مأساة وفيات كورونا التي كان ممكناً تجنبها

كان من المستحيل لأي دولة تخطي الجائحة دون خسائر.. لكن إحصائيات الوفيات الزائدة يمكنها إظهار مدى التحسن الذي كان يمكن أن يطرأ على الموقف

نصب تذكاري يبعث على الكآبة.
نصب تذكاري يبعث على الكآبة. المصدر: غيتي إيمجز
 Faye Flam
Faye Flam

Faye Flam is a Bloomberg Opinion columnist and host of the podcast "Follow the Science." She has written for the Economist, the New York Times, the Washington Post, Psychology Today, Science and other publications.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أي دولة استطاعت استراتيجيتها للتعامل مع جائحة كورونا إنقاذ حياة المواطنين بالفعل؟ أي ولايات أو دول فقدت أكبر عدد من سكانها بسبب الفيروس؟ أو بسبب النتائج غير المقصودة لجهود التخفيف من وطأة الأزمة؟ تتضح الآن أخيراً بعض البيانات الموضوعية الواضحة من وسط الموقف الضبابي.

يبدو أن أكثر الإحصائيات كشفاً للحقائق هي أبسطها: الوفيات على إطلاقها. أعداد الوفيات وموعد ومكان حدوثها يمكن استخدامها لحساب "الوفيات الزائدة"، التي تعني الزيادة في عدد الوفيات بمكانٍ ما وتوقيتٍ ما عن المتوقع أو المعدلات المعتادة. على العكس من ذلك، خيمت على إحصائيات وفيات فيروس كوفيد-19 الرسمية الفروق في الفحوص ومستوى من عدم الموضوعية يقول الأطباء إنه مطلوب لتحديد سبب وفاة الأشخاص، الذين كانوا يعانون من عدة مشكلات صحية.

في خريف 2020، وربما حتى أوائله، بدأ خبراء الإحصاء يدرسون الوفيات على إطلاقها، لتحديد ما إذا كانت هناك مبالغة أو تهاون في إحصائيات وفيات كوفيد-19. لكن اليوم، بيانات الوفيات أكثر اكتمالاً، وتغطي فترة زمنية تكفي لعقد مقارنات كاشفة بين الفترات الزمنية والمناطق المختلفة.

رغم أن الباحثين ما يزالون يحددون العوامل التي أثّرت على إحصائيات الوفيات هذه، بدأت بعض النتائج المستخلصة تتضح: أولاً، إن فيروس كوفيد كان مأساة عالمية تسببت في ملايين الوفيات. وثانياً، إن اللقاحات أنقذت عدداً لا يُحصى من الحيوات. وثالثاً، إن خلال موجات متحوري أوميكرون ودلتا، لم تكن قيمة أي إجراءات غير دوائية لتخفيف الأزمة، مثل ارتداء الكمامات الطبية والتباعد وإغلاق أنشطة الأعمال والمدارس، معدومة على الأرجح، لكن معدلات التطعيم كانت أكثر أهمية بمراحل.

مقياس محايد

استنتج تحليل نُشر مؤخراً، لكنه لم يخضع بعد لمراجعة، أن في الولايات المتحدة، كانت هناك 1.17 مليون وفاة زائدة بين 1 مارس 2020 و28 فبراير 2022، وهو معدل وفيات أعلى بنحو 20% من الأعداد المعتادة للوفيات (5,817,974) لتلك الفترة. ذلك أعلى من الإحصاء الرسمي للوفيات بسبب كوفيد-19.

قال جيريمي فاوست، طبيب متخصص في طب الطوارئ في مستشفى بريغهام والنساء وأحد المشاركين في التحليل، إن الوفيات الزائدة "هي أكثر مقياس محايد، لأنها لا تتطلب اتخاذ قرارات. السؤال الوحيد الذي تتطلب منك الإجابة عليه هو: هل هذه الوفيات طبيعية؟".

