خبراء يتوقعون بدء التيسير النقدي في الصين مع تزايد الضغوط الاقتصادية

الركود الاقتصادي المتفاقم والإنهاء غير المنظم المحتمل لقيود كوفيد أبرز المحفزات للتيسير

مبنى بنك الشعب الصيني في بكين، الصين.
مبنى بنك الشعب الصيني في بكين، الصين. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

توقع خبراء اقتصاديون أن الركود الاقتصادي المتفاقم والإنهاء غير المنظم المحتمل لقيود كوفيد في الصين، سيبقيان البنك المركزي على مسار التيسير النقدي، مع تزايد الدعوات لمزيد من خفض أسعار الفائدة.

جاء إعلان "بنك الشعب الصيني" يوم الجمعة عن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك -ما يوفر لها المزيد من السيولة لتقديم القروض- بمثابة مفاجأة لعدد من المحللين بالنظر إلى تحذيرات البنك المركزي حديثاً حول مخاطر التضخم.

يشير ذلك إلى قلق صنّاع السياسات الشديد بشأن آفاق النمو، مع ارتفاع حالات كوفيد إلى مستويات قياسية، كما أدت القيود المشددة المفروضة لاحتواء الوباء في المدن الكبرى مثل بكين وقوانغتشو إلى تقويض النشاط الاقتصادي بشكل أكبر بجانب تأجيج التوترات الاجتماعية.

أولوية التيسير

قال يو يونغ دينغ، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في رده عبر البريد الإلكتروني على الأسئلة: "يجب أن ينصب التركيز حالياً على تحقيق الهدف الأساسي المتمثل في استقرار النمو بدلاً من احتواء التضخم". مُضيفاً: "يجب على الصين أن تلتزم بحزم بسياسة نقدية ميسرة". ودعا "دينغ" بنك الشعب الصيني إلى خفض أسعار الفائدة، كما دعا الحكومة إلى طرح المزيد من السندات السيادية للمساعدة في تمويل الإنفاق على البنية التحتية. وأشار إلى أن الصين "يجب أن تسمح" بنسب دين وتضخم أعلى إلى حد ما إذا لزم الأمر.

"غولدمان ساكس": الصين قد تنهي سياسة "صفر كوفيد" بأسرع من المتوقع

وأشار خبراء اقتصاديون إلى أن البنك المركزي لم ينته بعد من تخفيف سياسته النقدية، مع تحول الآفاق العالمية إلى حد ما لصالح بنك الشعب الصيني، في ظل توقعات بأن يبطئ مجلس الاحتياطي الفيدرالي من رفع أسعار الفائدة، ما سيخفف بعض الضغوط على اليوان. ومن المتوقع أيضاً أن يبقى التضخم المحلي ضعيفاً نسبياً.

مقارنة مع عام 2020، تراجع تحفيز بنك الشعب الصيني من خلال الأدوات التقليدية العام الجاري، وبلغت تخفيضات الفائدة مجتمعة 20 نقطة أساس، أي أقل من 30 نقطة أساس في 2020 بأكمله. أيضاً تم خفض الاحتياطي الإلزامي مرتين العام الجاري، مقارنةً بثلاث مرات في عام 2020.

أدوات هيكلية للتحفيز

وبدلاً من ذلك، اعتمد البنك المركزي بشكل أكبر على الأدوات الهيكلية، والتمويل من قبل البنوك الحكومية، وما يُسمّى بالإرشادات غير الرسمية لتشجيع البنوك على منح المزيد من القروض.

مع ذلك، كان للتحفيز نتيجة متباينة، إذ شهد نمو الائتمان تقلباً كبيراً العام الجاري، في حين انخفض معدل اقتراض الأسر بأكثر من النصف من مستوى العام الماضي.

أشار وانغ يي مينغ، مستشار للجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، مؤخراً، إلى أن تيسير البنك المركزي للسياسة النقدية قد يكون أقل فعالية عندما يتم قمع الطلب على الاقتراض في الاقتصاد بسبب قيود كوفيد.

الصين تخطط لتكثيف التحفيز النقدي في ظل آفاق النمو القاتمة

يتفق ذلك مع تحذيرات عدد كبير من الاقتصاديين الذين يزعمون أن الصين تقع الآن في "فخ السيولة"، وهو وضع تعجز فيه أسعار الفائدة المنخفضة في تحفيز الإقراض، نظراً لأن ثقة الشركات والمستهلكين ضعيفة للغاية.

