لا غيوم اقتصادية.. مبيعات الطائرات الخاصة تحلق في سماء صافية

توقعات بتسليم 8,500 طائرة خاصة جديدة خلال العقد المقبل بقيمة 275 مليار دولار

طائرات خاصة على المدرج في مطار فريدمان ميموريال، الولايات المتحدة
طائرات خاصة على المدرج في مطار فريدمان ميموريال، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
Thomas Black
Thomas Black

Thomas Black is a Bloomberg Opinion columnist covering logistics and manufacturing. Previously, he covered U.S. industrial and transportation companies and Mexico's industry, economy and government.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم تصل التكهنات والقلق المفرط أن الولايات المتحدة تتجه نحو ركود بعد لمجموعة أصحاب الطائرات الخاصة، ممن يجتمعون هذا الأسبوع في فلوريدا فيما يبدو أنه سيكون مؤتمراً متفائلاً.

لن يكون هناك مجال للكآبة والتشاؤم في المحادثات بين الحاضرين، الذين سيشربون الكثير من الشمبانيا ويتمتعون بأكل المقبلات في الشاليهات التي تحيط بمطار أورلاندو التنفيذي على مرأى من الطائرات والخدمات.

ارتفعت مبيعات الطائرات الخاصة ونشاط الطيران منذ بداية الجائحة في مطلع 2020 حينما تجنب الأثرياء خطوط الطيران التجارية. يستمر عدد ساعات الطيران في الارتفاع هذا العام، حتى بعد عام 2021 الاستثنائي، ومن المرجح أن العام المقبل سيتخطى أعلى نقطة وصلت لها الصناعة في 2007، وفقاً لشركة "هني ويل إنترناشيونال"، التي تصنع مكونات الطائرات من المحركات إلى أجهزة تحكم قمرة القيادة.

أزمات أثرت على سوق الطائرات الخاصة

تضرر القطاع بسبب الركود الكبير ولم يتعاف بالكامل إذا جرى قياس التعافي وفقاً لعدد تسليمات الطائرات الجديدة سنوياً. ذلك الخوف من كارثة اقتصادية غير موجود هذا العام في صناعة تتابع أسواق المال عن كثب.

هذه تشكيلة من المستثمرين المخضرمين الذين كانوا يعلمون بالفعل أن هناك مشكلات في أوائل 2008 عندما أفلس بنك "بير ستيرنز" (Bear Stearns) الاستثماري، وكانوا يتخارجون من صناعة الطائرات الخاصة برجال الأعمال بحلول سبتمبر، حينما انهار بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers) وتهاوت أسواق الائتمان.

اقرأ أيضاً: نمو مبيعات إيرباص من طائرات رجال الأعمال رغم الحرب وإغلاقات الصين

أثّر الانهيار المالي في 2008 بالسلب على الشركات والمستهلكين معاً. اضطرت الشركات لخفض التكاليف وسط تراجع المبيعات والتزاحم للحصول على الائتمان. كانت طائرات الشركات الخاصة من بين أول ما جرى الاستغناء عنه. تأثرت سمعة القطاع سلباً، وتطلّب الأمر عدة سنوات حتى تزول هذه السمعة، بعدما استخدم الرؤساء التنفيذيون لشركات السيارات طائرات مؤسساتهم الخاصة لحضور جلسة استماع في الكونغرس حتى يحثوه فيها على إنقاذ شركاتهم.

تفاؤل جديد بسوق الطائرات الخاصة

الأجواء الآن مختلفة كثيراً، رغم أن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" فقد ربع قيمته هذا العام والتضخم بلغ أعلى مستوى له في 4 عقود والاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة بقوة لكبح ارتفاع الأسعار. تحوُّل أنماط الطلب خلال الجائحة، بالإضافة إلى تأثير التحفيز الحكومي، زاد من ثراء العديد من الأغنياء، وهم يشعرون إلى حد ما أنهم بمعزل عن تأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة والتباطؤ الاقتصادي.

