سوق سندات الخزانة بقيمة 24 تريليون دولار تبدو فجأة أقل خطراً

فئة الأصول التي تراجعت بشدة على مدى العامين الماضيين تبلغ أخيراً نقطة انعطاف مؤثرة

مشاة أمام بورصة نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية
مشاة أمام بورصة نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أثارت موجة بيع تاريخية للسندات فوضى في الأسواق العالمية طوال العام، فيما أججت أزمة ثقة في كل شيء، ابتداءً من استراتيجية تقسيم المحفظة الاستثمارية بنظام 60-40، ووصولاً إلى الاستثمار في شركات التكنولوجيا الكبرى.

حالياً، ومع اقتراب الانكماش الاقتصادي المحتمل، تبدو فجأة سوق سندات الخزانة التي تقارب قيمتها 24 تريليون دولار أقل خطورة مما كانت عليه سابقاً.

تشير أحدث بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة إلى أن التضخم قد يهدأ بعد طول انتظار، ما دفع المستثمرين، الخميس الماضي، للعودة بأعداد كبيرة إلى فئة الأصول، بعدما كان المتداولون قلصوا رهاناتهم في ظل سياسة التشديد النقدي التي يتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وهناك سبب آخر يجعل هذا الأصل الذي كان يعد ملاذاً آمناً فيما مضى يبدو أكثر أمناً مما كان عليه منذ فترة قريبة، وهو: أنه حتى أسعار الفائدة المتزايدة ليست لديها قدرة أقل على تدمير محافظ السندات كما حدث على مدار العامين الماضيين.

سندات أقل خطورة

حتى تصدق ذلك الأمر يمكنك أن تنظر فقط إلى مؤشر آجال استحقاق السندات الذي تراجع بشدة هذا العام، ويقيس هذا المؤشر عادة حساسية أسعار السندات تجاه التغيرات في العوائد، كما يشكل مقياساً مجرباً ومختبراً للمخاطر والأرباح، ويوجه جميع أنواع الاستثمار بالدخل الثابت.

أيضاً رفعت الحملة القاسية لتشديد السياسات النقدية التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي هذا العام عوائد سندات الخزانة إلى أعلى مستوياتها خلال عشرة أعوام تقريباً، ما عزز بشكل ملحوظ هامش الأمان لمن يشتري ديون الولايات المتحدة خلال الوقت الراهن، مقارنة بفترة أسعار الفائدة المنخفضة، بعد انهيار السوق الصاعدة في أعقاب تضخمها ما بعد الوباء.

لماذا قد تبدأ الخزانة الأميركية في إعادة شراء سنداتها؟

بفضل العوائد الأكثر ارتفاعاً ومدفوعات قسائم الفائدة، تُظهر الحسابات البسيطة للسندات أن المخاطر المتعلقة بالآجال تبدو أقل، وهو ما يعني أن عمليات البيع الجديدة من الآن ستُجنب مديري الأموال بعض الأضرار. ويشكل ذلك بارقة أمل بعد عامين من الخسائر المؤلمة على نطاق لم يشهد له العصر الحديث في السوق الأميركية مثيلاً.

يقول كريستيان مولر غليسمان، رئيس استراتيجية توزيع الأصول في بنك "غولدمان ساكس"، الذي تحول من التوصية بالبيع إلى الوضع الحيادي في السندات نهاية سبتمبر الماضي: "أصبحت السندات أقل خطورة بقليل. يُرجح انخفاض التقلب الكلي للسندات بسبب تفاوت آجال استحقاقها، وهو أمر إيجابي. وخلاصة القول؛ إن السندات أصبحت أكثر قابلية للاستثمار".

مكاسب وخسائر السندات

في حالة سندات الخزانة ذات أجل عامين، ستحتاج عوائدها للارتفاع بصورة كبيرة بنحو 233 نقطة أساس قبل أن يتكبد حائزوها فعلياً خسارة في العائد الإجمالي خلال العام المقبل، ويرجع السبب في ذلك بالمقام الأول إلى الحصانة التي توفرها مدفوعات الفائدة الكبيرة، وفقاً للتحليل الذي أجراه إيرا جيرسي، المحلل الاستراتيجي في مؤسسة "بلومبرغ إنتليجنس".

مع زيادة العوائد، صعد مبلغ تعويض المستثمرين عن كل وحدة من وحدات المخاطر المتعلقة بالآجال، وهذا عزز بدوره الحد الأقصى قبل أن تؤدي ارتفاعات إضافية على العوائد فيما بعد إلى خسائر في رأس المال. ويمكن أن تقلل مدفوعات القسائم الأعلى وآجال الاستحقاق الأقصر أيضاً من مخاطر أسعار الفائدة.

ديف بليشا، الرئيس العالمي لقسم الدخل الثابت في "دايمنشنال فند أدفايزرز" (Dimensional Fund Advisors) قال: "توضح حسابات السندات البسيطة أن ارتفاع العوائد يرتبط بانخفاض آجالها".

