دعوى قضائية لأجل 50 يورو (نعم خمسين يورو) تهدد "أوبك"

أكاديمي ألماني يذهب إلى حيث ذهب القليلون قبله بسبب انزعاجهم من المنظمة النفطية.. المحكمة

شعار "أوبك" مثبت على مبنى يحتضن المقر الرئيسي للمنظمة النفطية في فيينا، النمسا
شعار "أوبك" مثبت على مبنى يحتضن المقر الرئيسي للمنظمة النفطية في فيينا، النمسا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أرمين شتاينباخ رجل يحمل على عاتقه مهمة، إذ يعتقد الاقتصادي والمحامي الألماني البالغ من العمر 44 عاماً أن منظمة "أوبك" تدير اتحاداً احتكارياً (كارتل) غير قانوني، مما يؤدي إلى المبالغة في سعر البنزين ووقود التدفئة الذي يشتريه. لذا قرر رفع دعوى قضائية للحصول على تعويض عن الأضرار بقيمة 50 يورو، بالإضافة إلى الفائدة.

الدعوى المرفوعة في محكمة إقليمية في برلين ضد "أوبك" وعديد من شركات النفط المملوكة للدولة ليست مزحة قانونية، وهي فعلاً مقدّمة أمام المحكمة، إذ سُمح لها في الوقت الحالي بالمضي قدماً، وطلب القاضي من "أوبك"، وعديد من شركات النفط المملوكة للدولة، تسمية محامين عنها.

"أوبك": سوق النفط على مشارف ذروة الطلب حتى منتصف القرن

قضية غير عادية

يُشار إلى أنّ هذه القضية غير عادية لأنه على الرغم من إدارتها لما يشبه كارتل النفط منذ أكثر من 60 عاماً، فإن "أوبك" لم تواجه بعدُ تحدياً قانونياً خطيراً. ولكن إذا حكمت المحكمة ضدها فقد تكون العواقب بعيدة المدى. أما على المدى القصير على الأقل فسيستمتع المستهلكون بأسعار أقل فيما سيجني الجميع، بدءاً من المملكة العربية السعودية إلى شركات النفط الكبرى، أرباحاً أقل، إلا أنّ سوق النفط الخام ستكون معرضة لخطر التحول إلى السوق المفتوحة أمام الجميع كما هي حال سوق الغاز الطبيعي.

وفي هذا الصدد ابتعدت الحكومات الغربية عن استخدام المحاكم ضد "أوبك" لسببين: الأول أنها اعتقدت أنها محمية بالحصانة السيادية ومبادئ عمل الدولة، والثاني أنها تخشى الانتقام. وقد نظر عدد قليل من المشرعين في طرق مبتكرة لمحاولة كسر الجمود، ففي عام 2000 كتب جو بايدن، الذي كان سيناتوراً أميركياً في ذلك الوقت، إلى الرئيس بيل كلينتون آنذاك يقترح عليه أن يرفع البيت الأبيض دعوى قضائية ضد "أوبك" في محكمة العدل الدولية في لاهاي.

توقعات الطلب العالمي تهبط بأسعار النفط رغم ارتفاع "وول ستريت"

فشل القضايا المماثلة

أما المدّعون الخاصّون فلا يتعيّن عليهم الخوف من الانتقام، ولكن من المدهش أنه رُفِعت دَعْوَيَان قضائيتان فقط على مدار الأعوام الخمسين الماضية في الولايات المتحدة، أرض التقاضي السريع والسهل، وقد فشلتا بسبب الحصانة السيادية ومبادئ عمل الدولة، إذ قامت الرابطة الدولية لعمال الميكانيكا والفضاء، وهي نقابة عمالية أميركية وكندية، بمقاضاة منظمة "أوبك" في عام 1978، ولكن رُفِضت القضية. كما رفعت مدّعية أخرى، وهي شركة "بريويت إنتربرايزس" (Prewitt Enterprises) التي تدير محطات وقود، دعوى في عام 2000 لكنها فشلت إلى حد كبير لأسباب فنية. ولستُ على علم بأي دعوى قضائية في السنوات الأخيرة في أوروبا أو آسيا ضد "أوبك".

الجدير بالذكر أن منظمة "أوبك"، ومقرها فيينا، شعرت بأنها واثقة بموقفها القانوني لدرجة أن موقفها الافتراضي عند وصول أمر استدعاء للمحكمة هو ببساطة تجاهله. وقد رفضت "أوبك" التعليق على هذا المقال.