انعكست هذه الحالة المتفائلة في المسح السنوي الذي تجريه "هني ويل" لشركات إدارة الطائرات الخاصة، الذي يتوقع تسليم 8,500 طائرة خاصة جديدة خلال العقد المقبل بقيمة 275 مليار دولار. يشكل هذا الرقم زيادة قدرها 15% مقارنة بتوقعات التسليمات للعام الماضي، و12% أعلى من مسح 2019 قبل الجائحة.

اقرأ أيضاً: "بوينغ" تخفض تقديراتها للطلب على الطائرات بأكثر من 5%

خافيير خيمينيز سيرانو، مدير الاستراتيجية وأبحاث السوق في وحدة الفضاء الخاصة بـ"هني ويل" والمسؤول عن المسح، قال إنه من المتوقع ارتفاع عدد ساعات الطيران بنهاية هذا العام بزيادة تبلغ 9% مقارنة بعام 2021 الاستثنائي، وإن النمو سيستقر عند وتيرة طبيعية تبلغ 2% في 2023، لكن على منحنى ثابت جديد يضاهي أو يتخطى عام 2007 القياسي.

ارتفاع الطلب على الطائرات الخاصة

بجانب الطلب المتزايد الذي حفزه الثراء المدفوع بحزم التحفيز التي تراكمت في قمة هرم الثراء، انضمت مجموعة جديدة من المسافرين جواً إلى سوق الطيران الخاصة برجال الأعمال بعدما تسببت الجائحة فعلياً في إغلاق خطوط الطيران التجارية في 2020. هؤلاء المنضمون حديثاً من الأغنياء الذين كانوا عادةً يسافرون في مقاعد الدرجة الأولى، لكنهم لم يفكروا من قبل أنهم في حاجة لطائرات خاصة.

بعد تجربتهم للخدمة، وعدم الحاجة للتعامل مع اضطرابات الرحلات الملغاة والمطارات المكتظة وعاملي إدارة أمن النقل الذين يصرخون بضرورة خلع الأحذية والأحزمة، انجذب الكثيرون لهذه الطائرات الخاصة. وعادةً ما يبدأون بالرحلات المستأجرة وبعدها يتخذون قراراً بشراء طائرة. هؤلاء الزبائن الجدد لا يغيرون موقفهم، حتى في ظل انتعاش الرحلات التجارية.

اقرأ أيضاً: "فالير" تحول طائرات "إيرباص" من نقل الركاب إلى الشحن لمواكبة ازدهار الطلب

أدى ذلك إلى ندرة الطائرات المستعملة، خاصة ذات المقصورات متوسطة وكبيرة الحجم. مصنعو الطائرات، بما في ذلك "غلف ستريم" (Gulfstream) التابعة لشركة "جنرال ديناميكس" وشركة "تيكسترون" و"إمبراير" لديهم جميعاً طلبيات كبيرة متراكمة، وبدأوا يرفعون الإنتاج بالقدر الذي تسمح به سلسلة الإمداد. الطلب قوي، رغم أن الشركات الكبيرة لم تعد إلى السوق بعد. أوضح سيرانو أنه حتى لو كان هناك تراجع في الاقتصاد، فإن الطلب المكبوت سيمنح دفعة لمواصلة التسليمات.

توقيت شراء الطائرات الخاصة

تتوقع "هني ويل" ارتفاع إنتاج الطائرات الجديدة إلى ما يصل لـ820 العام المقبل مقارنة بحوالي 700 هذا العام. في 2019، بلغ عدد التسليمات 720 لكنه انخفض إلى مستوى متدني يناهز 565 في 2020.

رغم أن كبار الأثرياء لديهم إمكانية الدفع نقداً مقابل شراء الطائرات والبقاء محصنين ضد التباطؤ الاقتصادي حتى الآن، إلا أن الطلب على الطائرات المستعملة وصل لمستويات متدنية في السوق. قالت جانين إياناريلي، مؤسسة شركة سمسرة الطائرات "بار أفيون" (Par Avion) إن الطلب على الطائرات التي تكلف أقل من 15 مليون دولار يتراجع. ولا يقتصر الأمر على تأثير سعر الطائرة أو أسعار الفائدة الأكثر ارتفاعاً على اتخاذ قرار الشراء، إذ يتعين على المالك أن يدفع باستمرار للطيارين والوقود والصيانة وحظيرة الطائرة وغيرها من النفقات التي تعاني جميعاً الآن من آثار التضخم.