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

العام المقبل، نتوقع أن يخفض بنك الشعب الصيني نسبة الاحتياطي الإلزامي بمقدار 50 نقطة أساس أخرى. وقد يخفض أيضاً معدل تسهيل الإقراض متوسط ​​الأجل لمدة عام واحد (MLF)، وهو سعر فائدة رئيسي، بمقدار 20 نقطة أساس، ونعتقد أن الصين ستنفذ ذلك على خطوتين، على أن يكون أول خفض بمقدار 10 نقاط أساس في الربع الأول من عام 2023.

ديفيد تشو، خبير اقتصادي بشؤون الصين

يُرجح الاقتصاديون أن يكون أي تيسير نقدي مستهدفاً وهيكلياً وحذراً، مع حرص صنّاع السياسات على الحفاظ على مجال للتعامل مع الصدمات العالمية المستقبلية المحتملة.

ويبدو أن بنك الشعب الصيني يفعل ذلك بالفعل، إذ خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي العام الجاري بمقدار 25 نقطة أساس فقط، وهو ما يقل عن التخفيضات السابقة البالغة 50 أو 100 نقطة أساس، ورجح الخبراء أيضاً استمرار هذه التخفيضات الأصغر حجماً، وقالوا إن البنك المركزي قد يظل أمامه مجال يصل إلى نحو 280 نقطة أساس من التخفيضات.

"باركليز": التحفيز المالي الصيني تجاوز مستويات 2020

أشارت مجموعة "يو بي إس" إلى أن أحدث خفض لنسبة الاحتياطي الإلزامي قد يتبعه سلسلة من التخفيضات، بالإضافة إلى خفض الفائدة على الودائع، ويمكن أن تقلص البنوك الصينية كذلك الفائدة الأولية للقروض ذات أجل خمس سنوات، وهي مرجع لأسعار الفائدة على الرهن العقاري، بمقدار 5 إلى 10 نقاط أساس في الأشهر المقبلة، حسبما كتب اقتصاديو البنك بمن فيهم وانغ تاو في مذكرة.

دعم سوق العقارات

قال لاري هو، الاقتصادي في "ماكواري غروب" (Macquarie Group)، إن بنك الشعب الصيني سيستخدم، على الأرجح، المزيد من "الإرشادات غير الرسمية" لحث البنوك على توفير التمويل لمطوري العقارات. وذكر أن ذلك سيكون وسيلة أكثر فعالية واستهدافاً لمعالجة واحدة من أكبر الرياح المعاكسة التي تعصف بالاقتصاد.

كما يرى يو شيانغرونغ، اقتصادي في "سيتي غروب"، احتمالاً صغيراً لخفض أسعار الفائدة. ورجّح أن يواصل بنك الشعب الصيني دعم القطاعات الرئيسية مثل العقارات والبنية التحتية، و"الحفاظ على وتيرة معقولة لنمو الائتمان من خلال الأدوات الهيكلية".

انتعاش اقتصاد الصين أمام اختبار صعب مع استمرار تفشي "كورونا"

بالفعل، تعهدت أكبر البنوك الحكومية بتقديم تمويل لا يقل عن 1.28 تريليون يوان (178 مليار دولار) لدعم مطوري العقارات في إطار حملة لتخفيف الاضطرابات التي تشهدها سوق العقارات في البلاد.

بمجرد أن تنهي الصين سياسة "صفر كوفيد"، وتعيد فتح البلاد في النصف الثاني من عام 2023، كما يتوقع عدد من الاقتصاديين، فمن المحتمل أن يؤدي الانتعاش الاقتصادي المتوقع إلى تراجع بنك الشعب الصيني عن السياسة النقدية الميسرة في وقت لاحق من العام.

قال دينغ شوانغ، كبير الاقتصاديين للصين الكبرى وشمال آسيا في "ستاندرد تشارترد": "ستستمر السياسة النقدية في تقديم الدعم حتى الربيع"، مضيفاً: "من المرجح أن تظل السياسة فضفاضة في الفترة الانتقالية الحالية وحتى يتحقق التحول في سياسة قيود كوفيد وتعافي الاقتصاد".