مكافحة المعلومات المضللة عن لقاحات "كوفيد" يجب أن تستمر

هناك مبالغة بشأن الآثار الجانبية للقاحات مثل الادعاءات الكاذبة بأنها تسبب العقم أو جلطات دموية وسرطانات مميتة

متظاهرون يحملون لافتات تحوي عبارات مناهضة للقاحات كوفيد
متظاهرون يحملون لافتات تحوي عبارات مناهضة للقاحات كوفيد المصدر: بلومبرغ
Sarah Green Carmichael
Sarah Green Carmichael

Sarah Green Carmichael is an editor with Bloomberg Opinion. She was previously managing editor of ideas and commentary at Barron’s, and an executive editor at Harvard Business Review, where she hosted the HBR Ideacast.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لم يسبق أن أسهمت المعلومات الطبية المضللة في حدوث وفيات كثيرة كما حدث خلال الأشهر الـ18 الماضية. تُظهر الإحصاءات الصادرة مؤخراً أنَّ الآلاف من الوفيات "الزائدة" تتركز بين الولايات الأميركية والمقاطعات التي لديها أقل معدل تلقيح ضد "كوفيد -19" برغم أنَّ اللقاحات كانت مجانية ومتاحة للجميع.

انخفضت معدلات التطعيم في تلك المناطق، لأنَّ نسبة كبيرة من الجمهور ظلّت متشككة بشدة في لقاحات "كوفيد"، خصوصاً تلك التي تستخدم تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) التي كانت قيد التطوير لعقود، ولم تستخدم سوى الآن. من بين الشائعات التي انتشرت؛ ما ذُكر بأنَّ اللقاحات تغيّر حمضك النووي؛ وتسبب العقم؛ أو حتى تقتلك. كل تلك الشائعات لا أساس لها من الصحة في الواقع.

تميل المعلومات المضللة الأكثر انتشاراً إلى المبالغة بشأن الآثار الجانبية للقاحات، مثل إسناد الادّعاءات الكاذبة التي تقول إنَّ اللقاحات تسبب العقم، إلى تقارير حقيقية تفيد أنَّ بعض النساء لاحظن تغيرات مؤقتة في دوراتهن الشهرية.

ادعاءات تنافي البيانات

ثم هناك ادعاءات أكثر جموحاً، مثل تلك التي شاركها فيلم (Died Suddenly) الصادر في 21 نوفمبر والذي حصد عدداً كبيراً من المشاهدات تجاوز 12 مليون مرة، حيث يدّعي الفيلم زوراً أنَّ لقاحات "كوفيد" تسبّبت بسرعة في حدوث جلطات دموية وسرطانات مميتة.

لم تحجمون عن تلقي الجرعة المعززة من اللقاح؟

يمكن دحض كلا النوعين من المخاوف بالبيانات. فعلى سبيل المثال، إذا كانت اللقاحات تقتل الناس، فستتركز معدلات الوفيات الزائدة في المناطق الأكثر تلقيحاً، وكانت الزيادة لتظهر بعد ذروة حملة التطعيم عام 2021 عندما كان عدد الذين يحصلون على اللقاحات يومياً يبلغ 3 ملايين شخص. بدلاً من ذلك؛ تُظهر البيانات أنَّ الوفيات الزائدة تتركز في المناطق الأقل تلقيحاً وخلال الأوقات التي كانت فيها حالات الإصابة بفيروس "كوفيد" عالية، وليس عندما كان معدل التطعيم مرتفعاً.

يعد التهاب عضلة القلب أخطر الآثار الجانبية الموثّقة للقاح، وهو تأثير جانبي خطير، لكنَّه نادر جداً، ويصيب ما بين 0.3 إلى 5 أشخاص بين كل 100 ألف شخص حاصل على اللقاح. وبرغم أنَّ 23% من هؤلاء اضطروا إلى دخول وحدة العناية المركزة، لكنْ لم تُسجل حالة وفاة بينهم.

وقود للحركات المناهضة للتطعيم

كافح بول أوفيت ضد الحركة المناهضة للقاحات لأكثر من 20 عاماً، باعتباره طبيباً ورئيس مركز التوعية باللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا. أخبرني بول بأنَّه كان يعتقد في البداية أنَّ الحركة المناهضة للقاحات ستنتهي مع "كوفيد" نظراً للخطورة الشديدة للمرض والجودة العالية للقاحات، وقال: "اعتقدتُ أنَّ هذا (المرض) سيهمّش حقاً الحركة المناهضة للقاحات. لكن على العكس تماماً؛ فإنَّه قد كان سبباً في تأجيجها".

