مديرون يعتمدون العمل عن بعد لإبقاء الرواتب منخفضة

مع نقص المتقدمين للوظائف.. تزيد الشركات تعييناتها في مناطق تسود فيها أجور أدنى

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما تزال شركات أميركية كثيرة تقرّ العمل من المنازل حتى بعدما أمر مديرون بارزون في مؤسسات أخرى موظفيهم بالعودة للعمل من المكاتب، هدفها من ذلك جزئياً التوظيف بأجور أجدى.

واجه مديرو شركة "إكسترا سبيس ستوريج" (Extra Space Storage)، التي يقع مقرها في مدينة "سولت ليك" موطن إحدى أضيق أسواق العمل في البلاد، مشقة في تعيين موظفين في أحد مراكز اتصالاتها العام الماضي. قال تايلر جاكوبسن، كبير مديري استقطاب الكفاءات والإبقاء عليها، إن العمال استمروا بترك وظائفهم رغم أن الشركة، التي تملك أكثر من ألفي مركز تخزين ذاتي في 42 ولاية أو تديرها، زادت الأجور.

الموظفون يحتفظون بموقفهم القوي في سوق العمل رغم مخاوف الركود

تبين أن حل هذه المشكلة هو التوظيف من أي مكان. أضافت شركة "إكسترا سبيس" 255 موظف خدمة عملاء هذا العام، أي أكثر من ضعف عدد 2020، لكن أكثرهم يعمل من المنزل. عُرض عليهم الحصول على الأجور نفسها التي يحصل عليها الموظفون العاملون من المكاتب في ولاية يوتا، لكن تشغيل العمال عن بُعد في ولايات منخفضة الأجور ساعد الشركة على أن تبقي "التكلفة حيادية الأثر"، وفقاً لجاكوبسن، الذي قال: "كنا في مرحلة نعاني فيها لتعيين الناس في الوظائف". أما الآن فهنالك وفرة في أعداد المتقدمين لإشغالها.

يتمحور جزء كبير من الضجة المتعلقة بثورة العمل عن بُعد حول تمكينها العاملين، مثل المحترفين الذين فروا من نيويورك أو سان فرانسيسكو خلال الوباء إلى أماكن ذات أسعار معتدلة، دون أن يضطروا للتضحية برواتب المدن الكبيرة. لكن فيما ترتفع الأجور وتتسع الفجوات الحادة في الأجور بين المناطق، يعمل بعض أصحاب العمل على قلب هذا السيناريو. هم مستعدون لتعيين عدد أكبر من العاملين عن بعد، لكنهم يستهدفون أسواق عمل المدن الصغيرة، حيث تكون الأجور أقل، كما هو الحال في ولايات فلوريدا وأيداهو وتكساس وغيرها، كما تقول شركات التوظيف واستشارات الموارد البشرية.

نشر أوسع للشباك

بيّنت تامي براوننغ رئيسة مجموعة تكفيل المهام لمصادر الخارجية والاستشارات في شركة "كيلي سيرفسز" (Kelly Services)، وهي وكالة توظيف عملاقة، أنها تتلقى أسئلة "كل يوم تقريباً" عن إمكانية التوظيف في أماكن كهذه، خاصة بالنسبة للوظائف الجديدة التي يمكن تلبية متطلباتها عن بعد مثل إعداد الفواتير والتمويل والتقنية. قالت براوننغ، التي تشرف على إشغال 250 ألف وظيفة سنوياً: "يطلب العملاء بيانات التشبع، أي عدد الأشخاص الموجودين في السوق وتكلفة توظيفهم... نشر الوباء فكرة أنه يمكنك أن ترمي بشباكك بعيداً لتعين موظفين".

العمال يكسبون حرب العودة إلى المكتب لأنهم محقون

تتيح فروق الأجور بين المناطق لأصحاب العمل توفير حوالي 15% من بند الرواتب عبر التوظيف عن بُعد، كما تقول شركات التوظيف. لكنها تحذر أيضاً أن بعض الفجوات تتضاءل مع استمرار ضيق أسواق العمل. بلغ معدل البطالة في منطقة سولت ليك سيتي الحضرية، حيث يقع مركز الاتصال التابع لشركة "إكسترا سبيس ستوريج"، 2.1% في أكتوبر، مقارنة مع 3.7% على الصعيد الوطني.

