينتجها برنامج الذكاء الاصطناعي الخاص بـ"كويست برو" كما أوحى زوكربيرغ، وأنها كانت من نتاج مؤثرات هوليوود القديمة. أي اتضح أن وجود تلك الأرجل كان كذبة.

طلب المدافعون عن زوكربيرغ، وأغلبهم من أقرانه في وادي السيليكون الذين يبدون قلقهم من تأذي مشاعر الملياردير، من المستهلكين والنقاد بالتريث والترقب. غرد المستثمر، مايكل سيبل: "يجب أن يصمت منتقدو قرار زوكربيرغ بشأن (أوكيولوس) فهو يحاول ابتكار شيء جديد. امنحوه بعض الوقت فقط ليحاول".

قد يكون سيبل محقاً في شيء واحد فقط، أن هناك بطولة في إصرار زوكربيرغ على تحدي نفسه بطريقة رجل بمنتصف العمر يمارس الرياضات القتالية ليشعر بأنه على قيد الحياة، وزوكربيرغ فعل ذلك أيضاً. ربما يكون هناك حافز قوي حتى يخاطر بعمل "ميتا" الناجح للغاية وضخ عشرات المليارات من الدولارات في رهان طويل الأمد لامتلاك مستقبل الحوسبة.

الأولويات تغيرت

من ناحية أخرى، أضرّ شغف زوكربيرغ بالواقع الافتراضي بأكثر من مجرد أعمال "فيسبوك"، حيث يُضاف لتبديد رأس المال على جهود الواقع الافتراضي تجاهل خصائص إرث شركته من وسائل التواصل الاجتماعي، التي ما تزال مربحة للغاية ولها تأثير هائل. ما يزال موقع "فيسبوك" والشبكات الاجتماعية الأخرى مكتظاً بالمعلومات المضللة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي بالولايات المتحدة، ما قد يسمح مرة أخرى للمرشحين المتحالفين مع دونالد ترمب بالادعاء زوراً بسرقة الانتخابات وبأمور أخرى، فما يزال معارضو اللقاح يتواجدون بزخم على المنصة، ما يُسهم ليس فقط في خفض معدلات التلقيح ضد "كوفيد 19"، ولكن أيضاً بعودة شلل الأطفال، كانت محاربة المعلومات الخاطئة ومعالجة الطرق التي يضر بها "فيسبوك" الصحة العامة من الأولويات الرئيسية لدى زوكربيرغ في وقت ما.

"فيسبوك" تنفرد بإتاحة منصتها للإعلان السياسي الرقمي

قالت "فيسبوك" إنها ما تزال تأخذ المعلومات السياسية المضللة على محمل الجد وتخصص موارد كبيرة لمعالجة تلك المشكلة، لكن الفريق المسؤول عن الانتخابات بالشركة أُنهيت خدماته بعد فترة وجيزة من انتخابات 2020. يبدو أن زوكربيرغ يهتم الآن أكثر بإبداء احترامه لجو روغان من الترويج للقاحات. فكّكت "فيسبوك" في سبتمبر فريق "الابتكار المسؤول" المعني بالأخلاقيات الداخلية للشركة فيما يبدو محاولة لخفض التكاليف. عليك أن تدفع ثمن "ميتافيرس" بطريقة ما.