آفاق واعدة للطروحات العامة الأولية بالصين في 2023

حصيلة الاكتتابات في "شنغهاي" و"شينزن" و"بكين" تحقق 92 مليار دولار في 2022

علم الصين قبالة المباني في منطقة لوجيازوي المالية بشنغهاي، الصين.
علم الصين قبالة المباني في منطقة لوجيازوي المالية بشنغهاي، الصين. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

جمعت الشركات الصينية مبلغاً قياسياً من خلال الطروحات العامة الأولية محلياً هذا العام، متحدّية بذلك حالة الركود العالمي. ومع اقتراب نهاية سياسة "صفر كوفيد"، يمكن أن يكون عام 2023 مبشّراً بأداء قوي آخر.

حققت عمليات الإدراج في شنغهاي وشينزن وبورصة بكين التي افتُتحت مؤخراً، 92 مليار دولار هذا العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". أدى ذلك إلى دفع حصة الصين من حصيلة عائدات الاكتتابات العامة الأولية عالمياً إلى 46%، أي ما يقرب من أربعة أضعاف نظيراتها بالولايات المتحدة، مقارنة بـ13% فقط في نهاية العام الماضي.

بفضل الدَفعة التي قدمتها السلطات المحلية في السنوات الأخيرة، تضافرت مجموعة من العوامل لتحقيق هذا الإنجاز. فقد كان التيسير في السياسة بالدولة الآسيوية حافزاً رئيسياً، تماماً بالقدر نفسه الذي أدى ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى تعطّل عمليات الإدراج في الأسواق التقليدية مثل هونغ كونغ ولندن. وفي الوقت نفسه، أجبرت سوق العقارات المتداعية في الصين العديد من المستثمرين على البحث عن بديل لتوظيف أموالهم.

قال جيمس بين، مدير محفظة بإدارة محتوى الشركات في "ميرياد أسيت مانجمنت" (Myriad Asset Management): "نمت طموحات الشركات الصينية عالية الجودة للاكتتابات العامة خلال 2022، وسيستمر ذلك طوال عام 2023"، مضيفاً: "سيتطلع العديد من هذه الشركات إلى زيادة رأس المال بمجرد وجود دليل إضافي على النجاح في الانتقال إلى اقتصاد ما بعد صفر كوفيد ودعم سوق العمل المحلية"، فضلاً عن عدد من الأسباب الأخرى.

كان للأداء السابق أيضاً دور في جذب المشترين. فالأسهم المُدرجة حديثاً في الصين تميل إلى أن يكون أداؤها أفضل بكثير في المتوسط من السوق ككل بسبب قواعد التقييم التي تنظم الاكتتابات الأولية.

وبشكل عام، كان هناك 391 اكتتاباً يظهر لأول مرة في الصين هذا العام. جمعت تسعة منها أكثر من مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 40% من جميع الصفقات بهذا الحجم أو أكبر على مستوى العالم. حظيت بورصات نيويورك باكتتابين أوليين فقط بهذا الحجم، وكان لدى هونغ كونغ ثلاث اكتتابات فيما كانت حصة أوروبا اكتتاب واحد فقط وتحديداً في ألمانيا.

خطط الاكتتابات المحلية في الصين للعام المقبل تتسم بالقوة. فقد أعلنت حوالي 376 شركة عن خطط لاكتتابات عامة على مدار الأشهر الستة الماضية وهي حالياً قيد الانتظار، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ"، مما يعني أنها يمكن أن تطرح أسهمها للاكتتاب خلال 2023.

حصدت 58 مليار دولار.. الصين تتفوق قياسياً بالطروحات الأولية منذ بداية العام

المزيد من الإصلاحات في الأسواق الصينية

جاء عدد من أكبر الصفقات في أوائل العام كنتيجة للتوترات بين الصين وأميركا. فقد طُرحت أسهم شركة الاتصالات "تشاينا موبايل" (.China Mobile Ltd) ومنتجة الطاقة "سينوك" (CNOOC)، في السوق المحلية وذلك بعد إقصائهما من السوق الأميركية حيث أُدرجا ضمن القائمة السوداء خلال إدارة دونالد ترمب. وفي الصين، جمعت الشركتان 8.6 مليار دولار و5 مليارات دولار على التوالي، ويتم تداولهما أعلى بكثير من أسعار إدراجهما.

ساعدت التغييرات التي أُدخلت على نظام تسجيل الاكتتابات على مدار السنوات الماضية في زيادة اهتمام الجهات المُصدِّرة، حيث عملت على تبسيط الإجراءات العامة. اختُبرت أول حزمة من الإصلاحات لأول مرة من خلال صفقة "ستار بورد" (Star Board) ببورصة شنغهاي لشركات التكنولوجيا، ثم صفقة "تشاينكست بورد" (ChiNext Board) في شينزن في عام 2020. كانت هناك توقعات بأنه يتوسع الإصلاح ليشمل السوق المحلية بأكملها هذا العام، لكن هذا لم يتحقق بعد.

قال يي هويمان، رئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية في الصين، خلال منتدى عُقد في نوفمبر الماضي إنه ينبغي تعميق الإصلاحات في المستقبل.

