حان الوقت لتصديق موافقة اليابان على ضعف الين

طوكيو بمقدورها الاستفادة من تراجع العملة ومحاولة التأقلم مع السياسة النقدية للفيدرالي

تاجر يتناول وجبة الغداء تحت شاشة تظهر سعر الين مقابل الدولار الأميركي في غرفة التداول بشركة الصرافة "غياتم دوت كوم"، طوكيو، اليابان
تاجر يتناول وجبة الغداء تحت شاشة تظهر سعر الين مقابل الدولار الأميركي في غرفة التداول بشركة الصرافة "غياتم دوت كوم"، طوكيو، اليابان المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتسم وزير المالية الياباني بالعند، فهو لا يستطيع غض الطرف "مطلقاً" عن التحركات شديدة التقلب في الين، ولا يطلب منه أحد عمل أي شيء خلاف ذلك. لكن ما يمكن للدولة أن تفعله -وبدأت بشكل مشجع فيه فعلاً - هو قبول الضعف المطول في عملتها. لا توجد رغبة كبيرة في التدخل لتغيير هذا الأمر، وحتى النتيجة المرجوة من محاولة عمل ذلك في هذه المرحلة ستكون أيضاً موضع شك.

وصل سعر العملة إلى المستوى المؤثر البالغ 150 يناً للدولار الواحد ثم تراجع الخميس الماضي دون إلقاء الضوء عليه كثيراً. والآن يتأهب المتداولون لتدخل المركزي، لكن نادراً ما تثير مستويات العملة المؤثرة الكثير من التحركات على الصعيد العملي كما هو الحال في السوق. والأهم من ذلك هو ما إذا كان الين سينهار خلال هذه المرحلة أم يتحرك ببطء ضمن نطاق معين. ولم تتضمن الأيام القليلة الماضية أي عمليات شراء كبيرة من قبل بنك اليابان، مثلما حدث الشهر الماضي عندما تدخل البنك في أول تحرك من نوعه خلال جيل كامل.

تغيير جذري

إن سياسة اليابان تجاه سعر صرف عملتها الذي يميل إلى التحصن ضد انخفاض الين، وبذل جهد مستمر لمنع تراجعه، ناهيك عن محاولة الارتفاع بشكل متواصل؛ سيعني شيئاً واحداً فقط وهو حدوث تغيير مؤثر بالفارق النسبي بين أسعار الفائدة في طوكيو وواشنطن. كما يتعرض بنك اليابان لضغوط قليلة للتخلي عن موقفه المؤيد للتيسيير النقدي الهائل الذي يتطلب بقاء عائدات الديون الحكومية لأجل 10 سنوات بالقرب من الصفر.

يعني هذا أن أي تحول في السياسة النقدية يجب أن يأتي من جانب الاحتياطي الفيدرالي. وما لم تحدث صدمة عميقة في الوضع المالي العالمي تؤثر بالسلب بشكل بالغ على الاقتصاد الاميركي؛ سيكون تحول جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، عن مساره أمر مستبعد قبل نهاية العام. يدرس الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر فائدته المرجعي للمرة الرابعة على التوالي بمقدار 75 نقطة أساس، وتستمر التوقعات بحدوث ارتفاع قياسي في سعر الفائدة الأميركية المرجعي في 2023 مع كل انخفاض جديد في مستوى التضخم.

اقرأ أيضاً: اليابان تتعهد بمواصلة التيسير النقدي رغم تراجع الين لأدنى مستوى في 32 عاماً

لا يعني أي من هذا أن تراجع الين غير مؤثر، فقد انخفضت العملة اليابانية بنحو 23% هذا العام، وهو أكبر انخفاض مقارنة بأي عملة رئيسية أخرى. لكن كل العملات الأخرى تقريباً تلقت ضربات أيضاً، حيث تعرض الدولار الأسترالي واليورو والجنيه الإسترليني والوون الكوري لصدمات كذلك.

تهدئة التقلبات

كان التراجع بنسبة 17% في الوون مفيداً في توجيه السياسة النقدية، حيث بدأ بنك كوريا المركزي في رفع تكاليف الاقتراض العام الماضي، قبل أشهر من شروع الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا في عمل الأمر نفسه، لكن هذا لم ينقذ العملة الكورية، كما تدخلت سيئول لدعم العملة لكنها كانت واضحة جداً بشأن نيتها، حيث قال ري تشانغ يونغ، محافظ بنك كوريا، لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي: "نريد فقط التحكم في وتيرة تحرك سعر العملة، ما لم يغير الاحتياطي الفيدرالي سياسته النقدية؛ سيكون هناك توائم بين سياستي البنكين. فلماذا قد نعارض ذلك؟".

