هل يتحمل الاقتصاد الأوروبي موجة إغلاقات ثانية؟

"لو بيتي بانيس" في باريس أغلقت أبوابها حتى أول ديسمبر
"لو بيتي بانيس" في باريس أغلقت أبوابها حتى أول ديسمبر المصور: دانييلا زالكمان
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إنها الساعة 5:45 مساءً، والساحة الصغيرة القريبة من "السلالم الإسبانية" في العاصمة روما تعجّ بأصوات المطاعم في الهواء الطلق وصيحات الأطفال يلعبون. وبعد بضع دقائق، بات كل ما يمكن سماعه هو صوت سَحْبِ الكراسي المعدنية على الطرق الصغيرة، بينما يقفل موظفو المطاعم لهذا المساء أعمالهم، محوّلين الساحة إلى مكانٍ مظلم وفارغ بعدما أطفأوا الأنوار.

تدابير صارمة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا

وكانت إيطاليا في مساعيها لخفض عدد حالات فيروس كورونا التي ترتفع من جديد، قد فرضت الإقفال التام في بعض المناطق المعرّضة للخطر مثل ميلانو، بينما فرضت قواعد أخف في روما وبقية البلاد، منها إغلاق الحانات والمطاعم في ساعاتٍ مبكرة، إنه ليس إقفالٌ تام (حتى الآن) ولكن بالنسبة لأهل روما، قد يكون الأمر كذلك.

وتقول آنيجلا ديماورو شاكيةً، بينما كانت تغلق سترتها وترتدي كمامتها لتغادر الساحة: "يبدو وكأنّها الساعة الثانية ظهرًا وليس السادسة مساءً." حيث لم يعتد الإيطاليون على إنهاء المساء بتناول وجبةٍ في الخارج في وقتٍ مبكر، إلّا أنّ التغيير ينتشر في أنحاء القارة.

وأغلقت ألمانيا الحانات والمطاعم، بينما فرضت فرنسا تدابير أكثر صرامة. ومع اقتراب الشتاء، يبدو أن أوروبا تدخل مرحلة إقفالٍ تامٍ أخرى.

تفادي تضرر الاقتصاد

ومع تزايد حالات ووفيات الفيروس في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بوتيرةٍ أسرع من الولايات المتحدة، تختار الحكومات اتخاذ تدابير تأمل في أن تكبح العدوى بشكل سريع مع إلحاق أقل ضرر ممكن بالاقتصاد مقارنةً بالموجة الأولى من الإغلاق في الربيع.

ونتيجة لذلك، تركز القيود على المناطق التي يخفف الناس فيها من حذرهم، مثل الحانات والمطاعم والملاهي الليلية. ومنعت سويسرا العروض الموسيقية، حيث ارتبطت إحدى حوادث تفشي العدوى بعرض غنائي.

وتتجه منطقة اليورو إلى ركودٍ مزدوج، حتى مع عمليات إغلاقٍ ذات نطاقٍ محدود، وتتوقع "بلومبرغ إيكونومكس" انكماشًا في الناتج الإجمالي المحلي هذا الربع، ما يقلب نسبة الانتعاشٍ السابقة التي وصلت إلى 12.7% في الأشهر الثلاثة الماضية. وتتوقع مجموعة "غولدمان ساكس" أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 2.3 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2020.

قطاعا الخدمات والسياحة الأكثر تضرراً

وبالنسبة للأشخاص الذين يعملون في قطاعيْ الخدمات والسياحة، فقد أصبح هذا العام كارثياً وأسوأ مما كان عليه مع بداية الجائحة، حيث إنّ الشركات التي ربما تكون قد نجت من الموجة الأولى من خلال تقليص حجمها، مستخدمةً الإعانات الحكومية والاحتياطات النقدية، تواجه حاليا ما قد يكون الضربة القاضية، حتى وإن كان باستطاعتها الحصول على الدعم الحكومي.

ويقول حسين غوليروز، مالك مقهى يدعى "Estate Coffee" في منطقة مروزبورغ العصرية في برلين: "لا يمكننا أن نستمر في العمل من خلال ما نتلقاه من دعم. ومع ذلك أريد أن أشكر الحكومة على كل المساعدات التي تحاول أن تزودنا بها لنبقى صامدين، إلا أن وجودنا سيكون مهددًا في حال استمر الوضع هكذا".

ويوضح غوليروز، أنه في حين كان يوظّف 6 أشخاصٍ قبل الجائحة، يمكنه الآن أن يدفع لشخصٍ واحدٍ فقط، حيث إنّ الافتقار إلى السيّاح وعملاء غداء العمل، دفعه إلى نقص في الأموال استمر لأشهر، كما وأنّ الإغلاق الذي بدأ في الثاني من نوفمبر قد يشكّل القشة التي ستقسم ظهر البعير.

