كأس العالم 2022 يعيد إحياء سوق غير مستقرة لشهادات ائتمان الكربون

ملعب لوسيل في قطر
ملعب لوسيل في قطر المصدر: غيتي إيمجيز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدار ما يقرب من 10 سنوات تقريباً تحولت دولة قطر الصغيرة الغنية بالغاز إلى واحد من أكبر مواقع البناء. ففي سبيل الاستعداد لاستضافة كأس العالم في قطر الذي ينظمه الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) خلال نوفمبر الجاري، شيدت الدولة 7 ملاعب، وطرقاً جديدة وعشرات الفنادق. وفي وسط كل الانبعاثات الناتجة عن عمليات البناء الجديدة هذه، إضافة إلى الرحلات الجوية التي سيسافر على متنها اللاعبون والمشجعون، يمكن القول إن بطولة كأس العالم 2022 مهيأة لتكون أكبر مصدر على الإطلاق كثافة في انبعاثات الكربون.

تعهد منظمو كأس العالم بمحو الأثر البيئي السلبي للحدث، إذ يخططون لتحقيق البطولة "الحياد الكربوني" عن طريق شراء شهادات تعويض، التي يدفعون مقابلها نظرياً لإزالة الكربون أو تقليله في الغلاف الجوي للأرض.

لكن على أرض الواقع، فإن هذه الخطة معيبة بشدة. لأن قطر والفيفا غير قادرين على تخفيف الأثر البيئي للحدث فحسب، بل قد يضخمانه عن غير قصد أيضاً. قال الاثنان إنهما يريدان تحديداً شراء نحو 1.8 مليون شهادة تعويض من مجلس الكربون العالمي ومقره الدوحة، وبالتالي سيدعمان منظمة محلية جديدة التي تعتمد نوعاً من المشروعات غير القادرة على تلبية الحد الأدنى من المعايير المطبقة في أي مكان آخر بالعالم.

شهادات منخفضة الجودة

قال جيل دوفراسن، كبير مسؤولي السياسات في منظمة مراقبة سوق الكربون غير الربحية وهو مستشار محنك لمجلس نزاهة سوق الكربون الطوعية، إن الدول الخليجية تُصدق على شهادات ائتمانات الكربون التي "لن تشكل أي فرق إطلاقاً بالنسبة للانبعاثات العالمية. فما يقدّمه المجلس هنا يُعدّ تجاهلاً في أفضل الأحوال، وفي أسوأها محاولة واضحة لإنشاء مزيد من ائتمانات الكربون منخفضة الجودة والتكلفة مع إضافة وهم المصداقية".

أعمال البناء في استاد خليفة الدولي بالدوحة عام 2015
أعمال البناء في استاد خليفة الدولي بالدوحة عام 2015 المصدر: غيتي إيمجيز

أضاف دوفراسن أن المشكلة تكمن في أن المشروعات التي يوافق عليها مجلس التعاون الخليجي يمكن ربطها بتطورات الطاقة المتجددة في الدول متوسطة الدخل مثل الهند وتركيا وصربيا.

تقرير: الادعاء أن كأس العالم في قطر "أخضر" مُضلل

في الماضي، كان يمكن أن تولّد محطة للطاقة الشمسية أو الرياح أو الطاقة الكهرومائية شهادات ائتمان كربونية على أساس أن الإيرادات الإضافية تحفز المطورين على اتخاذ خطوات لاستبدال طاقة الوقود الأحفوري، وبدون شهادات ائتمان الكربون لن تُبنى مشروعات الطاقة المتجددة.

لكن لم يعد هذا هو الحال في معظم الدول الآن. ففي الفترة بين 2010 وحتى 2021، انخفضت تكلفة الطاقة المتجددة بنحو 90%. وأصبح هناك طلب كبير على طاقتي الشمس والرياح. ولم يعد المطورون بحاجة إلى حافز إضافي لبنائها. لذا، لا ينبغي عليهم إصدار شهادات ائتمان كربون تمنح الآخرين ترخيصاً لضخ انبعاثات جديدة في الغلاف الجوي من خلال مشروعات البناء الضخمة أو السفر الجوي على سبيل المثال.

