العالم الذي يُعايِش وباء "كورونا" يُعاني نقصاً في التغذية

يتعرض الأطفال الذين يعانون من الجوع لعواقب اقتصادية طويلة الأمد
يتعرض الأطفال الذين يعانون من الجوع لعواقب اقتصادية طويلة الأمد تصوير: بيدرو فيليلا / جيتي إيماجيس
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ساعد الحصاد الوفير والمخزونات الصحية الوافدة في 2020 على تفادي أسوأ مخاوف الأمن الغذائي الناجمة عن جائحة "كوفيد-19"، إذ كانت السلع الأساسية وفيرة بما يكفي، وكان النفط أيضاً رخيصاً بما يكفي لتفادي تكرار أزمة 2007-2008، كما أنَّ خطوط التوريد بقيت صامدة. ,لكن بشكل رئيسي، عانى العالم للتوفير، سواء نتيجة بقاء العمال المهاجرين في المنزل، أو عدم ذهاب الأطفال إلى المدرسة، أو بسبب فقدان العمال وظائفهم في الأسواق الناشئة والمتقدِّمة على حدٍّ سواء. ولذلك فإنَّ العواقب الاقتصادية سوف تستمر.

تضخُّم أسعار الغذاء

وقبل أكثر من عقد، اجتمعت المخزونات المنخفضة، والمحاصيل الفاسدة، وأسعار النفط المرتفعة (التي تزيد الطلب على الوقود الحيوي، وتزيد تكاليف الواردات)، وتسبَّبت في تضخُّم أسعار الغذاء، ولعبت أيضاً عمليات حظر المواد المستوردة دوراً في ذلك.

وعلى الرغم من أنَّه من المبهج تفادي نتيجة كهذه في مثل هذه السنة القاتمة التي يعيشها العالم، فقد كانت بالطبع هناك موجات طفيفة من الهلع، إذ هرع المستهلكون إلى رفوف المتاجر الفارغة في الأشهُر الأولى، في حين أنَّ البلدان المماثلة لفيتنام، أحد أكبر مستوردي الأرز في العالم، وكازاخستان (مُنتِج مهمٌّ للقمح والطحين)، فرضت قيوداً على الشحنات المصدرة منها.

وكانت هناك اضطرابات أيضاً، لا سيَّما عندما غدت المسالخ ومعامل اللحوم المكتظة بالعمال بُقعاً ساخنة للفيروس.

من جانبها، أشارت رئيسة بحوث السلع الغذائية في "فيتش سولوشينز" أوريليا بريتش إلى أنَّ النظام العالمي أثبت مرونة بارزة بشكل عام، وذلك نظراً إلى التبادل التجاري المستمر، والتعاون الدولي السائد.

وقالت بريتش، إنَّ مخزونات الطعام الضخمة والأسعار المنخفضة قد ساعدا على ذلك، مضيفة أنَّ الصورة كانت ستختلف تماماً لو أنَّ فيروس كورونا قد ظهر في 2011. ومع ذلك، فإنَّه إنجاز مرحَّب به، نظراً إلى أنَّ 80% منَّا يعتمدون في غذائهم على الواردات.

عوامل مؤثرة في المحاصيل

والخبر السيئ في ذلك هو أنَّ الضغوط لا يمكن تجنُّبها بسهولة، إذ لا تزال أسعار المواد الغذائية منخفضة نسبياً بحسب التاريخ، كما أنَّ عوامل أخرى عالمية قد تؤثر في هذا المحصول في وقت لاحق، إذ زادت الصين مشترياتها في الآونة الأخيرة (بسبب مشكلات صناعة لحم الخنزير المتعلِّقة بتفشي حمى الخنزير الإفريقي بشكل كبير، وازدياد الطلب على العلف)، في حين أنَّ الحكومات الحذرة، والمعتمدة على الاستيراد مثل مصر تُراكِم الاحتياطيات.

وأضرَّ الطقس غير الموسمي في الولايات المتحدة بمشهد المحاصيل هناك، في حين أنَّ موجات الجفاف قد ضربت روسيا وأمريكا الجنوبية. وتكاليف الطعام العالمية المُتَحكَّم بها أوقفت زيادة التضخم في الهند، وباكستان، وفي أماكن أخرى مع انقطاع الإمدادات.

ومع عودة الإقفال التامّ الناتج عن زيادة حالات فيروس كورونا في القسم الشمالي من الكرة الأرضية، من المحتمل أن تسوء التغذية العالمية قبل أن تبدأ بالتحسُّن.

ميزانية الأسرة لم تعد كافية

ولا يزال الأمر المقلق بشكل أكبر يكمن في أنَّه على الرغم من أنَّ المواد الغذائية المنتجة والمخزونات لا تزال كافية، لم تعُد ميزانية الأسرة كذلك. فحتى قبل الجائحة، كان العالم جائعاً.

وقدًّر تقرير نشرته في يوليو منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) أنَّ نحو 690 مليون شخص عانوا من نقص في التغذية في 2019، وذلك بزيادة بـ10 ملايين شخص عن السنة التي تسبقها، وبزيادة بنحو 60 مليونًا عن السنوات الخمس السابقة.