ماسك ينُهي العمل عن بُعد في أول بريد إلكتروني لموظفي "تويتر"

ما تزال وظائف العمل عن بُعد بالكامل تمثل نسبة صغيرة من الإجمالي، حتى بعد ارتفاع عدد من يعملون من منازلهم خلال الجائحة. تضاعفت على الصعيد الوطني حصة إعلانات الوظائف التي تذكر بالتحديد العمل عن بعد ثلاث مرات لتصل إلى حوالي 12% منذ 2019، على حد قول بليدي تاسكا، كبير الاقتصاديين لدى شركة أبحاث سوق العمل "لايتكاست" (Lightcast). أضاف أن بعض الشركات قد تتردد في وضع العمل من المنزل في منشورات التوظيف لديها خشية الالتزام بذلك. قال: "لا يريد كثير من الشركات الالتزام بذلك، لأنها متى أعلنت ذلك سيكون ذلك لزاماً عليها".

يقود بعض رؤساء الشركات البارزون مثل جيمي ديمون من "جيه بي مورغان آند كو" وإيلون ماسك من شركة "تسلا" رد فعل عنيف ضد العمل عن بُعد، ويحثون العمال على العودة إلى المكاتب. لكن بعض الشركات تتبنى العمل عن بعد كفرصة لإيجاد مواهب جديدة وتعزيز التنوع، وخفض تكاليف الأجور في بعض الحالات.

أما في الشمال الشرقي، فقد تسبب ضيق أسواق العمل بإضافة علاوة إلى أجور المتخصصين في الموارد البشرية الذين يمكنهم مساعدة الشركات على ملء شواغرها. قالت لوري زيلمان، وهي مديرة قسم في شركة "بيكون هيل ستافينغ غروب" (Beacon Hill Staffing Group) في بوسطن، إن مسؤولي التوظيف الذين لديهم خبرة سنة كانوا يحصلون عادةً على رواتب تصل إلى 85 ألف دولار قبل الوباء أصبحوا يتقاضون فجأة ما يبلغ 120 ألف دولار.

سكان لندن قد يفضلون العودة إلى المكتب مع ارتفاع فواتير الطاقة

لجأ بعض عملاء زيلمان إليها نتيجة ذلك ليطلبوا المساعدة في توظيف صائدي مهارات يعملون من منازلهم في مناطق تسود فيها أجور أدنى، بشرط وجودهم ضمن نفس النطاق الزمني. قالت إن الشركات تطلب منها: "البحث في أي مكان من البلاد بشرط أن يكونوا مستعدين لقبول رواتب أدنى".

شهدت شركة التوظيف "مان باور غروب" (ManpowerGroup) ارتفاعاً في عدد الوظائف المطروحة دون تحديد موقع عمل في نهاية 2021، خاصة في مجال وظائف التقنية ومراكز الاتصالات، على حد قول جيم ماكوي نائب رئيسها الأول. بيّن أن أصحاب العمل الذين يعتمدون مبدأ العمل عن بعد حريصون على توفير المال، مشيراً إلى أن العملاء يقولون: "نعلم أن الأجور أقل في كولومبوس في ولاية أوهايو. هل يمكنكم التركيز على تلك المنطقة؟".

كبح ارتفاع الأجور

أما على الصعيد الوطني فقد ارتفعت الأجور في الولايات المتحدة 5% تقريباً خلال 12 شهراً حتى نوفمبر، ما يمثل نسبة مرتفعة بالمعايير التاريخية. يعتقد الاقتصاديون أن الرقم كان يمكن أن يكون أعلى لولا التحول إلى العمل عن بعد، لأن الموظفين غالباً ما يتقبلون رواتب أقل مقابل تجنب التنقل اليومي والحصول على ميزات العمل من المنازل الأخرى. أدى هذا التوجه لخفض نمو الأجور بحوالي نقطتين مئويتين على مدى عامين، حسب تقديرات دراسة اقتصادية نشرها معهد بيكر فريدمان بجامعة شيكاغو في يوليو.

قال شيكار فينكاتيسوارا، أحد كبار المديرين في شركة "ويليس تاورز واتسون" (Willis Towers Watson) الاستشارية: "إننا نشهد ارتفاعاً في نسبة إعلانات الوظائف في أماكن مثل تكساس ولويزيانا وكانساس التي تتسم بالتنوع والتكلفة التنافسية". بيّن أن هذه الزيادة لا تعني بالضرورة إلغاء شركات للتوظيف في مكاتبها وتحولها بالكامل إلى العمل عن بعد، لكنهم يقولون: "إذا غادر موظف، فسنوظف شخصاً في مكان أقل تكلفة".