الطاقة المتجددة

يوضح دوفراسن أن ذلك ينطبق على كل المشروعات باستثناء حالات قليلة ومحدودة، قائلاً: "يتعارض إصدار شهادات ائتمان الكربون لمشروعات الطاقة المتجددة الكبيرة في 2022 مع قواعد النزاهة الأساسية لأسواق الكربون".

هذا هو السبب في أن مؤسستي "فيرا" (Verra) و"غولد ستاندرد" (Gold Standard)، أكبر مصدرين في العالم لمشروعات تعويض الكربون، رفضتا مشروعات الطاقة المتجددة المتصلة بالشبكات الكهربائية في جميع الدول باستثناء أفقرها منذ 2019. وقال ديفيد أنتونيولي، الرئيس التنفيذي لشركة "فيرا": "توصلنا إلى استنتاج مفاده أن وجود تلك المشروعات في الدول الأقل نمواً فقط ما يزال يشكّل إضافة مجدية". ولفت إلى أن المؤسسة المتخصصة في التصديق على شهادات الائتمان حظرت بعض المشروعات "للتأكد من توجيه تمويل الكربون إلى حيث تشتد الحاجة إليه".

زيادة 40% في إيجار المنازل بقطر مع ارتفاع الطلب بسبب كأس العالم

تذهب مبادرة "الأهداف القائمة على العلم" إلى أبعد من ذلك، قائلة إنه يجب على الشركات فقط شراء التعويضات من المشروعات التي تزيل الكربون بشكل فعال من الغلاف الجوي، ولا ينطبق على الطاقة المتجددة هذا الوصف.

لكن مجلس التعاون الخليجي لا يؤيد هذا الأمر بشدة. ويقول كيشور راجانزا، الرئيس التنفيذي للعمليات، إنه يُقيّم كل مشروع على حدة، ويمكن أن تكون الطاقة المتجددة مصدراً شرعياً للتعويضات. وتابع: "الطاقة المتجددة هي أكبر نشاط منفرد لتخفيف آثار تغير المناخ للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية".

وتابع: "نحن مختلفون من حيث المبدأ مع القرار الذي اتخذته (فيرا) و(غولد ستاندارد) بإطلاقهما حكماً مطلقاً على جميع المشروعات في العالم المتقدم. نريد أن نمنح كل صاحب مشروع فرصة لإظهار الإضافة التي يقدّمها على حدة".

كأس العالم 2022 يسعى لانبعاثات صفرية

يعمل مجلس التعاون الخليجي على هذا الملف منذ 2019، واعتمد حتى وقت قريب عدداً قليلاً من المشروعات. لكن الدعاية الناتجة عن كأس العالم إلى جانب تشديد المعايير في أماكن أخرى، رفعت آفاق أعماله بشكل كبير. ويرى راجانزا أن التزام الفيفا واللجنة العليا باستضافة بطولة ذات انبعاثات كربونية صفرية، وطموحهما للحصول على شهادات ائتمان من المنطقة أعطى خطة دول مجلس التعاون الخليجي دفعة قوية.

حالياً هناك ما يقرب من 600 مشروع في انتظار موافقة مجلس التعاون الخليجي، والتي قدّمها مطورو المشروعات أو الوسطاء وليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه. قدمت شركة الطاقة الهندية "إيمرجنت فينشرز" (Emergent Ventures) مجموعة من مشروعات الطاقة الشمسية المتصلة بالشبكات الكهربائية إلى مجلس التعاون الخليجي للحصول على الاعتمادات. قال أتول سانغال، مدير "إيمرجنت فينشرز": "إنها الهيئة الوحيدة التي تسمح بتسجيل مشروعات الطاقة المتجددة. وهذا هو السبب الرئيسي وراء طلب اعتماد مجلس التعاون الخليجي".