ويعني هذا أنَّه في هذه الفترة لم يمتلك نحو 750 مليون شخص منَّا (شخص من بين 10 أشخاص) إمكانية وصول موثوقة للطعام.

وزادت جائحة كورونا بدورها من سوء هذا الألم، ويتجلَّى ذلك بشكل أكبر في الأسواق الناشئة، مع الأعداد الغفيرة بها من العمال غير الرسميين، والمهاجرين العاملين هناك، في حين قدَّر بنك التنمية الآسيوي في أغسطس أنَّ الاقتصاد العالمي قد يخسر أكثر من 100 مليار دولار من التحويلات في 2020، وقد تشهد منطقة آسيا والمحيط الهادي وحدها حوالات من الخارج أقل بخمسة مستويات عن 2018.

انخفاض التحويلات من الشرق الأوسط

ويعود ذلك بشكل كبير إلى انخفاض المبالغ المرسلة من الشرق الأوسط، إذ تضرَّر هناك قطاعا السياحة والترفيه، وهما معاً يولًّدان دخلاً مهماً لكثير من الدول، في حين أنَّ الاقتصادات المصدِّرة للنفط، وجدت خزائن النفط فارغة مع معاناة أسعار النفط الخام.

كذلك فإنَّ بلداناً مثل إندونيسيا والبرازيل تواجه عبئاً مزدوجاً مع سكان يعانون من سوء التغذية والسمنة في آنٍ معاً، وذلك بسبب المواد الغذائية الرخيصة، والفائقة المعالجة المتاحة في كل مكان، لتخلق بذلك قنبلة سوء تغذية للصحة العامَّة، والاقتصاد العالمي الذي يزداد سوءاً في ظلِّ ضغوط 2020.

ارتفاع تكلفة النظام الغذائي الصحي

ويمكن القول، إنَّّه بالنسبة إلى أكثر من 3 مليارات شخص في العالم يُعَدُّ الطعام المغذي مرتفع الثمن، وكان تقرير الأمم المتحدة لشهر يوليو أوصى بنظام غذائيٍّ صحيٍّ، تضمَّن منتجات ألبان، وفاكهة، وخضراوات، وبروتينات مكلفة. هذه المنتجات تُعَدُّ أكثر كلفة بخمسة أضعاف من السعر المطلوب لتلبية احتياجات الطاقة بواسطة النشويات.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على البلدان الأقل ثراءً، ففي الولايات المتحدة شهدت بنوك الطعام زيادة في الطلب، وفي المملكة المتحدة قاد نجم كرة القدم ماركوس راشفورد حملة لجمع الوجبات الغذائية المجانية للأطفال، فيما كانت المدارس مغلقة.

ويبقى القول، إنَّ مشكلة انتشار سوء التغذية الواسع تكمن في أنَّ العواقب الصحية والاقتصادية الأوسع له تستمر في البقاء، وتُظهِر دراسات أكاديمية استمرَّت لعقود أنَّ المواطنين الذين يعانون سوء التغذية والسمنة معاً يضعون كثيراً من التكاليف على عاتق الحكومات، لأسباب ليس أقلّها الأمراض المترتبة على ذلك، مثل مرض السكَّري.

وقدَّر البنك الدولي سابقاً الرقم الخاص بإندونيسيا بنسبة 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي. وبغضِّ النظر، وعدا عن تكلفة العلاج الصحي لهم، تؤخذ في الاعتبار الإمكانيات المهدورة للأطفال الذين يعانون من نظام غذائيٍّ سيئ، إذ يرتبط توقُّف النمو في كثير من الأحيان، الذي يتسبَّب به سوء التغذية، بنموٍّ إدراكيٍّ، وإمكانية تعلُّم أضعف. ومع ذلك، يمكن بدء معالجة سوء التغذية من خلال توزيع وجبات غذائية مجانية على الأطفال في المدارس.

وكانت دراسة نُشرت في صحيفة "لانست" (Lancet) أشارت العام الماضي إلى تحسُّن في مؤشر الكتلة الجسدية والطول في المدارس نتيجة توفير برامج إفطار للطلاب بها. وأشار تحليل توضيحيٌّ لبحث في غواتيمالا، وإندونيسيا، ونيجيريا إلى أنَّ النتائج الإيجابية لهذا النوع من المشاريع الهادفة إلى تحسين الأنظمة الغذائية، كانت أكبر من تكاليفها، وذلك بفضل نموِّ القدرة على التعلم، والأرباح المستقبلية المرتبطة بذلك اقتصادياً، وتفادي الوَفَيَات المبكرة الناتجة عن السمنة أيضاً. ففي إندونيسيا على سبيل المثال، سجَّل عائد برامج التغذية أكثر من أربعة أضعاف التكلفة، وكان ذلك قبل وقوع كارثة كورونا الأخيرة. ويجب على الحكومات أن تتعلَّم من ذلك.