سمات الموجة الثانية من الإغلاق التام

وما يميّز الموجة الثانية من الإغلاق التام هو أنّها تسمح بشكلٍ كبير للمصانع وللأعمال غير الخدماتية بالاستمرار في العمل. وأظهرت الحسابات أنّ ذلك سيخفف الأضرار الاقتصادية.

ويقدّر وزير المالية الفرنسية برونو لو مير أن تخفض هذه القيود الجديدة الإنتاج إلى ما دون المستويات العادية بـ15%، مقارنةً بـ30% خلال موجة الإغلاق الأولى في الربيع.

وبالنّسبة للمؤسسات التي لا تخضع لهذه القيود الجديدة، فإنّ حالة الطوارئ خلال هذا الإقفال التام قد لا تكون متجليةً كثيرًا. حيث تقول جمعية صناعة الهندسة الميكانيكية "VDMA"، وهي هيئة تمثل صناعة الآلات الألمانية، إنه في حين أنّ نوفمبر سيكون "حساسًا"، يمكن للقطاع الاستمرار تمامًا كما كان من قبل.

وتُظهر دراسة استقصائية أجريت لمديري المشتريات في أكتوبر أنّ قطاع التصنيع يتوسّع بثبات.

إستراتيجية محفوفة بالمخاطر

وتؤكد شركة "كلاس" لتصنيع الآلات الزراعية في غرب ألمانيا، أنّها استفادت من دروس موجة الإغلاقات الأولى في الربيع، والمتعلقة بتوقف سلاسل التوريد، وذلك لتتأكد على أن الانتاج لن يتوقف الآن.

وقال المتحدث باسم الشركة ولفرام إبرهارت: "رغم القيود الجديدة، لدينا الآن طلبات جيدة على منتجاتنا، وكل ما علينا فعله هو ضمان استمرار العمل لتلبية هذا الطلب."

وبالرغم من هذا التفاؤل، لا يزال "الإقفال التام الخفيف" استراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للحكومات. حيث تعد المطاعم والحانات وشركات تقديم الطعام من أكثر الجهات توظيفا، وتظل لعمليات الإغلاق آثار غير مباشرة على الموردين وغيرهم.

حزم مساعدات مالية

وتقر الحكومات في محاولة لتخفيف الأضرار، حزم مساعدات مالية لتعويض خسائر المشاريع المتأثرة وإبقاء العمال على قوائم الأجور، حيث عرضت ألمانيا تغطية ما يصل إلى 75% من الإيرادات التي حصلت عليها إحدى المؤسسات في الشهر نفسه من العام الماضي، وذلك كجزءٍ من حزمةٍ بقيمة 10 مليارات يورو (11.6 مليار دولار) تمّ الإعلان عنها في نهاية أكتوبر.

وتحضر إيطاليا التي تعاني نسبيًا من ضائقةٍ مالية، لتمويل إغاثةٍ جديد بقيمة 1.5 مليار يورو على الأقل. ويتم دعم هذه الجهود من قبل البنك المركزي الأوروبي الذي تعهد بخفض تكاليف الإقراض وإضافة الحوافز.

ويتعين على الحكومات اختيار الفائزين والخاسرين بينما تحاول ترقيع اقتصاداتها بسرعةٍ، ولا يمكن الاستمرار بدعم المجالات المفلسة إلى الأبد. وفي خضم التعب الناتج عن الوباء، يتزايد السخط. حيث شهدت ألمانيا تظاهرات مناهضة للإغلاق التام، كما شهدت عشرات المناطق الإيطالية أعمال شغب.

وتحدّى السياسيون وأصحاب الأعمال في فرنسا، قوانين إغلاق المتاجر الصغيرة التي تبيع أغراضًا أُعتبرت غير ضرورية خلال الجائحة، مثل الملابس والكتب والورود والألعاب.

وقالت الحكومة الفرنسية في محاولةٍ منها لتهدئة المظاهرات، إنها ستمنع المتاجر الكبرى التي تبقى مفتوحة من بيع السلع التي تبيعها المتاجر المغلقة. وأدّى ذلك إلى مزيدٍ من الإرباك فيما يتعلق بالسلع والمستهلكين، حيث قارن أحد الوزراء عبر برنامجٍ إذاعي مدى أهمية معجون الأسنان أو مستحضرات الماكياج.

ومن أجل المحافظة على نسيج أوروبا الاجتماعي، بالإضافة إلى اقتصادها، يعوّل واضعو السياسات على أن تكون مدّة هذا الإغلاق التام قصيرة.