لماذا قد تبدأ الخزانة الأميركية في إعادة شراء سنداتها؟

الوزارة تسعى للحفاظ على استقرار السوق وكسب الوقت حتى تظهر حلول أكثر استدامة

مبنى وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الجمعة، 19 مارس 2021
مبنى وزارة الخزانة الأميركية في واشنطن العاصمة، الولايات المتحدة، يوم الجمعة، 19 مارس 2021 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما يواجه المتداولون في سوق سندات الخزانة الأميركية، التي تبلغ قيمتها 24 تريليون دولار، مشاكل في التداول؛ فإنَّ ذلك يكون مدعاة للقلق على نطاق أوسع بكثير. وصلت معايير السيولة إلى مستويات تنذر بحدوث أزمة، مما قد يجعل سوق الديون، التي تُعتبر دعامة رئيسية لأسواق التمويل العالمية، هشة للغاية لدرجة أنَّ أي صدمة أخرى قد تؤثر على أدائها. لذلك السبب، ولأول مرة خلال أكثر من عقدين، تفكر الخزانة في إعادة شراء سنداتها كطريقة للحفاظ على استقرار الوضع وكسب الوقت، مما يتيح لصنّاع السياسات العثور على حلول أكثر استدامة.

1) ماذا يحدث في سوق الخزانة؟

وصلت مقاييس سيولة سندات الخزانة في سبتمبر لأسوأ مستوياتها منذ اضطرابات السوق في بداية الجائحة. وما يزال مؤشر "بلومبرغ" لسيولة الأوراق المالية الحكومية بالولايات المتحدة، الذي يُعتبر مقياساً للتباينات في العوائد مقارنة بنموذج للقيمة العادلة، بالقرب من أعلى مستوياته منذ مارس 2020، عندما دفع الإقبال على السيولة الاحتياطي الفيدرالي لبدء شراء أوراق مالية لتحقيق استقرار السوق.

أعربت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين عن قلقها في منتصف أكتوبر، مشيرةً إلى أنَّ قدرة ميزانيات الوسطاء على الانخراط في دعم سوق لسندات الخزانة لم تتسع بما يتماشى مع زيادة إجمالي المعروض من أدوات الخزانة. ارتفع دين الخزانة القائم مقترباً من 7 تريليونات دولار منذ نهاية 2019، لكنَّ المؤسسات المالية الكبيرة لم تكن على القدر نفسه من الاستعداد للاضطلاع بدور صنّاع السوق.

2) ما سبب المشكلة؟

أدى عام من الخسائر الفادحة للسندات، التي تسبب فيها التضخم المتزايد ورفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة، إلى ابتعاد الكثير من كبار المشاركين المعتادين، مثل البنوك التجارية في الولايات المتحدة والحكومات الأجنبية وشركات التأمين على الحياة، عن سوق الديون.

اقرأ أيضاً: مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يستعدون لرفع آخر كبير للفائدة

كما لم تكن المؤسسات المالية الكبيرة على القدر نفسه من الاستعداد للاضطلاع بدور داعمي السوق، إذ كانت مثقلة بما يسمى بنسبة الرافعة المالية التكميلية، التي تتطلب من البنوك تجنيب رأس مال للتحوط من المعاملات المماثلة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الاحتياطي الفيدرالي بخفض بعض حيازات سندات الخزانة، وهي عملية تُعرَف بالتشديد الكمي الذي يخاف الكثيرون من أنَّه سيفاقم مشكلات السيولة.

3) ماذا يفعل الاحتياطي الفيدرالي؟

يتخلص الاحتياطي الفيدرالي حالياً من سندات الخزانة في ميزانيته العمومية بمعدل 60 مليار دولار شهرياً. بما أنَّه من أكبر المشترين للديون الحكومية، يعني قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض حيازاته توقُّع شراء الوكلاء للمعروض الإضافي الذي يعود إلى السوق. ستصبح هذه المهمة أصعب بمرور الوقت كلما طالت فترة انكماش الموازنة العامة للاحتياطي الفيدرالي.

4) ما الإجراءات التي تفكر فيها وزارة الخزانة؟

يقرر الاحتياطي الفيدرالي ما إذا كان سيعيد شراء الأوراق المالية الأقدم، ويستبدلها بإصدارات حالية أكبر، إما من أذون الخزانة أو الأوراق المالية والسندات، بحسب هدف الحكومة.

