ماذا وراء حرب فيتنام الأخيرة على الفساد؟

الدولة الآسيوية قد تحقق مكاسب اقتصادية عظيمة إذا أمّنت مناخاً أفضل للاستثمار

نغوين فو ترونغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، يلقي كلمة في الدورة الافتتاحية لأول جلسة برلمانية للجمعية الوطنية الـ15 المنتخبة حديثاً في هانوي في 20 يوليو 2021
نغوين فو ترونغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي، يلقي كلمة في الدورة الافتتاحية لأول جلسة برلمانية للجمعية الوطنية الـ15 المنتخبة حديثاً في هانوي في 20 يوليو 2021 المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شبّه نغوين فو ترونغ، الأمين العام للحزب الشيوعي في فيتنام، حملته ضد الفساد بـ"الأفران المشتعلة" التي انكوى بنيرانها المئات من كبار المسؤولين والمديرين التنفيذيين للشركات وغيرهم على مر السنين. وبرغم أنَّ وضع الدولة تحسن بأكثر من 30 نقطة خلال العقد الماضي على مؤشر مُدركات الفساد العالمي، لكنَّها حلت في المركز 87 العام الماضي من أصل 180 مركزاً على المؤشر. الآن؛ وبينما يسعى الاقتصاد الأسرع نمواً في جنوب شرق آسيا إلى تعزيز جاذبيته كوجهة للاستثمار الأجنبي في خضم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أنَّ المعركة تشتعل مجدداً.

1) ماذا تستهدف فيتنام؟

قال ترونغ، الذي فاز بفترة رئاسة ثالثة للحزب العام الماضي في واقعة نادرة الحدوث، خلال خطاب متلفز إنَّ "كل عضو أو قيادة في حزب بحاجة إلى تحمل مسؤولية أن يكونوا نموذجاً يحتذى به. وكلما ارتفع المنصب والرتبة؛ زادت المسؤولية التي يجب على المرء تحملها".

اقرأ أيضاً: تصعيد حملة مكافحة الفساد في فيتنام.. وإقالة وزير الصحة

شُكّلت 8 فرق تفتيش للتعامل مع قضايا الفساد، بما في ذلك اللجان وأجهزة الحزب، وفقاً لـ"اللجنة التوجيهية المركزية لمكافحة الفساد. وذكرت محطة "في تي في" المملوكة للدولة أنَّ الرئيس أكد في اجتماعات مع الناخبين في هانوي خلال أكتوبر الجاري أنَّ الحملة ضد الفساد مستمرة، مع ظهور مزيد من الحالات.

2) من يقع في مرمى هذه الحملة؟

في الأشهر الستة الأولى من 2022، تم تأديب 295 عضواً حزبياً بسبب الفساد وسوء التصرف المتعمد، وفقاً لما نُشر على الموقع الإلكتروني للحزب. في الفترة نفسها، أُطلقت الإجراءات الجنائية في 297 قضية ضد 682 فرداً بتهمة الرشوة، مع استرداد أكثر من 9 تريليون دونغ (أي ما يعادل 371 مليون دولار). كما اعتقلت الشرطة عدداً من المديرين التنفيذيين كجزء من التحقيقات في الاحتيال المزعوم المرتبط بإصدار سندات الشركات والتلاعب في أسعار الأسهم. على سبيل المثال:

  • في أكتوبر الجاري احتجزت الشرطة ترونغ ماي لان، رئيسة مجموعة "فان ثين فات هولدينغز" (Van Thinh Phat Holdings) العقارية، وثلاثة مسؤولين آخرين في الشركة بتهمة الاحتيال المزعوم المتعلق بإصدار سندات الشركات وتداولها. أدى الاعتقال إلى مراقبة بنك "سايغون" التجاري المملوك للقطاع الخاص لفترة وجيزة بسبب صلاته المتصورة مع مجموعة "فان ثين فات"، وأخضع المنظمون البنك لـ"تدقيق خاص" ووجهوا أربعة آخرين للمساعدة في إدارته.
  • في يونيو الماضي احتجزت الشرطة وزير الصحة السابق نغوين ثانه لونغ وعمدة هانوي السابق تشو نغوك آنه بسبب صلات مزعومة بقضايا رشوة وتحقيقات تشير إلى إساءة استخدام السلطة، التي تتورط فيها شركة "فيت إيه تكنولوجي" (Viet A Technology)، وهي الشركة المصنعة لمجموعات اختبار كوفيد -19. بدأ المسؤولون إجراءات جنائية ضد 89 فرداً على صلة بالقضية، وفقاً لوزارة الأمن العام.
  • حُكم على نائب وزير الصحة السابق في مايو الماضي بالسجن 4 سنوات بسبب تورطه مع عصابة لتجارة الأدوية المزيفة.
  • فصلت وزارة المالية رئيس لجنة الأوراق المالية الحكومية تران فان دونغ في مايو الماضي بزعم ارتكابه "مخالفات جسيمة" وسط تحقيق يتعلق بتداول الأسهم، وذلك بعد فترة وجيزة من طرد رئيس بورصة مدينة هوشي مينه بسبب ما وصفته البورصة الفيتنامية بأوجه قصور "خطيرة للغاية". ومن بين المديرين التنفيذيين المحتجزين ترينه فان كوييت، الرئيس السابق لشركة "بامبو إيروايز" (Bamboo Airways) وشركتها الأم "أف أل سي غروب" (FLC Group)، بالإضافة إلى دو دوك نام، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "تراي فيت سيكيوريتيز" (Tri Viet Securities)، ودو ثان نهان الرئيس السابق لشركة "لويس هولدينغر" (Louis Holdings).
  • في أبريل الماضي احتجزت الشرطة نائب وزير الخارجية تو أنه دونغ بتهمة الرشوة أثناء قيامه بتنظيم رحلات جوية للعودة إلى الوطن للفيتناميين في الخارج أثناء تفشي الوباء. كما اعتُقل مساعد نائب رئيس الوزراء ومدير دائرة العلاقات الدولية الحكومية.
  • أمر رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشين الوزارات في أبريل بزيادة التدقيق في سوق سندات الشركات بعد اعتقال دو آن دونغ، رئيس مجلس إدارة مجموعة "تان هوانغ مينه"، وستة مسؤولين تنفيذيين آخرين في الشركة للتحقيق في مزاعم تزوير. اتُهم دونغ وحلفاؤه بالاستيلاء على أكثر من 8 تريليونات دونغ من أكثر من 6000 مستثمر عبر إصدار سندات الشركات، وفقاً لوزارة الأمن العام.

3) ما المخاطر؟

حذرت فيتنام من أنَّ الفساد قد يُعرّض شرعية الحزب واحتفاظه بالسلطة للخطر مع زيادة حالات عدم تسامح الشعب مع الكسب غير المشروع، لتردد الدولة بذلك أصداء تحركات الرئيس شي جين بينغ في دولة الصين الشيوعية المجاورة.

بصرف النظر عن ذلك؛ فإنَّ فيتنام، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة، لديها الكثير لتكسبه اقتصادياً إذا تمكنت من تعزيز صورتها كمكان لممارسة الأعمال التجارية. كان المصنعون العالميون يستكشفون طرقاً لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بهم بعيداً عن الصين، التي عانت من عمليات الإغلاق الوبائي والحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وقد استفادت فيتنام من هذا.

وتعادل صادراتها الآن أكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لبيانات البنك الدولي، مما يجعلها واحدة من أكثر الدول اعتماداً على التجارة في العالم. تسعى فيتنام أيضاً نحو تصنيف بورصتها على أنَّها "سوق ناشئة" بدلاً من تصنيفها الحالي كـ"سوق واعدة"، وهو المستوى الأدنى والأكثر مخاطرة، وهذا يمكن أن يجلب المزيد من الاستثمار الأجنبي.