أتاحت دراسة بيانات الوفيات الزائدة لفاوست والمتعاونين معه في التحليل فحص الوفيات من حيث الفترة الزمنية والمنطقة والنوع والسن والعرق، مُقسَّمين وفقاً للخمس أو ست موجات التي مرت بها الجائحة. أوضح فاوست: "كنا نسعى بالفعل ليس فقط لتحديد مدى ضخامة هذه المشكلة، ولكن أين هي؟ وماذا يخبرنا ذلك عن مجتمعنا وعن استجابتنا للأمر؟".

نتائج المقارنات

على سبيل المثال، تُظهِر المقارنات التي عقدها فريق فاوست في مقاطعات مختلفة بولاية ماساتشوستس أن الوفيات الزائدة تتجمع في مناطق انخفضت بها نسبة التطعيم. في تحليلهم على مستوى البلاد، وجد الفريق أن أكثر الوفيات الزائدة وأقل نسبة تطعيمات كانت في الجنوب. (قال هارلان كرامهولتز، طبيب الأمراض القلبية بجامعة ييل والمؤلف المشارك في الدراسة قبل نشرها، إنه سواء كنت تقارن المقاطعات أو الولايات أو الدول، لا يجب أن تعتمد الوفيات الزائدة على عوامل مثل عمر السكان أو صحتهم بشكل عام، لأن الإحصاء يقارن الأعداد الفعلية للوفيات في كل منطقة بالأعداد المعتادة للوفيات في المنطقة نفسها).

استطاع فاوست وفريقه أيضاً إظهار أن أعداد وفيات الأميركيين الأصليين والأميركيين من أصول أفريقية ولاتينية كانت متباينة، وأن الوفيات الزائدة بين الرجال أكثر من تلك بين النساء. في تطور مفاجئ، رغم وفاة أعداد كبيرة من كبار السن، كان معدل الوفيات الزائدة أعلى بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً. يعني ذلك أن معدل الوفيات بين من هم دون الخمسين عاماً لم يكن طبيعياً بدرجة أكبر مقارنة بمعدل من هم فوق الخامسة والستين.

"أوميكرون" يغرق المستشفيات.. ماذا عن فرز المصابين؟

يمكن للمقارنات بين الدول أن تكشف حتى المزيد. أظهرت دراسة أخرى، نُشرت هذا الشهر في دورية الجمعية الطبية الأميركية، ارتفاع الوفيات الزائدة في الولايات المتحدة بشكل أكبر مما شهدته دول غنية أخرى خلال موجتي أوميكرون ودلتا.

نفي الأسطورة

تتبعت الدراسة الفترة بعد يونيو 2021، عندما كانت اللقاحات متاحة على نطاق واسع في هذه الدول. كان أكبر عدد من الوفيات الزائدة في الولايات المتحدة، إذ وصل عددها إلى 145.5 وفاة زائدة لكل 100 ألف شخص. ثاني أسوأ دولة كانت فنلندا بواقع ـ82.2 وفاة زائدة لكل 100 ألف شخص.

أما أفضل دولتين فهما السويد، بـ32.4 وفاة زائدة، ونيوزيلندا، بـ5.1 وفاة زائدة لكل 100 ألف شخص. بدت المعدلات في أكثر 10 ولايات من حيث انتشار التطعيم بين السكان في الولايات المتحدة متقاربة مع الكثير من الدول الأوروبية، إذ وصل عدد الوفيات الزائدة فيها إلى 65.1 لكل 100 ألف شخص، فيما بلغ المعدل 193.3 في أقل الولايات من حيث انتشار التطعيم بين السكان.

لابد أن تساعد أرقام كهذه على نفي الأسطورة، التي ما تزال مستمرة في بعض التجمعات السكنية، أن التطعيمات نفسها تسببت في عدد كبير من الوفيات– هذا ببساطة غير حقيقي.

