"الاحتياطي الفيدرالي" يمتلك سلاحاً سرياً لمكافحة التضخم

عدد قياسي من الأميركيين يعيشون من دون دفع إيجارات مع أصدقائهم وعائلاتهم.. هذا يسهّل مهمة البنك المركزي في حربه على التضخم

علامة "للإيجار" أمام منزل في لوس أنجلوس بكاليفورنيا.
علامة "للإيجار" أمام منزل في لوس أنجلوس بكاليفورنيا. المصدر: غيتي إيمجز
Karl W. Smith
Karl W. Smith

Karl W. Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was formerly vice president for federal policy at the Tax Foundation and assistant professor of economics at the University of North Carolina. He is also co-founder of the economics blog Modeled Behavior.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من المسلّم به بشكل عام بين الاقتصاديين والمستثمرين، أن الاحتياطي الفيدرالي يواجه مهمة مستحيلة، تتمثل في السيطرة على التضخم من دون أن يلحق أضراراً مستمرة وواسعة النطاق بالاقتصاد.

حان الوقت لمواجهة الحقائق. في الواقع، يبدو مرجحاً على نحو متزايد، أن البنك المركزي سيتمكن من الحد من التضخم بشكل أسهل بكثير مما هو متوقع.

السبب في ذلك هو أن التحولات الهيكلية العميقة في الاقتصاد، التي تسببت بها جائحة كورونا، والتغيرات في تركيبة المخزون من الوحدات السكنية، والتطور في المعايير الثقافية، كلها جعلت تأسيس البيوت والأسر الجديدة، عملية مرنة أكثر بكثير من أي وقت مضى. ربما تكون النقطة الأخيرة هذه، أكثر من أي شيء، الفارق بين اقتصاد يتطلب زيادة كبيرة في البطالة للحد من التضخم، وآخر يحتاج ببساطة إلى ضغطة قصيرة، لكن قوية، على المكابح.

الاقتصاد الأميركي يخالف التوقعات مضيفاً المزيد من الوظائف ورافعاً معدل البطالة

قلق مبرَّر

عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في وقت سابق من هذا العام، كان هناك قلق مبرر من أن تأتي هذه المحاولات بنتائج عكسية. ففي نهاية المطاف، الكثير من العوامل التي ساهمت في ارتفاع التضخم، كانت خارج نطاق السيطرة المباشرة للبنك المركزي.

لنأخذ العقارات السكنية على سبيل المثال. ليس لدى الاحتياطي الفيدرالي أي تحكم مباشر في أسعار الإيجارات، كما أن أي تحكم بصورة غير مباشرة قد يملكه البنك، يدفع الأسعار في الاتجاه الخاطئ. فمن بين العواقب المباشرة لتشديد السياسة النقدية الذي يقوم به الاحتياطي الفيدرالي، والذي أحدث قفزة في تكلفة تمويل الرهن العقاري، أن الطلب على المنازل انخفض.

أسواق الإسكان الأكثر سخونة في العالم تواجه إعادة تقييم مؤلمة

النتيجة الطبيعية لتراجع الطلب على شراء المنازل، من المفترض أن تكون ضغطاً صعودياً على الإيجارات. ففي النهاية، إذا استطاع عدد أقل من الأميركيين شراء منازل، ألا يؤدي ذلك تلقائياً إلى وجود مزيد من المستأجرين؟ هذه هنا هي المشكلة، لأن أكبر مكوِّن (بفارق كبير) في التضخم الأساسي، هو تكلفة المأوى، أو تكلفة الإسكان التي يتحملها المستهلك.

تباطؤ كبير

أصبح المأزق حينها، هو كيف يخفض الاحتياطي الفيدرالي التضخم الأساسي -الذي يُعدّ الإيجار أكبر مكوِّن فيه- في وقت تسعى أداة البنك الأساسية، وهي رفع أسعار الفائدة، إلى زيادة أسعار الإيجار؟ كانت الإجابة التقليدية هي رفع نسبة البطالة، إذ إنه ومع تزايد البطالة، سيضطر عدد أكبر من الشباب إلى الانتقال مرة أخرى إلى منازل أسرهم، أو مشاركة آخرين في السكن.

"بنك أوف أميركا": تباطؤ سوق الإسكان يضغط على سعر صرف عملات رئيسية

هذا بالضبط ما ترددت أصداؤه في الاقتصاد عقب الركود الكبير، عندما تراجع بناء المنازل الجديدة إلى مستويات قياسية، وتعافى ببطء شديد. فعلى الرغم من الانخفاض في المعروض، هدأ التضخم في الإيجارات، وهدأ التضخم بشكل عام، بسبب تباطؤ كبير في إنشاء أسر وفتح بيوت الجديدة.

مهمة أسهل

يعود ذلك بنا إلى سبب احتمال أن تصبح مهمة الاحتياطي الفيدرالي أسهل. تشير الشهادات التي نسمعها، إلى أن تأسيس البيوت الجديدة يتباطأ بسرعة كبيرة.