اقرأ أيضاً: فيتنام تستهدف دفع الاقتصاد الرقمي إلى 20% من الناتج المحلي في 2025

بصفتها مشاركةً في الإطار الاقتصادي الجديد لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ للولايات المتحدة؛ فإنَّ فيتنام لديها أيضاً فرصة لزيادة روابطها مع أميركا، عدوتها السابقة في زمن الحرب وأكبر سوق تصدير لها.

4) ما مدى صرامة هذه الحملة؟

يُزج الناس في السجن، وحُكم على بعضهم بالإعدام. لكن في دولة فيتنام التي تخضع لسيطرة حزب واحد بشدة، من الصعب أن نستبعد وجود دوافع أخرى خفية بخلاف دعم الشرعية. تصنف "فريدوم هاوس"، وهي مجموعة مناصرة لحقوق الإنسان، مقرها الولايات المتحدة، فيتنام على أنَّها "ليست حرة"، فقد سجلت العام الماضي 19 نقطة فقط من أصل 100. واتهمت جماعات حقوق الإنسان الحكومة مراراً بتضييق الخناق على المعارضة. أما منظمة الشفافية الدولية، وهي مجموعة لمكافحة الفساد مقرها برلين، فقد أعطتها درجة 39 من أصل 100 العام الماضي، مقارنة بـ31 في 2012، وهو العام الذي كانت حكومة رئيس الوزراء آنذاك نغوين تان دونغ محاطة بسلسلة من الفضائح. زادت الاعتقالات مرة أخرى بعد تولي إدارة جديدة السلطة في 2016:

  • تمت إقالة نغوين شوان آنه، رئيس الحزب في مدينة دانانغ بوسط البلاد، من منصبه.
  • نغوين شوان سون، الرئيس السابق لشركة "بترو فيتنام" (PetroVietnam) المملوكة للدولة والرئيس التنفيذي السابق لبنك "أوشن كوميرشال جوينت ستوك" Ocean Commercial Joint Stock، حُكم عليه بالإعدام بعد إدانته بالاختلاس.
  • حكم على ها فان ثام، الرئيس السابق للبنك، بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بنفس التهم.
  • عضو المكتب السياسي السابق دين لا ثانغ، وهو رئيس سابق آخر لشركة "بترو فيتنام"، حُكم عليه في 2018 بالسجن 18 عاماً لانتهاكه لوائح الدولة.

في 2021، عاقبت لجنة مكافحة الفساد 618 عضواً حزبياً بتهمة "الفساد أو المخالفات المتعمدة". كما أعلنت تقديم 390 قضية فساد للقضاء واستعادة ما لا يقل عن 400 مليون دولار من الأصول.

5) هل ستُطبق إجراءات أخرى؟

لا تظهر الحملة أي بوادر للتباطؤ، وشُكّلت لجان توجيهية لمكافحة الفساد بحيث تعمل في كل مدينة ومحافظة، وقد حث رئيس الحزب في خطاب ألقاه في أغسطس المسؤولين على المثابرة والحزم بالنظر إلى الفساد "الخطير" في بعض القطاعات والمحليات، بحسب الموقع الإلكتروني للحكومة. كما أمر ترونغ بتسريع إجراءات المحاكمة في بعض القضايا الكبرى.

اقرأ أيضاً: كيف تغدو فيتنام حليفاً تجارياً قوياً للولايات المتحدة؟

دعا رئيس الوزراء فام مينه تشين في أكتوبر إلى أن تكون حملة مكافحة الفساد أكثر صرامة وفعالية، وفقاً لبيان آخر على الموقع الإلكتروني للحكومة.

في وقت سابق، قالت تران خانه هين، رئيسة الأبحاث في شركة "فن دايركت سكيورتيز"VnDirect Securities) ) إنَّ تحركات الحكومة عززت الثقة بين المستثمرين الأجانب. لكنَّها أضافت أنَّ المستثمرين يريدون أن يروا "مدى صمود وجدية السلطات".