مفاجآت إفلاس "إف تي إكس" تضغط على مقرضي العملات المشفرة

شركات الإقراض ساهمت في آخر موجة صاعدة بسوق الكريبتو

موقع "إف تي إكس" على جهاز كمبيوتر محمول.
موقع "إف تي إكس" على جهاز كمبيوتر محمول. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان التوأمان وينكلفوس، المُجدِّفان الأوليمبيان وزملاء مارك زوكربيرغ خلال الدراسة بجامعة هارفارد، هما من جعلا رايان هوربان يشعر بالاطمئنان بما يكفي لكي يدخل عالم إقراض العملات المشفرة المحفوف بالمخاطر.

كان الخوف من تفويت فرصة الاستثمار في أقوى مراحله أوائل العام الماضي، وهوربان كشف في تغريدة تلو الأخرى على صفحته عن الثروات التي بدا وكأن الجميع يُكوِّنونها. غامر هوربان واستثمر بعض العملات في "جيميني إيرن" (Gemini Earn)، وهو برنامج يملكه الأخوان وينكلفوس دفع للمودعين أسعار فائدة بلغت 7.4% في فترةٍ ما.

قال هوربان، البالغ من العمر 40 عاماً وهو من سكان كاليفورنيا ويعمل في مجال التجارة الإلكترونية: "هناك الكثير من اللاعبين الفاسدين في المجال". لكنه أضاف أن كاميرون وتايلر وينكلفوس "اسمان لهما مصداقية".

كاميرون وينكلفوس، رئيس شركة "جيميني تراست" ومؤسسها المشارك، خلال حديثه بمؤتمر "بتكوين" لعام 2021 في ميامي، فلوريدا.
كاميرون وينكلفوس، رئيس شركة "جيميني تراست" ومؤسسها المشارك، خلال حديثه بمؤتمر "بتكوين" لعام 2021 في ميامي، فلوريدا.

تبعات انهيار "إف تي إكس"

ثم حدث ما لم يخطر على البال: "إف تي إكس"، التي تُعدّ واحدة من أكثر العمليات المعروفة وذات النفوذ في عالم العملات المشفرة، بدأت تنهار. شعر هوربان بالخوف. فقدّم طلباً بسحب عملاته، التي تبلغ قيمتها بضعة آلاف من الدولارات، من شركة "جيميني تراست" (Gemini Trust) في 10 نوفمبر.

لم يكن هوربان موفقاً. مثله مثل مئات الآلاف غيره ممن جذبتهم نسخة عالم العملات المشفرة من بنوك الظل، عالية المخاطر وكبيرة العوائد، لم يتمكن هوربان من استرداد رموزه بعد.

"جينيسيس" للعملات المشفرة تعلق السحب في ذراع الإقراض الخاصة بها

يُصِر مُبشِّرو قطاع العملات الرقمية أن مشكلات كهذه هي ببساطة مصاعب النمو التي، رغم أنها مؤسفة، تُعَد دروساً قيّمة ستجعل مشروعات الإقراض أكثر مرونة في المستقبل.

لكن الحفلة قد انتهت، وذلك بالنسبة للمستثمرين مثل هوربان، الذين يخافون من الخسارة، وحتى لهؤلاء الذين تجنبوا حتى الآن أسوأ تداعيات انهيار "إف تي إكس".

معاناة قطاع العملات المشفرة

يسبب الإقبال الشديد على سحب الأموال معاناة للقطاع ويلقي بظلال الشك على مستقبل مشروعات الإقراض التي ساعدت على النمو هائل السرعة في التكنهات المتعلقة بالأصول الرقمية.

رغم كل التقنيات الحديثة الفاعلة، تشبه أزمة العملات المشفرة هذه نوبات الذعر المالية التي وقعت منذ أكثر من قرن، عندما اقتحم رجال ذو مراكز عالية، البنوك في محاولات يائسة للحصول على مدخراتهم.

هروب مليارات الدولارات من بورصات الرموز بعد انهيار "إف تي إكس"

هذه الأيام، التكالب على بنوك العصر الرقمي لم يشلّ "إف تي إكس" فقط، بل أيضاً مجموعة متنامية الأنشطة الحديثة ذات الأسماء البرّاقة، من "بلوكفاي" إلى "جينيسيس" (Genesis). وكما كان الحال مع البنوك المنهارة في القرن التاسع عشر، ليس هناك مؤسسات، مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي أو مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية (FDIC) للتدخل وإعادة الهدوء، فيما يتخلل الذعر هذا النظام المالي الناشئ.

