ماذا يعني قبول "كوفيد" كمرض متوطن؟

يتمثل أفضل السيناريوهات في توقف العدوى عن ممارسة الضغط على أنظمة الرعاية الصحية واستقرار الحياة اليومية

عامل رعاية صحية يجمع عينة مسحة من أحد المقيمين لإجراء اختبار "كوفيد-19" في شنغهاي، الصين.
عامل رعاية صحية يجمع عينة مسحة من أحد المقيمين لإجراء اختبار "كوفيد-19" في شنغهاي، الصين. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

انتهت معظم دول العالم من مرحلة الخوف من "كوفيد-19"، لكن الفيروس نفسه لم ينته على ما يبدو. فقد ألغت الدول القيود المصممة لاحتواء كورونا المسبب لكوفيد في 2022– مع وجود استثناء جدير بالملاحظة في الصين. وحتى الصين نفسها، خففت قواعدها الصارمة قليلاً. وفي أغلب الدول، كان القادة السياسيون وناخبوهم، حريصين على التحول إلى قبول كوفيد كمرض متوطن، مثله مثل الأنفلونزا الموسمية، رغم أن منظمة الصحة العالمية واصلت تصنيف "سارس–كوف-2" باعتباره حالة طوارئ صحية عامة تثير المخاوف الدولية.

الصين تخفف قيود الحجر الصحي والرحلات الجوية في حربها على "كوفيد"

1) ماذا يعني المرض المتوطن؟

"الوباء" هو ظهور مرض في موقع واحد، وتحوله فيما بعد إلى جائحة إذا انتشر عالمياً. وعندما تتباطأ أعداد الحالات الجديدة ثم تستقر وتقل، يُعتبر المرض متوطناً. وقد تطرأ ارتفاعات في الحالات رغم ذلك. ويمكن أن تؤدي الأمراض المتوطنة إلى خسائر فادحة. فالوجه الآخر من فيروس"سارس–كوف-2" والذي يجري قبوله الآن حول العالم، هو أنه لا يوجد مكان آمن. ما اختفى هو فقط، عنصر المفاجأة.

انتعاش اقتصاد الصين أمام اختبار صعب مع استمرار تفشي "كورونا"

عوضاً عن ذلك، ظهرت معادلة جديدة، وهي أن المجتمع أصبح على دراية بأنه مضطر إلى التعايش مع مسببات المرض، والكفاح في ظل المستوى الأساسي لانتشاره، مع الاستعداد لاحتمال تفشيه من جديد مستقبلاً. وفي أفضل السيناريوهات المأمولة، تتوقف العدوى عن ممارسة الضغط على أنظمة الرعاية الصحية، وتنخفض معدلات الوفيات، وتقل الاضطرابات في الحياة اليومية، مثل إغلاق المدارس والشركات.

2) كيف يحدث ذلك؟

استمر الارتفاع الكبير في الحالات المؤكدة للإصابة بفيروس "سارس-كوف-2" بشكل ملحوظ مع اقتراب نهاية 2022. أصاب المرض مليوني شخص تقريباً حول العالم في الأسبوع الأول من نوفمبر، وهذا أقل من العدد الحقيقي، نظراً لأن العديد من الحالات يجري التحقق منها الآن باستخدام الاختبارات المنزلية ولا يتم إبلاغ السلطات عنها مطلقاً. رغم ذلك، اعتبرت غالبية دول العالم كوفيد مرضاً مستوطناً بفضل تطورين، هما: انتشار متحول أوميكرون من فيروس كورونا، وهو أقل خطراً من "سارس-كوف-2"؛ وبناء المناعة التي قللت بشكل أكبر من فرص إصابة الأشخاص بمرض خطير عند التقاط العدوى. والمناعة المتراكمة تأتي نتيجة تلقيح الأشخاص و/أو الإصابة بفيروس "سارس-كوف-2" والنجاة منه.

المساواة في الحصول على اللقاحات والعلاج أولوية عالمية لمكافحة كورونا

بدءاً من منتصف نوفمبر الجاري، انخفض عدد الوفيات المؤكدة يومياً بسبب كوفيد إلى 0.18 لكل مليون شخص على مستوى العالم، مقارنة بذروة الوفيات التي تزيد بـ10 أضعاف على هذا الرقم، والتي سُجلت في يناير 2021. يعني هذا أنه ما يزال هناك الكثير من الناس -1400 تقريباً- يموتون يومياً بسبب المرض قبل حلول فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي، ما ينذر باحتمال تفشي المرض بشكل موسمي كما هو معتاد لفيروسات الجهاز التنفسي. وإذا استقر المعدل عند هذا المستوى، فإن كوفيد سيُصنف في مرحلة وسط بين الملاريا ومرض باركنسون، باعتباره المرض الـ17 الأكثر فتكاً على مستوى العالم، استناداً إلى بيانات عام 2019 الخاصة بأمراض أخرى.