إحصائيات قبل التطعيمات

بعض هذه الترتيبات والإحصائيات قد ينتج عنها دراسات جديدة. هناك المزيد من العمل الذي يمكن القيام به لفهم سبب حدوث وفيات زائدة أقل في السويد مقارنة بأي دولة أخرى شملتها الدراسة، وحدوث وفيات زائدة أكثر في فنلندا. رغم ذلك، ما يضع الأمر في سياقه، أرسلت لي المؤلفة الرئيسية للدراسة، أليسا بيلينسكي من جامعة براون، إحصائيات للفترة التي سبقت التطعيمات، عندما حدثت وفيات زائدة أقل في فنلندا مقارنة بالسويد، التي كانت قيودها أكثر تراخياً عن جيرانها.

قد يعني ذلك أن القيود التي فُرضت في فنلندا، ولكن ليس في السويد، ساعدت قبل التطعيمات، لكن ليس بعدها، وقد يشير ذلك إلى أن السويد تمكنت بشكل أنجح في إعطاء اللقاحات للفئات الأكثر ضعفاً.

المساواة في الحصول على اللقاحات والعلاج أولوية عالمية لمكافحة كورونا

كانت معدلات التطعيم متقاربة في أغلب الدول الأوروبية، لكن الفروق الكبيرة في الوفيات الزائدة قد تتوقف على مدى فعالية إعطاء هذه الدول اللقاحات للفئات الأكثر ضعفاً، ومدى كفاءة توزيع الجرعات المنشطة خلال موجتي دلتا وأوميكرون.

أسوأ أداء

كانت الولايات المتحدة الأسوأ أداءً بين كل الدول الأخرى التي شملتها الدراسة، فيما كان أداء نيوزيلندا أفضل. شهدت نيوزيلندا أقل معدل وفيات زائدة قبل توزيع اللقاح أيضاً، وكانت الولايات المتحدة صاحبة ثاني أسوأ أداء، بجانب إيطاليا. قد تعود بعض تلك الفروق إلى حجم الضغوط التي واجهتها المستشفيات، وما إذا استطاعت الدول بذل أي جهد لحماية دور رعاية المسنين، بالإضافة إلى سوء الحظ في انتشار الفيروس فيها أوائل 2020.

قام فريق بيلينسكي أيضاً بحساب عدد الأميركيين الذي كان من الممكن إنقاذهم، لو كان أداؤنا جيداً مثل دول أخرى. كان من الممكن أن يظل 465.747 أميركياً على قيد الحياة اليوم، لو كان أداؤنا جيداً مثل نيوزيلندا، و375.159 على قيد الحياة، إن كان أداؤنا جيداً مثل السويد.

متغيرات مختلفة

بالطبع، هناك متغيرات من الصعب التحكم فيها، من بينها توقيت الموجات– كيف تزامنت مع أنماط موسمية وتضاؤل المناعة.

لكن الأمور التي بإمكاننا التحكم فيها يجب أن تصبح أكثر وضوحاً مع دراسة المزيد من العلماء لهذه المعدلات الإجمالية للوفيات. على الفور، اتضح أن أكثر المناطق في الولايات المتحدة من حيث انتشار التطعيم بين السكان شهدت عدداً أقل من الوفيات الزائدة.

كان من المستحيل لأي دولة أن تتخطى الجائحة دون خسائر، لكن إحصائيات الوفيات الزائدة يمكنها إظهار مدى التحسن الذي كان من الممكن أن يطرأ على الموقف. تقول بيلينسكي: "يعطيك ذلك صورة معقولة مناقضة للواقع". كما أضافت أن المقارنات يمكنها أيضاً المساعدة في التركيز على النجاحات– أيّ الدول أضعفت إجراءاتها ما كان من الممكن أن يكون إعصاراً من الدرجة الخامسة إلى إعصار من الدرجة الثالثة. يمكن لتلك الدروس إنقاذ الحيوات في موجات كوفيد المستقبلية، أو الجائحة المقبلة.