استراتيجيون: الدولار لا يزال ملك العملات رغم التراجع

أيضاً للتأكد من الأمر نفسه يمكنك النظر إلى "معدل شيرمان"، وهو مقياس بديل لمخاطر سعر الفائدة سُمي نسبةً لجيفري شيرمان، نائب رئيس الاستثمار في شركة "دبل لاين كابيتال" (DoubleLine Capital).

على الجانب الآخر، ارتفع موشر بلومبرغ المجمع للسندات في الولايات المتحدة من 0.25 قبل عام إلى 0.76 حالياً. هذا يعني أن الأمر سيحتاج إلى ارتفاع قدره 76 نقطة أساس في أسعار الفائدة على مدى عام لتعويض عوائد السندات. كان الأمر يتطلب ارتفاعاً قدره 25 نقطة أساس فقط العام الماضي، أي ما يعادل واحدة من زيادة الفائدة الاعتيادية للاحتياطي الفيدرالي.

وإجمالاً انخفض مقياس أساسي للآجال في مؤشر بلومبرغ لسندات الخزانة الأميركية، والذي يتتبع سندات بقيمة 10 تريليونات دولار تقريباً من 7.4 إلى 6.1. وهو أدنى مستوى له منذ 2019. ورغم أن ارتفاع العوائد بمقدار 50 نقطة أساس تسبب نهاية العام الماضي بخسارة أكثر من 350 مليار دولار، إلا أن هذه الخسارة تقلصت بشكل أكثر اعتدالاً إلى 300 مليار دولار في الوقت الحالي.

قرار زيادة سعر الفائدة

الأمر غير واضح تماماً، لكنه يخفف من المخاطر السلبية لمن عادوا مجدداً للاستثمار في سندات الخزانة لتحقيق الدخل، على أمل أن احتمال تراجع التضخم أو تباطؤ النمو سيزيد أسعار السندات في المستقبل.

بعد كل شيء، فإن انخفاض أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة خلال أكتوبر يعطي أملاً بأن صدمة التضخم الأكبر منذ عقود تتراجع، وهو ما يلقى ترحيباً من قبل البنك المركزي الأميركي، الذي قد يرفع سعر الفائدة في الشهر المقبل بنحو 50 نقطة أساس.

عوائد سندات الخزانة ذات أجل عامين ارتفعت هذا الشهر لتصل إلى 4.8% تقريباً، وهي النسبة الأعلى منذ 2007، لكنها هبطت 25 نقطة أساس الخميس الماضي بسبب تقرير مؤشر أسعار المستهلكين، أما عوائد السندات ذات أجل 10 سنوات -التي تحوم الآن حول 3.81% بعد ارتفاعها من 1.51% أواخر 2021- انخفضت هي الأخرى بمقدار 35 نقطة أساس خلال الأسبوع الماضي، والذي كان كانت أيام العمل فيه أقصر بسبب عطلة "المحاربين القدامى" الجمعة الماضي.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي بفيلادلفيا يتوقع تباطؤ وتيرة رفع أسعار الفائدة

في المقابل، شراء السندات ما يزال بعيداً كل البعد عن أن يكون صفقة رابحة نظراً لاستمرار حالة عدم اليقين بشأن مسار التضخم، فيما ينذر بنك الاحتياطي الفيدرالي بإقرار المزيد من الزيادات القوية لأسعار الفائدة.

فرصة سوق السندات

لكن هذا إلى جانب المشهد القاتم للاقتصاد يدفع مديري الأموال إلى إبطاء وتيرة تعرضهم للسندات، بعدما وصلت إلى أقل مستوياتها في عدة سنوات.

أوضح إيان ستيلي مدير قسم المعلومات للدخل الثابت في "جيه بي مورغان أسيت مانجمنت" الأمر بقوله: "دعمنا تقليص التعرض للسندات طويلة الأجل. لا أظن أننا تجاوزنا المحنة تماماً بعد، لكننا دون شك أقرب إلى بلوغ الذروة في قيمة العوائد، وأبعد عن المراكز البيعية بصورة ملحوظة".

يشير الارتفاع الأخير إلى أن فئة الأصول التي تراجعت بشدة على مدى العامين الماضيين تبلغ أخيراً الآن نقطة انعطاف في مسارها.

تباطؤ التضخم الأميركي يوفر راحة للأُسر والمستثمرين

"بينجامين جيفري" الخبير الاستراتيجي في شركة "بي إم أو" (BMO)، وصف خلال بودكاست "ماكرو هوريزونز" الخاص بالشركة السيناريو المتوقع لعام 2023 بقوله: "سوق عمل ستزداد سوءاً، وبيئة النمو ستكون منخفضة، والأجور معتدلة. وكل هذا سيعزز عمليات شراء السندات التي يُنظر لها كملاذ آمن خلال فترة هبوطها، ونعتقد أن هذه الفترة بدأت بالفعل خلال الأسابيع القليلة الماضية".

عوائد سندات الخزينة