باب إدراج الشركات الصينية بالولايات المتحدة يشارف على الإغلاق

قطاعات جديرة بالمتابعة في السوق الصينية

انتعش النشاط أيضاً بالنسبة لصفقات البيع الإضافية للأسهم بعد أن أنهت الحكومة في نوفمبر حظراً على بيع الشركات المُدرجة المزيد من الأسهم محلياً. وأفادت صحيفة "فاينانشال نيوز" يوم الخميس الماضي أن نحو 17 شركة مطوّرة أو شركة عقارية صينية مُدرجة في البورصة أعلنت عن خطط لجمع المزيد من أموال الأسهم منذ 28 نوفمبر. ومن المتوقع أن تجمع ثلاث عشرة منها 90 مليار يوان (12.9 مليار دولار)، وفقاً للتقرير.

قالت إيفي هو، العضو المنتدب لمحافظ إدارة محتوى الشركات بآسيا في "يو بي إس" (UBS AG) في هونغ كونغ: "حظيت سوق الأسهم من الفئة "إيه" بالمرونة للغاية مقارنة بسوق هونغ كونغ. وبالنظر إلى المستقبل، بقطاع العقارات، لابد أننا سنرى المزيد من الشركات المُدرجة بالفعل تقوم بجمع أموال إضافية. ومن المرجح أن تأتي الاكتتابات العامة الجديدة بشكل أساسي من قطاعات مختلفة ".

فيما يتعلق بصفقات بيع الأسهم المحتملة لأول مرة، سلطت "هو" الضوء على القطاعات المرتبطة بمسألة إعادة فتح النشاط في الصين، بما في ذلك السلع الاستهلاكية والفنادق. وتابعت بالقول: "بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الطاقة الشمسية والمتعلقة بالبطاريات الكهربائية مسألة مهمة تشغل أحاديث الناس لبعض الوقت. يتضمن ذلك شركات الطاقة الجديدة والمحايدة للكربون".

استطلاع "بلومبرغ": 60% من المستثمرين يوصون بشراء أسهم الصين

أداء ممتاز للاكتتابات الأولية في البر الرئيسي

ارتفعت أسهم الاكتتابات العامة الأولية في البر الرئيسي للصين بمتوسط مرجّح نسبته 29% هذا العام مقارنة بسعرها عند الإدراج، مقابل زيادة بـ5.5% في نيويورك وانخفاض بـ6.2% في هونغ كونغ.

يرى أوبينغ زانغ، عميد معهد "زينغليانغ" (Zengliang) للأبحاث الذي يديره القطاع الخاص في بكين، أنه لا بد أن يصبح المستثمرون انتقائيين مع طرح المزيد من الشركات للاكتتاب العام، مما قد يؤدي إلى انخفاض عوائد أسهم الاكتتاب العام.

قال زانغ: "عدد الشركات التي سيتم تداولها دون مستوى الاكتتاب العام الأولي الخاص بها سيزداد في المستقبل، حيث إنه كلما زاد عدد الشركات المدرجة، كلما ركز المزيد من المستثمرين على الجودة والتقييم. ولكن كما ترى، لا يزال بإمكان بعض الأسهم الجديدة توفير عوائد كبيرة للمستثمرين. وفي الوقت نفسه، يولي المنظمون المزيد والمزيد من الاهتمام لحماية المستثمرين الأفراد".

من المؤكد أن السوق المحلية لا تستطيع تلبية احتياجات التمويل للشركات الصينية بالكامل. قواعد التقييم تُحدّد بشكل صارم من قبل الجهات التنظيمية، وعالم المستثمرين ليس متنوعاً كما هي الحال في هونغ كونغ، والوقت اللازم قبل الإدراج أطول بكثير من الخارج.

صعود قياسي لأسهم ثالث أكبر طرح عام بالصين في 2022

الشركات الصينية تتوجّه إلى أوروبا

مع إغلاق السوق الأميركية بالكامل تقريباً أبوابها في وجه المُصدرين من الصين، اختار العديد من الشركات المُدرجة في البر الرئيسي طرح الأسهم للاكتتاب في أوروبا، لا سيما في سويسرا، وهو توجّه يشهد أيضاً استمراراً في العام المقبل. قد تعود المزيد من الاكتتابات كبيرة الحجم إلى هونغ كونغ بمجرد تحسّن معنويات السوق.

في غضون ذلك، هيمنت البنوك المحلية بشكل كبير على الاكتتابات العامة الصينية محلياً هذا العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". وتظهر البيانات أن كلاً من "سايتيك سيكوريتيز" (.Citic Securities Co. Ltd) و"تشاينا إنترناشونال كابيتال" (.China International Capital Corp. Ltd) و"تشاينا سيكيوريتيز" (China Securities)، كانت أبرز جهات إدارة الطروحات العامة الأولية بالصين، حيث بلغت حصتها الإجمالية 42% من الاكتتابات.

قال مينغ دينغ، الشريك في شركة "سيدلي أوستن" (Sidley Austin LLP) في هونغ كونغ: "من المرجح أن يستمر الزخم بسبب احتياجات الشركات لجمع الأموال، بالإضافة إلى الارتفاع المتوقع في الأنشطة الاقتصادية الشاملة نتيجة للتخفيف النهائي للقيود المتعلقة بكوفيد".