أضافت إياناريلي أنه بينما كان عام 2008 "هبوطياً وقاتماً"، لم يكن هذا هو الشعور السائد في الأجواء هذا العام. ينتظر بعض المشترين على أهبة الاستعداد تراجع الأسعار في سوق الطائرات المستعملة لاتخاذ قرار بالشراء. وقالت إن الأجواء المتفائلة قد تتوقف في وقت ما العام المقبل إذا دخلت الاقتصادات الكبيرة في الركود، لكن لا يتوقع أحد انهيار السوق. قد تظهر مجموعة كبيرة من الصفقات في الولايات المتحدة قبل نهاية العام بسبب ختام ما يسمى بـ"مكافأة الإهلاك" الضريبية حينها، والتي يمكن بموجبها خصم القيمة الكاملة لطائرات الشركات فوراً من الضرائب بدلاً من تقسيمها على عدة سنوات.

مشترون جدد للطائرات الخاصة

أي تراجع في السوق من شأنه أيضاً إتاحة مزيد من أهداف الاستحواذ للمستثمر كين ريتشي، الذي جمع رأس مال يصل إلى 430 مليون دولار باستخدام شركة شيك على بياض لبيع الأسهم للجمهور لأول مرة في شركة "فلكس جيت" (Flexjet)، التي تدير أسطولاً يضم أكثر من 250 طائرة خاصة، وتقدم خدمات الملكية الجزئية، والتأجير، وبطاقات ركوب الطائرات الخاصة.

قال ريتشي، رئيس مجلس إدارة "فلكس جيت"، إن عائدات بيع ساعات الطيران قفزت 60% في شركة إدارة طائرات رجال الأعمال منذ 2019، ولدى الشركة عملاء ينتظرون شراء ساعات طيران و"العمل الآن أقوى من أي وقت مضى".

اقرأ أيضاً: الطائرات الكهربائية في أستراليا تخفض التكاليف إلى النصف

يأتي "الأثرياء المقتصدون" -كما يصفهم ريتشي- في مقدمة الوافدين الجدد إلى قطاع الطيران الخاص، ومن المتوقع بقاؤهم في السوق، مما يرفع قاعدة العملاء على المدى الطويل حتى لو تعثر الاقتصاد. واستطرد أنه عندما تحدث فترات الركود، يكون الطيران الخاص من أوائل القطاعات التي تتعرض للضرر، وضمن آخر القطاعات التي تتعافى. وتابع أنه لم يتخارج أحد من السوق بعد.

آمال سوق الطائرات الخاصة

قال ريتشي: "أنا بطبيعتي لا أتفاءل بشكل كامل. فهذه أوقات جيدة حقاً، لكن أعتقد أنه يجب علينا ألا نبني آمالاً عريضة الآن".

من السهل الهجوم على عالم طائرات رجال الأعمال. فهذه آلات باهظة الثمن وتكون بغرض الرفاهية في بعض الأحيان، كما أنها لن تطأها الغالبية العظمى من الناس. تحرق هذه الطائرات أيضاً وقوداً لكل راكب أكثر بكثير من الطائرات التجارية. مع ذلك، فإن قطاع طائرات الشركات في الولايات المتحدة يدعم أكثر من مليون وظيفة، بما في ذلك حوالي 105 آلاف فرصة عمل صناعية، وهو واحد من القطاعات الأميركية القليلة التي تتمتع بميزان تجاري إيجابي، وفقاً لجمعية طيران الأعمال الوطنية، وهي الجهة المنظمة للمؤتمر المزمع عقده هذا الأسبوع. وجرى تبني العديد من ابتكارات الطائرات لأول مرة على يد طائرات الشركات.

إن التأثيرات الاقتصادية المؤلمة الناجمة عن التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، والتي تضغط على الطبقة الوسطى ليس لها تأثير كبير على الأثرياء مثلما حدث في ركود 2008-2009، وهي إشارة محتملة إلى أن الانكماش الاقتصادي قد يكون قصير الأجل. ولو كانت الطائرات الخاصة للشركات تشكل بارقة أمل في عالم مظلم، فإن هذه البارقة ماتزال مضيئة وتزداد توهجاً.