عرض جيرمي هَنت حزمة لزيادة الضرائب وخفض الإنفاق في المملكة المتحدة بقيمة 55 مليار جنيه إسترليني (65 مليار دولار) تهدف إلى سد فجوة في المالية العامة للبلاد وإعادة الثقة وسط المستثمرين.
وجه وزير المالية ضربة إلى الأثرياء بفرض ضريبة أعلى على الأجور وتوزيعات الأرباح مع تمديد مفعول ضريبة الأرباح الاستثنائية غير المتوقَّعة على شركات النفط والغاز، وأخطر مجلس العموم اليوم الخميس بأنَّه يعطي الأولوية "للاستقرار والنمو والخدمات العامة".
قال هَنت لأعضاء المجلس وهو يعرض "بيان الخريف"؛ وهو موازنة عامة في كل تفاصيله ماعدا اسمه: "نحن نتخذ قرارات صعبة لمعالجة مشكلة التضخم والمحافظة على انخفاض أسعار الفائدة على الرهن العقاري. غير أنَّ خطتنا أيضاً تجعل الأزمة أقل عمقاً، وفواتير استهلاك الطاقة أقل تكلفة، ومعدل نمو الاقتصاد أعلى في المدى الطويل، ونظام الرعاية الصحية والتعليم أقوى".
تحاول حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك الدفع بإجراءات تهدف إلى استعادة الثقة وسط المستثمرين في قدرة بريطانيا على تحمّل الأعباء الضرورية لتجاوز التجربة الكارثية لتخفيض الضرائب بنسبة هائلة من جانب رئيسة الوزراء السابقة ليز ترَس.
محافظ بنك إنجلترا: أمامنا الكثير من العمل لتخطي تداعيات خطة ترَس
قال هَنت إنَّ هدف هذه الخطة هو تخفيض الدين العام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2027-2028، وكذلك من أجل أن يصبح اقتراض القطاع العام في الأعوام الخمسة القادمة تحت مستوى 3% من إجمالي الناتج المحلي.
المهمة ضخمة وهائلة، تتمثل في معالجة الأضرار الاقتصادية التي تسبّب فيها وباء كوفيد-19، والآثار الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا، والإدارة الكارثية السابقة على إدارة سوناك، المتمثلة برئيسة الوزراء ليز ترَس ووزير ماليتها كوازي كوارتينغ، إذ تسبّب برنامجها الضخم غير الممول لتخفيض الضرائب في انهيار قيمة الجنيه، وأحدث الفوضى في أسواق السندات.
هَنت -الذي عيَّنته ترَس بدلاً من كوارتينغ بهدف تهدئة غضب السوق، وأبقى عليه سوناك في منصبه – قد قام فعلاً بتعديل معظم هذه الخطة الضريبية قبل يوم الخميس. ورغم أنَّه قال إنَّ كوارتينغ كان محقاً في سعيه لزيادة معدل النمو، فقد أضاف أنَّ "تخفيض الضرائب دون توفير التمويل اللازم لذلك يعادل في خطورته زيادة الإنفاق دون توفير غطاء مالي".
على جانب النمو، قال هَنت إنَّه يرغب في تنشط قطاع الطاقة والبنية التحتية والابتكار. وسوف تعمل وزارة الخزانة على تنشيط قطاع الطاقة النظيفة وبرامج تحسين الكفاءة. وهي تحتفظ أيضاً بموازنة لتمويل مشروعات مثل تحسين خط السكة الحديدية السريع (HS2)، ومشاريع أخرى للنقل مع تجنيب مزيد من الموارد لأنشطة البحث والتطوير.
قال هَنت: "نحن بحاجة إلى تحسين قدرتنا على تحويل الابتكار الذي يحظى بمكانة عالمية إلى شركات لها مكانة عالمية، وتحويل بريطانيا إلى وادي السيليكون القادم".
أوضح وزير المالية أنَّ "مكتب مسؤولية الموازنة"، وهو الجهة المستقلة للرقابة المالية على الحكومة، يتوقَّع الآن أن ينكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.4% في السنة القادمة، في تخفيض للتقديرات الرسمية السابقة التي توقَّعت نمواً بنسبة 1.8%. وقام هو نفسه بتخفيض توقُّعات سنة 2024، وعزا ذلك إلى "الرياح المعاكسة في الأسواق العالمية"، وأهمها ارتفاع أسعار الطاقة الذي أشعلته حرب روسيا في أوكرانيا.
أضاف هَنت: "نريد ضرائب منخفضة وتمويلاً قوياً. غير أنَّ التمويل القوي ينبغي أن يتحقق أولاً لأنَّ التضخم يأكل في قيمة الجنيه الذي في جيوب الناس بطريقة أشد ضرراً من الضرائب".
الإسترليني يفاقم معاناة الأسواق البريطانية وسط إشارات بنك إنجلترا إلى ركود طويل الأمد
من بين الإجراءات الأخرى التي أعلن عنها هَنت أنَّ الحكومة سوف تواصل العمل على إنشاء محطة نووية جديدة (سايزويل سي) في شرق انجلترا، وتؤكد على التزامها بمشروع خط السكة الحديدية السريع (HS2) وتعتزم بناء المزيد من المستشفيات، بالإضافة إلى طرح خدمة الإنترنت فائق السرعة.
غير أنَّه أعلن كذلك أنَّ الإنفاق العام سينمو بوتيرة أبطأ من نمو الاقتصاد، وأنَّ موازنة الإدارات الحكومية ستشهد تخفيضاً في نفقاتها، موضحاً أنَّ ما يزيد على نصف الحزمة المالية مصدره خفض الإنفاق، وما يقل قليلاً عن نصفها مصدره زيادة الضرائب.
هذه لحظة مهمة بالنسبة إلى حكومة المحافظين، التي حصلت على تقييم أقل بنحو 20 نقطة من حزب العمال المعارض في استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات العامة القادمة.
غير أنَّ الموازنة بين زيادة الضرائب وتخفيض الإنفاق مسألة مهمة. فقد انخفض الإنفاق فعلاً على الخدمات العامة على مدى 10 سنوات من برنامج التقشف الذي طبّقته حكومة المحافظين، ولم يعد الناخبون يقبلون المزيد.
المملكة المتحدة تخفض الرسوم الإضافية على أرباح البنوك إلى 3% للحفاظ على التنافسية
في الوقت نفسه، تعتبر زيادة الضرائب لعنة بالنسبة لفلسفة المحافظين، وكانت هزيمة سوناك أمام ترَس في سباق الزعامة خلال الصيف الماضي بشكل جزئي نتيجة سجله كوزير للمالية وضع البلاد على مسار أعلى أعباء ضريبية في سبعة عقود.