3) ما سوابق اعتبار الفيروسات أمراضاً متوطنة؟

أكثر الأمثلة التي يُستشهد بها عادةً في حالة فيروسات الجهاز التنفسي التي تحولت إلى مرض متوطن، هو الفيروس الذي تسبب بجائحة الإنفلونزا في عام 1918. وما تزال عناصر سلالة الإنفلونزا هذه التي يرمز إليها بـ(A/H1N1) تتنقل حتى يومنا هذا، كما أن سلالات الأنفلونزا التي تسببت بتفشيات في أعوام 1957، 1968، و2009 (إنفلونزا الخنازير) جميعها مؤهلة لاعتبارها كذلك. وتُعدّ 4 فيروسات كورونا أخرى أمراضاً متوطنة، إذ تظهر على شكل الأنفلونزا الموسمية، ويُعتقد أنها مسؤولة عن جزء كبير من التهابات الجهاز التنفسي لدى البالغين والأطفال. أما فيروس كورونا الأصلي "سارس" (SARS)، والذي ظهر للمرة الأولى في آسيا عام 2003، فلم يُعتبر قط مرضاً متوطناً لأنه قُضي عليه بشكل فعال من خلال تطبيق تدابير صحية عامة صارمة.

4) ماذا عن نهج الصين؟

بعيداً عن قبول كوفيد كمرض متوطن، اتبعت الصين سياسة مكافحة كل تفشٍّ من خلال سيل من الفحوصات الطبية الموجهة، ومتابعة خط سير المصابين وحجرهم صحياً، وكملاذ أخير لجأت إلى الإغلاق الكامل للمدن، وهذا ما أدى إلى أقل عدد من الوفيات المؤكدة بسبب كوفيد على مستوى العالم، باستثناء بوروندي وكوريا الشمالية. خففت الصين بعض قيودها في نوفمبر، لكن بشكل متواضع. وبما أن نهجها ينطوي على خسائر اقتصادية بالغة، فإن التخلي التدريجي عنه يطرح تحديات هائلة. واعتمدت الصين في عمليات التطعيم ضد كوفيد على اللقاحات المطورة محلياً فقط، وهي غير فعالة مقارنة بلقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي تشكل الدعامة الأساسية لجهود التطعيم العالمية. وحينما أصبحت اللقاحات الصينية متاحة في البداية، تجنبها كبار السن داخل الدولة إلى حد كبير، خوفاً من أنه جرى تطويرها على عجالة. وعندما تبين أن الجرعات آمنة في أماكن أخرى، ازداد الإقبال عليها بين الفئات الأكثر ضعفاً في الصين.

القيادة الجديدة في الصين تدعم نهجاً أكثر استهدافاً لـ"صفر كوفيد"

بسبب أن العدوى كانت منخفضة جداً، فإن عدداً قليلاً من الناس شكلوا مناعة عن طريق الإصابة بفيروس "سارس–كوف-2"، ومن ثم القضاء عليه. وبحسب دراسة أجراها باحثون من جامعة فودان في شنغهاي في 2022، فإن السماح لفيروس كوفيد بدخول البلاد والانتشار بما يكفي للوصول إلى مستويات يمكن بعدها اعتباره مرضاً متوطناً، قد يؤدي إلى "تسونامي" من الإصابات، وإلى 1.6 مليون حالة وفاة.

5) ما هي النظرة المستقبلية بالنسبة لباقي العالم؟

بالنظر إلى أن معظم دول العالم تخلت عن سياسات تخفيف القيود التي من شأنها حصر الفيروس، فإن المستقبل سيعتمد على كيفية تطوره، ذلك لأن تفتت متحول أوميكرون إلى سلالات جديدة مؤهلة، قد تنتج عنه نسخ أكثر ضراوة قادرة على اختراق المناعة الموجودة حالياً. ويطالب بعض خبراء الصحة السلطات بالاستعداد للسيناريو الأسوأ، وذلك مثلاً عبر إجراء فحوصات شاملة لمياه الصرف الصحي لاقتفاء علامات ظهور الفيروس، وتتبع السلالات المتحولة منه. من الممكن أيضاً أن يؤدي تطور الفيروس إلى تقليل تأثيره بشكل أكبر، والأمر ذاته سيحدث في حالة تطوير لقاحات ذات فاعلية أقوى. وإذا استطاع التطعيم طويل الأمد الذهاب أبعد من مجرد الوقاية من الأمراض الخطيرة، ومنع انتقال العدوى أيضاً، عندها سيصح القول إن فيروس كورونا تم ترويضه بالفعل. وحالياً يعمل العلماء على تطوير أساليب جديدة، لكن لا يُتوقع لها أن تصل الأسواق قبل سنوات عدة.