5) هل قامت وزارة الخزانة بهذه الخطوة من قبل؟

كانت المرة الأخيرة التي أعادت وزارة الخزانة الأميركية شراء سنداتها في الفترة بين مارس 2000 وأبريل 2002 للسماح للـوزارة بالاستمرار في بيع سندات جديدة للحفاظ على قدرتها للوصول للسوق في وقت كان للحكومة الفيدرالية فائض في الميزانية، ولم تكن تحتاج للمال.

اقرأ أيضاً: أزمة "الفيدرالي" التالية تغلي تحت سطح سندات الخزانة

استُخدمت الأموال، التي جُمعت عبر بيع سندات جديدة، لإعادة شراء تلك القديمة.

6) كيف ستعيد وزارة الخزانة شراء السندات؟

هذا ما تحاول الوزارة التفكير فيه حالياً. في المسح الفصلي الذي نشرته فيما يتعلق بالتمويل الذي سيُعلن عنه في 2 نوفمبر؛ طلبت الخزانة من الوكلاء الرئيسيين البالغ عددهم 25، الذين يُعتبرون حلقة الوصل بينها وبين السوق الأوسع نطاقاً للديون، تقييماً مُفصّلاً لمميزات وقيود برنامج إعادة الشراء. في هذه المرحلة، السؤال الحيوي لاستراتيجيي "وول ستريت" هو: هل ستكون عمليات الشراء هذه غير مرتبطة بآجال السندات؟. يعني ذلك أنَّ أي أوراق مالية حكومية ستعيد الخزانة شراءها ستُستبدل بديون لها نفس الأجل، لتثبيت المتوسط المرجح لأجل استحقاق الدين القائم، الذي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 74 شهراً دون تغيير فعلي.

7) كيف يُحسِّن ذلك سيولة سوق سندات الخزانة؟

ستتيح عمليات إعادة الشراء بديلاً للإصدارات غير المتداولة الأقدم والأقل سيولة وجاذبية. يمكن للخزانة أن تنسحب من الأوراق المالية القديمة والرخيصة وتوفر بديلاً للوكلاء لتحسين إدارتهم لميزانياتهم العمومية. كما قد يساعد تأثير الإشارة إلى عملية إعادة الشراء على تحسين أداء السوق؛ إنْ تحسنت الأوضاع بعد الإعلان عنها فقط. على سبيل المثال، بعد نشر نتائج المسح؛ ارتفعت أسعار السندات لأجل 20 عاماً بقوة، وهي الفئة السوقية التي يُتَوقَّع أن تحقق أكبر مكاسب لها من برنامج إعادة الشراء.

8) متى قد يحدث ذلك؟

من السابق لأوانه تحديد ذلك. يتوقَّع استراتيجيو "بنك أوف أميركا" أنَّ وزارة الخزانة قد تطلق برنامجها في مايو 2023، برغم أنَّهم يُقرّون أنَّه قد يجري التعجيل بالأمر في حالة وجود "مشاكل حادة في أداء سوق سندات الخزانة". في نهاية المطاف، فالنُظُم المطلوبة لأداء مثل هذه العمليات موجودة بالفعل. برغم ذلك؛ يتوقَّع جوناثان كوهن، الاستراتيجي بمصرف "كريدي سويس"، أنَّ أكثر تاريخ مبكر لإطلاق البرنامج هو الربع الأول من 2023، بحسب تدهور السيولة وقيود ميزانيات الوكلاء.

9) هل من وسيلة أخرى لتحسين أداء السوق؟

يمكن للاحتياطي الفيدرالي تعديل شروط آلية إعادة الشراء القائمة حالياً، التي يمكن للبنوك بموجبها أن تودع ما بحوزتها من سندات لليلة واحدة مقابل سيولة مالية، وذلك بهدف تعزيز جاذبية السندات. وتقترح هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية ترحيل المزيد من أنشطة تداول السندات إلى شركات المقاصة الموجودة حالياً، التي تربط بين المشترين والبائعين وتدعم التعاملات في نهاية المطاف، وذلك في محاولة للتحوط من انهيارات السوق. يأمل المشاركون في السوق أيضاً في تطبيق تغييرات أخرى، مثل إعفاء الاحتياطي الفيدرالي لإصدارات وزارة الخزانة من نسبة الرافعة المالية التكميلية، مما قد يقدم حوافز أكبر للبنوك للاحتفاظ بإصدارات الدين الحكومي، خاصة أثناء تراجع الأحوال السوقية.

يُذكر أنَّه خلال مارس 2020 تخلى "الفيدرالي" عن تطبيق نسبة الرافعة المالية التكميلية على احتياطات البنوك والخزانة قبل انتهاء صلاحية الإعفاء في العام التالي.

عوائد سندات الخزينة