خافير بلاس: ماذا تعني سياسة "السعودية أولا" للنفط والسُّلطة؟

الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، في جلسة حوارية أثناء فعاليات مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، المملكة العربية السعودية في 25 أكتوبر 2022.
الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، في جلسة حوارية أثناء فعاليات مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض، المملكة العربية السعودية في 25 أكتوبر 2022. المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وصلت الأمور إلى حدها بالنسبة للأمير عبد العزيز بن سلمان. فوزير الطاقة السعودي، الذي يتعرّض لانتقادات لاذعة في واشنطن منذ أن قاد تكتّل "أوبك+" لخفض إنتاج النفط هذا الشهر، قال إنه بات يسمع باستمرار عبارة: "هل أنت معنا أم ضدنا؟". وفي الرياض هذا الأسبوع، أعلن لكبار "وول ستريت" أن المملكة لا تنحاز إلى جانب. متسائلاً: ألا يوجد متسع للعمل لمصلحة بلدنا وشعبنا؟

إذا كان البعض يرى أن إيلاء بلاده أولوية أمرٌ "غير مهذب"، فقد حذّر الأمير عبد العزيز -نجل الملك سلمان، والأخ غير الشقيق لولي العهد الأمير محمد بن سلمان- من أنه لا خيار أمامه سوى أن يكون فظاً. مؤكداً: "أنا مؤيد للسعودية".

كانت هذه هي الرسالة السائدة في مؤتمر المملكة السنوي "مبادرة مستقبل الاستثمار" هذا الأسبوع- وهي رسالة تهمّ الجميع فيما يقترب سعر النفط من حاجز 100 دولار للبرميل.

وزير الطاقة السعودي يحذر من نضوب مخزونات النفط المخصصة للطوارئ

أثناء المحادثات مع كبار أعضاء العائلة الملكية السعودية، والمسؤولين، ورجال الأعمال المحليين، يتضح أن الرياض تشرع في ما يمكن أن أسميه أجندة "السعودية أولا" في الطاقة والاقتصاد والسياسة الخارجية. يُعدّ هذا تحولاً في طور التشكّل منذ سنوات عدة، وسيكون له عواقب على بقية العالم؛ ليس فقط بشكل رئيسي من خلال أسعار النفط، بل أيضاً عندما يتعلق الأمر بتشكيل دبلوماسية الشرق الأوسط ومكافحة تغير المناخ.

كانت الإشارات موجودة منذ فترة. ففي وقت سابق من هذا العام، قال الأمير محمد بن سلمان إنه لا يمانع فيما إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد فهم نهجه. وقال لمجلة "ذا أتلانتيك": "الأمر متروك له للتفكير في مصلحة أميركا". لكن ما لم يُقَل هو أن الأمير محمد بن سلمان كان يركز على مصلحة السعوديين.

مملكة أكثر طموحاً

ما سمعته هذا الأسبوع في الرياض هو تجسيد لهذا التفكير: مملكة أكثر جرأة وحزماً وطموحاً، لا تزال متحالفة مع أميركا، لكنها في الوقت نفسه غير مقيّدة بعلاقات عمرها 80 عاماً تقريباً. إنها دولة تركز الآن بشكل أكبر على آسيا وعملائها من النفط الكبار: الصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية. وتمثّل الدول الأربع مجتمعة 65% من إجمالي صادرات النفط السعودية.

وسط عالم مضطرب شكّله الغزو الروسي لأوكرانيا وأعلى تضخم منذ 40 عاماً في أميركا والمملكة المتحدة، برزت المملكة العربية السعودية كواحدة من الفائزين الاقتصاديين والسياسيين القلائل. يُعتبر النمو الاقتصادي السعودي الأقوى داخل مجموعة العشرين التي تضم الاقتصادات الرئيسية، كما تتمتع البلاد بسيولة ضخمة.

حتى بعد خفض إنتاج "أوبك+" الذي تم الإعلان عنه مؤخراً، سيسجل إنتاج النفط السعودي أعلى متوسط ​​سنوي على الإطلاق عند نحو 10.7 مليون برميل يومياً في عام 2022. ووفقاً لأسعار وإنتاج النفط منذ بداية العام وحتى الآن، فإن إجمالي عائدات المملكة السنوية من النفط تتهيأ لبلوغ نحو 400 مليار دولار، أقل بقليل من الذروة التي حققتها في 2008 عندما صعدت أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.

السعودية ترفض الانتقادات الموجهة لها بسبب خفض إنتاج "أوبك+"

ومع ذلك، بعيداً عن فندق "ريتز كارلتون"، حيث يُعقد مؤتمر "دافوس في الصحراء" السنوي، والمناطق الثرية في الرياض مثل العليّا، حيث يقيم المصرفيون، تُعدّ السعودية دولة فقيرة نسبياً. بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 23500 دولار في عام 2021، وهو أقل بكثير من الإمارات البالغ 45 ألف دولار و68 ألف دولار لقطر. ومع نمو عدد سكان البلاد بنحو 600000 نسمة سنوياً (يُتوقع أن يصل العدد إلى 36.2 مليون نسمة في 2022)، يتعين على الرياض أن تعمل بجد للبقاء ثابتة.