ماذا يعني قبول "كوفيد" كمرض متوطن؟

ما لم يكن يتوقَّعه – على حد قوله - هو أنَّ السياسة ستحفز الناس من خلال الشعور بأنَّ الحكومة لا ينبغي أن تملي عليهم ما يجب فعله. سابقاً، كان مناهضو التطعيم يشكلون مزيجاً من اليمين واليسار السياسي، خصوصاً أولئك الذين عارضوا أي شيء كانوا يرون أنَّه مصطنع أو معدّل وراثياً.

لكن ذلك تغيّر. ففي حين أنَّ هناك بعض اليساريين ممن يشككون في لقاحات "كوفيد"، يبدو احتمال حصول الجمهوريين على اللقاح أقل بكثير مما هو بالنسبة إلى الديمقراطيين. تتمتع المقاطعات التي صوتت لجو بايدن في عام 2020، بمعدلات تطعيم أعلى من تلك التي صوّتت لصالح دونالد ترمب. كما أنَّ تردّد الجمهوريين في الحصول على اللقاحات، قد دعمته بيانات أظهرت أنَّ الوفيات الزائدة بين الجمهوريين في فلوريدا وأوهايو كانت أعلى بمرتين مما لدى الديمقراطيين بعد إتاحة اللقاحات.

قصص مخيفة ومواجهة ضعيفة

ربما لا تؤلّب السياسة وحدها الناس ضد لقاح منقذٍ للحياة، لكنَّها تؤثر على المعلومات التي يتلقاها الناس ويؤمنون بها. والقصص المخيفة عن الأشخاص الذين يموتون فجأة، لا يمكن مواجهتها من خلال التشجيع على أخذ اللقاح أو نوع المعلومات الضعيفة في إعلان "فايزر" التلفزيوني الجديد الذي يُظهر أشخاصاً سعداء، وهم يعانقون بعضهم، ويمارسون حياتهم الطبيعية.

"أوميكرون" ليس المتحوِّر الأخير.. متى ينتهي الوباء من العالم؟

يجب أن تعتمد حملات اللقاحات والجرعات المعززة اعتماداً أكبر على البيانات والفوارق الدقيقة. لكن بدلاً من ذلك؛ انخرطت القنوات الرسمية في توصية فضفاضة للغاية للترويج للجرعة المعززة الجديدة للجميع فوق سن الخامسة، وهو أمر يقول أوفيت إنَّه لا يعتمد على البيانات. لم يحصل أوفيت على أحدث جرعة معززة برغم كونه عضواً في اللجنة الاستشارية للقاحات في إدارة الغذاء والدواء. يرى أوفيت أنَّ الجرعة المعززة الأولى مفيدة – وحصل هو نفسه على واحدة - لكن، كما قال، يجب حقاً التوصية باستخدام الجرعات المعززة الإضافية لكبار السن أو أولئك الذين يعانون من حالات قد تجعل الجرعات الثلاث الأولى أقل فعالية.

قد نلتمس العُذر لأولئك الذين يسألون: لماذا هذا الأمر ما يزال مهماً، إذا كان الكثير منهم قد أصيبوا بالفعل بـ"كوفيد"، وإذا كانت معظم الوفيات تحدث الآن بين كبار السن ممن حصلوا على اللقاح؟ الجواب هو؛ لأنَّ بعض هذه الوفيات ربما كان بالإمكان تفاديها مع زيادة معدلات أخذ الجرعة المعززة. لقد حصل 31% فقط من الأميركيين فوق 65 عاماً على الجرعة المعززة المحدثة.

تقديرات محيّرة

هذا لا يعني التقليل من فاعلية اللقاحات الأولية. فبالنسبة إلى معظمنا، ما زالت تُبلي بلاءً حسناً في إبعادنا عن المستشفيات وإبقائنا على قيد الحياة. وهذا هو السبب في أنَّ سلسلة اللقاحات الأولية ستظل فكرة جيدة لما يقرب من 22% من الأميركيين الذين لم يحصلوا على أي جرعة.

مجموعة العشرين تطلق صندوقاً لتجنُّب تكرار جائحة كورونا

ما زلنا لا نعرف الكثير عن "كوفيد"، وليس من الواضح كم من الوقت تستمر المناعة الطبيعية بعد الإصابة بالفيروس أو ما إذا كانت المناعة الطبيعية تحمينا مثلها مثل التطعيم. وليس من الواضح لنا حتى عدد الأشخاص الذين أصيبوا بفيروس "كوفيد"، وما تزال تقديرات العدد الإجمالي للعدوى في الولايات المتحدة محيّرة وتتراوح من 42% إلى 94%. على أنَّ هناك شيئاً واحداً واضحاً؛ إذ كان يُفترض أن يظل العديد من الأشخاص الذين ماتوا بعد أن أصبحت لقاحات كوفيد والجرعات المعززة متاحة على قيد الحياة.