أوضح راجانزا أن مجلس التعاون الخليجي قد يُصدر ما يصل إلى 400 مليون شهادة ائتمان على مدى العقد المقبل. وبأسعار اليوم، قد تصل قيمتها إلى نحو مليار دولار. وكلها تقريباً عبارة عن مشروعات طاقة متجددة، وتعتمد إما على منهجية دول مجلس التعاون الخليجي الخاصة أو تلك التي تنص عليها آلية التنمية النظيفة الصادرة عن الأمم المتحدة، وهي خطة أُنشئت في 1997 بموجب "بروتوكول كيوتو" وتُعتبر الآن قديمة و"بالية بحكم الواقع"، وفقاً لدوفراسن.

كيف يمكن بيع وشراء شهادات تعويض الكربون؟

يمكن شراء وبيع شهادات تعويض الكربون مع القليل من الإشراف. تعمل الأمم المتحدة والهيئات العالمية الأخرى على معايير عالمية، وتهتم الجهات التنظيمية بشكل متزايد بالتبادلات التي ظهرت لربط المشترين والبائعين.

حتى الآن، كان منظمو كأس العالم 2022 هم المشترون الوحيدون للاعتمادات التي صدّق عليها مجلس التعاون الخليجي، والتي تفرض رسوماً للتصديق على مشروعات تعويضات الكربون المملوكة للحكومة القطرية. رغم ذلك، فجميع المشروعات المعتمدة والمقدمة من قبل مجلس التعاون الخليجي تتوافق مع "شروط خطة تعويض الكربون وخفضه للطيران الدولي (كورسيا)"، ما يعني أنه يمكن استخدامها من قبل شركات الطيران للوفاء بالتزاماتها التعويضية بموجب المخطط الذي يحمل هذا الاسم.

4.7 مليار دولار أرباح FIFA المتوقعة من مونديال قطر 2022

رداً على أسئلة طُرحت هذا الشهر، قال "الفيفا" إن جميع منظمي الحدث –وهم: "الفيفا"، واللجنة العليا، ولجنة قطر 2022- سيقررون بشكل مستقل ما إذا كانوا سيشترون شهادات التعويض وموقعها. ويقول الفيفا الآن إنه لن يشتري شهادات التعويض المُصدق عليها من قبل مجلس التعاون الخليجي.

تشديد القواعد

قالت اللجنة العليا إنها دعمت مساهمة مجلس التعاون الخليجي في 2016 بالعمل المناخي الإقليمي، لكن المجلس يعمل الآن كمنظمة مستقلة. وأضافت: "كانت الاستدامة معياراً مشتركاً في جميع خططنا وعملياتنا"، والتي تشمل محطة جديدة للطاقة الشمسية، ومشتل للأشجار، ومساحات خضراء، وحافلات كهربائية.

أثار دخول مجلس التعاون الخليجي في القطاع دعوات جديدة لسن قواعد تنظيمية عالمية لسوق الكربون الطوعية، مما يضع معياراً مشتركاً ذا مستوى مرتفع أمام شهادات الائتمان التي يمكن الادعاء بمصداقيتها لتعويض الانبعاثات. وحتى إذا شدد مجلس التعاون الخليجي معاييره بما يتماشى مع الهيئات الأخرى، فلا يوجد ما يمنع ظهور منظمة أخرى للتصديق على ائتمانات الطاقة المتجددة، وطالما جرى "التحقق" من التعويضات، فإن الشركات ستشتريها وتطبقها على أهداف صافي الانبعاثات الصفرية.

إنفوغراف.. لاعبو المنتخبات العربية الأعلى قيمة في المونديال

قال يورغ فوسلر، الشريك الإداري في "إينفراس" (INFRAS)، وهي شركة استشارية للاستدامة، وعضو سابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة حول منهجيات ائتمان الكربون: "إذا لم نطبق قواعد ورقابة أكثر صرامة، لن تلعب (السوق) دوراً مهماً في الوصول إلى أهداف اتفاقية باريس. ولو فعلنا خلاف ذلك، قد ينتهي الأمر بتسهيل إطلاق مزيد من الانبعاثات".

اختتم فوسلر أن مشتري شهادات الائتمان منخفضة الجودة "يحولون الموارد والانتباه عن أنشطة تخفيف الأثر البيئي الضرورية بحق، والتي تشكل إضافة فعلية"، كما يفشلون في التحرك نحو تخفيضات الانبعاثات المؤثرة.