وهذا يُعدّ سبباً رئيسياً وراء "السعودية أولا". لخّص لي مصرفيٌّ لديه عقود من الخبرة في البلاد، الأمر على النحو التالي: "إنهم يحتاجون المال حقاً- وهذا يعني أسعار نفط مرتفعة".

في الماضي، كانت الرياض على استعداد لقبول انخفاض أسعار النفط، وزيادة الإنتاج -أو تأخير التخفيضات- لصالح واشنطن. لكن ليس بعد اليوم.

نظراً لعدم وضوح آفاق الاقتصاد العالمي، فإن المملكة قد تميل نحو الإمداد القليل بدلاً من الضخ الكثير. وإذا كان ثمّة خطأ سيُرتكب، فليصبّ في صالح ارتفاع أسعار النفط وليس انخفاضها. وأخبرني محمد الجدعان، وزير المالية السعودي، أن الرياض كانت ببساطة تفعل ما يفعله الآخرون داخل مجموعة العشرين- أي الاعتناء بمصالحهم.

وقال: "انظر إلى الاحتياطي الفيدرالي: إنه يرفع أسعار الفائدة، ويؤثّر على الجميع، لكننا نتفهم أن هذه قضية محلية، فهم بحاجة للتعامل مع التضخم".

يبذل المسؤولون السعوديون قصارى جهدهم للإقناع بأنهم لا يستهدفون سعراً محدداً للنفط. لكن يتضح من الأفعال أن الرياض تريد الإبقاء على خام برنت بالقرب من 100 دولار للبرميل قدر الإمكان. ويرى العديد من الدبلوماسيين أن 80 دولاراً للبرميل هو حد سفلي غير رسمي. وإذا كان السعي إلى رفع الأسعار سيساعد روسيا -التي تحتاج السيولة لتمويل غزو أوكرانيا- فهذا مجرد نتيجة ثانوية للسياسة. بعبارة أخرى، تعتقد الرياض أن خفض"أوبك+" للإنتاج يتعلق بالأعمال وليس السياسة.

"أوبك+": خفض إنتاج النفط جاء بسبب تزايد مخاطر حدوث ركود عالمي

لكن الرياض لم تعد تعتقد أيضاً أن صفقة النفط مقابل الأمن مع واشنطن تعمل كما كانت من قبل. أبقت الرياض أسعار النفط تحت السيطرة نسبياً لعقود واشترت أسلحة أميركية. في المقابل، وفّرت واشنطن الأمن الإقليمي، ونشرت قوتها العسكرية إذا لزم الأمر، والدعم الدبلوماسي، متجاهلة إلى حد كبير انتهاكات لحقوق الإنسان. والآن تريد المملكة موقفاً أكثر حزماً بكثير ضد إيران ووكلائها الإقليميين، بما في ذلك في اليمن، كما أنها في حيرة من الطريقة التي بدت بها واشنطن تتغاضى عن السوق السوداء للخام الإيراني، ما سمح لطهران بالاستفادة من أسعار النفط المرتفعة.

ويقول مسؤولون ورجال أعمال سعوديون إن التحالف غير متوازن. فإذا كانت واشنطن تريد من الرياض إبقاء أسعار النفط منخفضة، فسيتعين عليها تنفيذ الجانب الآخر من الاتفاق، والضغط على إيران. لكن يُرجّح بشكل متزايد أن تطلب المملكة خدمات أكبر في المقابل. كما هو الحال مع "أميركا أولا" في عهد دونالد ترمب ، فإن برنامج "السعودية أولا" مبني على مراعاة المصالح.

مثل هذا التحوّل له عواقب وخيمة على الاقتصادات العالمية؛ حيث يُرجّح أن تظل أسعار النفط مرتفعة لفترة أطول، ما يغذّي التضخم. وبالنسبة لمستثمري الأسهم والسندات في شركات الوقود الأحفوري، فهذه علامة على أن أوقات الازدهار قد تستمر. بالنسبة للآخرين، فالصورة واضحة.

علاوة على ذلك، يوجد في الخلفية خلاف عميق حول كيفية إدارة انتقال الطاقة ومكافحة تغير المناخ. يعتقد السعوديون أن العالم يضع الكثير من التركيز على تقييد إمدادات الوقود الأحفوري وتثبيط الاستثمار، بينما لا يزال الطلب ينمو. ربما يكون هذا النهج مناسباً للولايات المتحدة وأوروبا، ولكن ليس للعالم الناشئ. وقال أمين الناصر، كبير الإداريين التنفيذيين لعملاقة النفط "أرامكو" السعودية: "يُنظر إلى الأمر من وجهة نظر غربية، وأن على بقية العالم التكيّف"؛ مضيفاً: "لا يعمل الأمر على هذا النحو".

إنها علامة على ما سيأتي. فكونوا مستعدين لسماع "لا" من السعوديين كثيراً.