وجد مسح أجرته مجموعة "يو بي إس" المصرفية، أن نسبة البالغين الذين يسكنون مع أصدقائهم أو أسرهم دون دفع إيجار، ارتفعت من 11% قبل عام إلى 18% في سبتمبر الماضي، وهي أعلى نسبة مُسجّلة. وفقاً لشركة "ريل بيدج" (RealPage) لتتبُّع بيانات الاستئجار، فقد انخفض الطلب على الشقق السكنية من أكثر من 200 ألف وحدة في الربع الثالث من 2021، إلى 82 ألفاً بالسالب في الفترة ذاتها من العام الجاري.

المملكة المتحدة تدرس ثورة في قروض الإسكان على غرار إرث تاتشر

هذه أول قراءة بالسالب للربع الثالث على الإطلاق خلال أكثر من 30 عاماً، علماً أن هذه الفترة تُعتبر في العادة، أقوى موسم للتأجير.

عوامل مؤثرة

يبدو أن هناك عوامل عدة مؤثرة. أولاً، تسببت الجائحة في طفرة في تكوين أسر جديدة. بين ربيع 2019 وربيع 2020، تأسس نحو 4 ملايين بيت جديد، أي نحو 4 أضعاف المعدل السنوي المتوسط، إذ أصبحت ترتيبات المعيشة المشتركة ضيقة من حيث المساحة، مع ارتفاع معدلات العمل من المنزل خلال الإغلاقات.

بعد ذلك، وفرت القدرة على العمل عن بُعد، والأموال الإضافية التي جرى ضخها عبر برامج التحفيز المالي، الفرصة والوسيلة لعدد أكبر من الأشخاص للبحث عن منازل أكبر حجماً، بعيداً عن المراكز العمرانية. توفر تلك المساحة الإضافية لعدد أكبر من الأشخاص، القدرة على استضافة صديق، حتى لو لم يكن ذلك الوضع مريحاً بما يكفي، خلال الأوقات الصعبة.

إضافة إلى ذلك، نما متوسط مساحة المنازل الجديدة بأكثر من 10% منذ الركود الكبير، ليصل إلى 2,312 قدماً مربعة. بالمقارنة، يقارن ذلك بمتوسط مساحة المنازل القائمة في الولايات المتحدة والبالغ 1,650 قدماً مربعة فقط. يوحي هذا الأمر بأن عدداً متزايداً من الأميركيين، خصوصاً أولئك الأكبر سناً والأكثر استقراراً، لديهم القدرة على استضافة الأهل والأصدقاء.

معايير متغيرة

هنا، يبدو مرة أخرى أن فيروس كوفيد-19 عجّل في ظهور هذه الاتجاهات. في ذروة الجائحة، كان أكثر من نصف العدد الإجمالي للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، يسكنون مع آبائهم وأمهاتهم، وفقاً لمركز أبحاث "بيو" (Pew). في الكثير من الحالات، كانت هذه الفئة من الشباب الجامعيين الذين عادوا إلى منازلهم بعدما أغلق الحرم الجامعي، ما يفسر كيف أن تأسيس البيوت الجديدة وانتقال الشباب للسكن مع ذويهم، قد يرتفعان في الوقت ذاته.

أسعار المساكن القائمة في الصين تسجل أدنى مستوى منذ 2014

على الرغم من ذلك، كانت المعايير تتغير بشكل حاسم حتى قبل الجائحة. في فبراير 2020، كان 47% من الشباب يسكنون مع أحد والديهم، وهي أعلى نسبة منذ عام 1930. في عام 1960، كان 29% فقط من الشباب يسكنون مع أحد والديهم.

هذه التحولات في مرونة العمل ومساحة المنزل والمعايير الثقافية، تعمل معاً لتجعل تأسيس البيوت الجديدة عملية أكثر حساسية تجاه الأوضاع الاقتصادية مقارنة بالماضي. إضافة إلى ذلك، هناك رقم قياسي من وحدات المنازل قيد الإنشاء، إذ ارتفع عددها إلى 1.71 مليون وحدة، بعدما كان أقل من 1.2 مليون قبل الجائحة.

المحصلة النهائية

من المرجح أن يبطئ ارتفاع أسعار الفائدة عمليات البناء، لكن مع ظهور علامات التراجع السريع في الطلب على الشقق السكنية، فإن المحصلة النهائية ستكون أن عدد المنازل الجديدة من المرجح أن يتخطى معدل تأسيس البيوت الجديدة للعام أو العامين المقبلين. سيخفّض ذلك الإيجارات والتضخم الأساسي بشكل عام.

سيتطلب الأمر بعض الوقت لكي ينعكس ذلك في بيانات مؤشر أسعار المستهلك، نظراً للطريقة التي تحسب بها الحكومة البيانات. لكن، بالنظر إلى مسار التراجع الحالي لمقاييس آنية مثل "زيلو رِنت إندكس" (Zillow Rent Index)، من المتوقع أن يصل تضخم الإسكان في مؤشر أسعار المستهلك إلى ذروته قريباً، بل وربما في أوائل العام المقبل.

ستعتمد كيفية تراجع تضخم الإسكان على مدى حزم الاحتياطي الفيدرالي في الإمساك بزمام الاقتصاد. إذا قرر الفيدرالي رفع أسعار الفائدة الأساسية إلى نحو 4.5%-4.75% ثم توقف، أعتقد أن ذلك سيكون كافياً لخفض تضخم الإسكان إلى مستوى 2%-3% بحلول أوائل 2024. لا يمكن وصف ذلك بأنه نتائج عكسية.