النفط يستعدّ لأول مكاسب شهرية منذ مايو مع دخول قرار "أوبك+" حيز النفاذ

موقف قانوني متعاطف

هل يمكن أن ينجح شتاينباخ بعد أن فشلت القلة التي حاولت في الماضي؟ لدى الدعوى القضائية ثلاثة عناصر لصالحها. على مدى السنوات القليلة الماضية حكمت المحاكم الأوروبية ضد صناعة النفط في قضايا تاريخية اعتقدت القلة فقط أنها كانت ممكنة قبل بضع سنوات فحسب.

ومن الأمثلة على ذلك حكم عام 2021 الذي يجبر شركة "شل" (Shell) على خفض انبعاثات الكربون، وهو الآن قيد الاستئناف أمام المحاكم الهولندية. أما القضية ضد "أوبك" فهي مختلفة تماماً، لكنها قد تستفيد من نفس الموقف القانوني المتعاطف، إذ يختلف العالم القانوني لعام 2022 كثيراً عما كان عليه في عامي 1978 و2000 عندما رفع المدعيان الخاصان الدعويَين القضائيتين في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يسمح القانون الأوروبي الآن بالطعون القضائية لمكافحة الاحتكار من قِبل المواطنين العاديين. بالإضافة إلى ذلك، يوفّر القانون الألماني تفسيراً أضيق للحصانة السيادية من القانون الأميركي.

الجدير بالذكر أن شتاينباخ، الذي يدرّس الاقتصاد والقانون في كلية إدارة الأعمال المرموقة "إتش إي سي باريس" (HEC Paris)، وكان سابقاً موظفاً مدنياً رفيع المستوى في وزارة المالية الألمانية، يعتقد أن لديه فرصة، إذ قال لي الأسبوع الماضي: "(أوبك) هي كارتل، فهي منظمة تقدِّم منبراً للدول للاتفاق على حصص إنتاج النفط، وهي تتخلص من الضغوط التنافسية التي كانت ستوجد لولا ذلك، وبفعلها ذلك فإنها تؤثر بشكل غير مباشر في الأسعار".

قُبيل تنفيذ تخفيضات "أوبك+".. عدد منصات الحفر الأميركية يقفز لأعلى مستوى في عامين

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها، فقبل عقد من الزمن رفع دعوى قضائية مماثلة، إلا أن منظمة "أوبك" اشتكت عبر وزارة الخارجية الألمانية، واضطر شتاينباخ، الذي كان في ذلك الوقت موظفاً حكومياً، إلى سحب الدعوى.

سيل من الدعاوى

تميل مشاريع قوانين "أوبك" القانونية إلى أن تتماشى مع أسواق النفط. ومع تداول خام برنت عند حدود 100 دولار للبرميل فإن ذلك يوشك أن يكون موسماً مفتوحاً في الكارتل. وكما حدث مع شركات النفط الكبرى وقضايا تغير المناخ في السنوات الأخيرة، قد تواجه "أوبك" سيلاً من الدعاوى القضائية الخاصة، وبالتأكيد سيفشل كثير منها، وربما معظمها، ولكن لا يتطلب الأمر سوى مُدَّعٍ واحد لاختراق درع الحصانة السيادية لإحداث مشكلة خطيرة.

وفي الولايات المتحدة يناقش المشرعون قانون "لا أوبك" (NOPEC)، وهو مشروع قانون يقترح إخضاع المجموعة لقانون شيرمان لمكافحة الاحتكار الذي استُخدِم منذ أكثر من قرن لتفكيك إمبراطورية جون روكفلر النفطية. إذا جرى سَنّ القانون -"إذا" كبيرة، إذ يواجه معارضة كبيرة- فسيكون البيت الأبيض قادراً على مقاضاة المملكة العربية السعودية وحلفائها بسبب التلاعب بسوق النفط العالمية.

أسعار النفط تتجاهل خطاب "بايدن".. وخام غرب تكساس يرتفع 3.3%

احذروا مما تتمنَّونه

تجدر الإشارة إلى أنّ المملكة العربية السعودية تقود منظمة "أوبك" التي وضعت سياسات من شأنها أن تُبقي أسعار النفط قريبة من 100 دولار للبرميل. إنه نهج "السعودية أولاً". وبالنسبة إلى الرياض فقد يكون من الجيد إبقاء الأسعار مرتفعة، لكن ذلك ينطوي على مخاطر قانونية، لا سياسية فحسب. كما يجب أن يفكر المستهلكون -والحكومات- مرتين أيضاً في السوق المفتوحة. صحيح أن أسعار النفط مرتفعة، لكن السوق تبدو مروّضة مقارنة بالأسواق الخالية من الكارتلات مثل الغاز الطبيعي والفحم. لذا، احذروا مما تتمنَّونه.