باري سيلبرت، مؤسس مجموعة "ديجيتال كارنسي" ورئيسها التنفيذي، يتحدث خلال مؤتمر "سكايبريدج ألترناتيفز" (SALT) في لاس فيغاس بولاية نيفادا.
باري سيلبرت، مؤسس مجموعة "ديجيتال كارنسي" ورئيسها التنفيذي، يتحدث خلال مؤتمر "سكايبريدج ألترناتيفز" (SALT) في لاس فيغاس بولاية نيفادا. المصدر: بلومبرغ

مشكلات سابقة

بدأت المشكلات في وقت سابق من العام الجاري، عندما بخّر انهيار "بلوكتشين" شركة "تيرا"، وأحد تطبيقاتها التي كانت تُقدِّم عائدات تبلغ نحو 20%، قرابة 60 مليار دولار من قيمة الرموز، وساهم في انهيار صندوق التحوط "ثري آروز كابيتال" (Three Arrows Capital) وشركة الإقراض "سلسيوس نتوورك" (Celsius Network) وشركة الوساطة "فويجر ديجيتال" (Voyager Digital).

"جينيسيس" مقرضة العملات المشفرة تؤكد انكشافها على صندوق "ثري آروز كابيتال" المفلس

اندلعت موجة أخرى من العدوى هذا الشهر مع انهيار "إف تي إكس"، إذ رفعت إمبراطورية سام بنكمان-فريد دعوى إفلاس، وأسماها الرجل الذي أشرف على تصفية شركة "إنرون" أكبر إخفاق في ضوابط الشركات رآه في حياته المهنية.

"جينيسيس"، وهي شركة وساطة بارزة للأصول الرقمية وجزء من مجموعة "ديجيتال كارنسي" (Digital Currency Group)، التي أسسها باري سيلبرت، كشفت أن لها أموالاً محتجزة في حساب بـ"إف تي إكس" تبلغ 175 مليون دولار. بعد ذلك بفترة قصيرة، أوقفت الشركة سداد الديون. كان على "جيميني"، التي تدرج "جينيسيس غلوبال" (Genesis Global) على أنها المقترض الوحيد المعتمد، تأجيل عمليات السحب من منتج العائد لصغار المستثمرين.

تضخم أزمات القطاع

قال جون غريفين، أستاذ المالية بجامعة تكساس في أوستن: "قطاع العملات المشفرة لديه أيضاً نفس المشكلات مثل قطاع المالية التقليدي فيما يتعلق بمخاطر الطرف المقابل. لكن المشكلات تتضخم هنا لأنه لا يوجد بنك احتياطي فيدرالي يقدم الدعم ولا إطار عمل تنظيمي مترابط".

كما هو الحال خلال أي أزمة، بعض المنصات متماسكة أكثر من غيرها. قالت منصة "نيكسو" (Nexo) المُقرِضة إنها ليس لديها صافي انكشاف على "إف تي إكس" وشركة تداول "ألاميدا ريسيرش" المملوكتين لبنكمان-فريد. كما قالت شركة "ليدن" (Ledn)، وهي مقرض آخر، إنها "ليس لديها انكشاف على (جينيسيس) وتعمل بكامل قواها"، كما أنه "لا تأثير على أصول عملائنا" من القرض القائم لـ"ألاميدا" وأصول الشركة في "إف تي إكس".

رغم ذلك، يقلق الكثيرين في القطاع أن العدوى ستنتشر إلى عدد أكبر من الشركات التي تعمل كوسيط لإقراض العملات المشفرة. تُعرَف هذه الشركات بأنها عمليات التمويل المركزي، على عكس بروتوكولات التمويل اللامركزي التي قد تكون فقط تشكيلة من اللوغاريتمات الآلية في السحابة.

ضاع كل شيء.. مستثمرون في بورصة "إف تي إكس" يستعدون للخسائر

يقول سيدني باول، الرئيس التنفيذي لـ"مابل فاينانس" (Maple Finance)، وهي سوق رأس مال من العملات المشفرة أُصدِرَت فيها قروض بقيمة 1.9 مليار دولار: "نحن لا نعرف مدى متانة مقرضي التمويل المركزي الآخرين، وذلك باختيارهم. الميزانيات العمومية مبهمة، وليس من الواضح ما هي الأصول الموجودة في حوزتهم وكيف تُستخدَم أموال العملاء. عندما تترك الإشراف على أصول العملاء التي تُقدَّر بمليارات في أيدي البشر، دون أي شفافية أو رقابة، في الكثير من الأحيان تأتي مصالح العملاء ثانياً".

تحذير مسبق

بالفعل، بالنسبة للكثيرين في التمويل اللامركزي، الذين يثقون بهذه اللوغاريتمات المنطقية التي تتسم بالشفافية أكثر من الشركات المركزية التي يديرها بشر، فإن أحدث المشكلات بمثابة لحظة "التيقن أننا كنا على صواب".

قال كريس زويلكه، المدير العالمي لـ"كامبرلاند"، فرع العملات المشفرة لعملاق التداول "دي آر دبليو" (DRW) الذي يتخذ شيكاغة مقراً له، إنه عندما بدأت "سلسيوس" و"فويجر" تواجهان المشكلات، كان من الصعب تحديد متانتهم المالية، لأن كل المعلومات ذات الصلة لم تكن متاحة في "بلوكتشين" بما يمكن أي شخص الإطلاع عليه.