ربما يجب على المتداولون -ولو لمرة واحدة- أن يصدقوا ما تقوله لهم اليابان. فقد بذل مسؤولو وزارة المالية جهداً للإشارة إلى أنهم لا يسعون للدفاع عن تطبيق سياسة نقدية بعينها، لكن هذا التدخل يستهدف تهدئة التقلبات الشديدة في سعر الين، والتي تجعل من الصعب على الشركات حساب تكاليف الاستيراد والتصدير ووضع خطط على المدى الطويل.

اقرأ أيضاً: مضاربو الين الياباني يترقبون تدخل السلطات مع استمرار هبوطه

اعتاد رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الحديث عن كيفية الاستفادة من الين الضعيف بدلاً من محاربته، متعهداً بدعم 10 آلاف شركة في استخدام العملة لصالحها. أما محافظ بنك اليابان هاروهيكو كورودا، الذي يُلقى على عاتقه باللوم عموماً بوصفه السبب الرئيسي في ضعف العملة الحالي، فكان يقول للجميع منذ شهور إنه لن يرفع أسعار الفائدة، فهو لن يفعل ذلك الآن وعلى ما يبدو للأبد، مع بقاء أشهر فقط على نهاية فترة ولايته.

لا بدائل جيدة

من السهل معرفة سبب تمسكه بأساليبه في العمل، لأن بنك اليابان غير مسؤول عن الاهتمام بسعر العملة، كما قد لا تكون هناك بدائل جيدة لتغيير الأمور. وعلى عكس الخطوات التي يمكن اتخاذها لإضعاف العملة -وهو أمر يمكن أن تفعله اليابان نظرياً إلى أجل غير مسمى لأنه يتعين عليها فقط الاستمرار في البيع- فإن التدخل لدعم الين مقيد باستنفاد احتياطياتها. ويجب على المسؤولين اختيار أهدافهم بعناية، خاصة بعد إنفاق 20 مليار دولار على التدخل في سعر العملة الشهر الماضي، والتي كان لها تأثير ضئيل فقط على الاتجاه الأساسي للعملة.

أيضاً كورودا محق في التمسك بأساليبه، لأن رفع اليابان أسعار الفائدة إلى المستوى الذي من شأنه سد الفجوة بشكل كبير مع الولايات المتحدة سيكون كارثياً على الاقتصاد. إذا كنت تعتقد أن اضطرابات سندات الخزانة البريطانية أدت إلى بعض الفوضى غير المتوقعة في الأسابيع الأخيرة، فتخيل ما يمكن أن يحدث في أكثر دولة مثقلة بالديون في العالم إذا لم يعد الاقتراض بلا فوائد.

اقرأ أيضاً: اتساع العجز التجاري الياباني يفاقم الضغوط على الين

سترتفع تكلفة خدمة الأكوام الهائلة من ديون اليابان، وسيجري التخلص من خطط الإنفاق المالي والدفاعي المتزايدة، كما ستُدمر الأسر بسبب زيادة مدفوعات القروض ذات الفوائد المتنوعة، والتي شكلت أكثر من ثلثي الرهون العقارية العام الماضي.

كما هو الحال في العديد من الأشياء الأخرى، يجب على اليابان ببساطة محاولة التأقلم في الطريق الذي ترسمه الولايات المتحدة (التي يمثلها في هذه الحالة بنك الاحتياطي الفيدرالي). فالاحتياطي الفيدرالي هو الهيئة الوحيدة التي يمكنها تغيير مسار الأمور. في غضون ذلك، يتعين على اليابان فقط المضي قدماً والعثور على الجوانب الإيجابية لتراجع سعر الين، عبر استعادة معدلات التصنيع التي فقدتها عندما كان الين قوياً، وإقناع شركات مثل "تايوان سيميكوندوكتور مانوفكشورينغ" بضخ مزيد من إنتاجها في اليابان، وإعادة بناء قطاع السياحة في البلاد بطريقة أفضل حتى مما هو عليه الآن.

الين الياباني