تُظهِر تدفقات الأموال أن الآن، ومع تعريض إفلاس "إف تي إكس" لأموال مجموعة أخرى من العملاء للمخاطر، يتحول بعض مستثمري العملات المشفرة إلى التمويل اللامركزي لتجنب مصير مشابه.

بالطبع، للتمويل اللامركزي مخاطره. كان بروتوكول "أنكور" (Anchor) للإقراض، التابع لـ"بلوكتشين" الخاص بـ"تيرا"، فعلياً، مشروعاً للتمويل اللامركزي، رغم أن تحكم دو كوون و"تيرافورم لابس"، التي أسسها كوون، فيها كان يعني أنها لم تكن بالضبط العالم المثالي في التمويل اللامركزي الذي يفضله المؤيدون.

كيف أصبح عملاق الكريبتو السابق دو كوون هارباً من العدالة؟

رغم ذلك، كانت المعاملات شفافة ويمكن للكل رؤيتها، ولم يجر إيقاف عمليات السحب، كما لم تتدخل محاكم الإفلاس على الإطلاق. كل ما في الأمر هو أنها عندما انهارت، جرت عمليات السحب هذه ببنسات عن كل دولار، أو أقل، مقارنةً بما استثمره المودعون.

أزمات ثقة

لكن سؤال المليون "بتكوين" هو: هل سيكون المستثمرون العاديون الذين تأثروا بأحدث أزمة على استعداد للمغامرة في متاهة التمويل اللامركزي والثقة في هذه اللوغاريتمات، التي، رغم شفافيتها، ما تزال عرضة للقرصنة وتلاعب السوق، أكثر من الاشخاص ذوي النفوذ، مثل التوأمين وينكلفوس؟

فيما ينتظر الجميع الأمر الذي من المحتم وقوعه، انسحبت السيولة من أسواق العملات المشفرة. أغلب كبار المقرضين أعلنوا إفلاسهم أو أصبحوا على الحافة. ساهم الإقراض، بشكل كبير، في آخر سوق صاعدة في قطاع العملات المشفرة.

"بلوك فاي" تدرس طلب الحماية من الإفلاس بعد انهيار "FTX"

بعض المستثمرين الأفراد، مثل هوربان، لم يتخلوا عن القطاع تماماً. رغم ذلك، فهو ليس مستعداً لترك عملاته في حسابات بالبورصات. شعار "ليست مفاتيحك وليست عملاتك" الذي تبنّاه أول مستخدمي العملات المشفرة، ويشير إلى مفاتيح المرور المطلوبة لإثبات ملكية العملات على "بلوكتشين"، يعود إحياؤه، فيما يستوعب الجميع أن هذه المفاتيح كانت في يد أمثال "إف تي إكس" و"جيميني" بدلاً من المستثمرين الذين كانوا يملكون حسابات في هذه الشركات.

ينقل الكثيرون رموزهم إلى أقراص صلبة غير متصلة بالإنترنت، وهو المقابل لحفظ مدخراتك تحت المرتبة بدلاً من في البنك.

تايلر وينكلفوس، رئيس شركة "جيميني تراست" ومؤسسها المشارك، يستمع خلال مؤتمر "بتكوين" لعام 2021 في ميامي، فلوريدا.
تايلر وينكلفوس، رئيس شركة "جيميني تراست" ومؤسسها المشارك، يستمع خلال مؤتمر "بتكوين" لعام 2021 في ميامي، فلوريدا. المصدر: بلومبرغ

مدخرات محتجزة

في بروكلين، تفكر سام روزنباوم في أموالها المدخرة، التي تبلغ 30 ألف دولار، من العملات المشفرة المحتجزة في حساب بـ"جيميني".

رأت روزنباوم، البالغة من العمر 31 عاماً والتي تعمل في مجال رأس المال المغامر، أيضاً أن اسم "وينكلفوس" علامة على الثقة في "جيميني"، عندما كان الأمر متعلقاً بتلك العوائد التي كانت أعلى بكثير مما يمكن تحقيقه في حساب بنكي تقليدي. (لم ترد ناتالي ريكس، وهي متحدثة باسم "جيميني" فوراً على طلب بالتعليق).

كان نحو 22 ألف دولار من حساب روزنباوم بدولار "جيميني"، وهو رمز اعتقدت أنه أقل مخاطرة لأنه مربوط بالدولار الأميركي بواقع واحد إلى واحد، وليس أحد الرموز التي تتغير قيمتها بشكل كبير. قالت روزنباوم إنها غالباً ستتمسك بالاستثمارات التقليدية، مثل العقارات، في المستقبل.

أوضحت روزنباوم: "ستمر فترة طويلة قبل أن استثمر في منتج إقراض مرة أخرى". أضافت: "كنت أتجنب كل المشكلات، واعتقدت أن ما لدي هي الأفضل. لكن ربما لا يكون هناك واحدة جيدة".