شبح الركود يهز ثقة "وول ستريت" في التعافي العام المقبل

مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" خسر 20% تقريباً من قيمته العام الجاري و"ناسداك 100" فقد 30%

متداول يعمل داخل قاعة بورصة نيويورك بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة.
متداول يعمل داخل قاعة بورصة نيويورك بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقترب عام موجع لسوق الأسهم في الولايات المتحدة الأميركية من نهايته مع قناعة محدودة لدى "وول ستريت" بأن الآفاق ستزدهر في أي وقت قريب.

عقب رسم مخطط للتعافي منذ أكتوبر الماضي في ظل تكهنات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يقترب من إنهاء عمليات رفع أسعار الفائدة الأكثر قوة منذ عقود، هبطت أسعار الأسهم على مدى الأسبوعين الماضيين وسط تجدد مشاعر القلق التي ترى أن السياسة النقدية الأكثر تشدداً ستخنق النمو الاقتصادي في النصف الأول من السنة المقبلة. خسر مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" ما يقرب من 20% خلال العام الجاري. وتلقت أسهم النمو الحساسة لأسعار الفائدة خسارة أكبر، ما هبط بمؤشر "ناسداك 100" بما يفوق 30%.

قال سام ستوفال، كبير محللي الاستثمار في شركة "سي إف أر أيه" (CFRA): "نتجه نحو ركود اقتصادي، لكنها ستكون قصة لها وجهان السنة المقبلة، أحدهما يرجح حدوث تحسن في سوق الأسهم خلال النصف الثاني". يتوقع "سام" أن يختبر مؤشر"ستاندرد أند بورز 500" مجدداً أدنى مستوياته التي تحققت بأكتوبر الماضي خلال النصف الأول من 2023، لكنه سيختتم السنة المقبلة عند 4575 نقطة تقريباً، بزيادة نسبتها 19% تقريباً عن إغلاق الجمعة الماضية.

الأسهم الأميركية تتكبد أكبر خسائر أسبوعية منذ سبتمبر

يتمثل السؤال الأساسي الذي تواجهه "وول ستريت" حالياً في مدى قرب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من إنهاء عمليات رفع أسعار الفائدة، وهي لحظة أسفرت عن تحقيق عائدات مضاعفة للأسهم على مر التاريخ.

سوق هبوطية

بالنسبة للوكا باوليني، كبير الخبراء الاستراتيجيين بشركة "بيكتيت أسيت مانجمنت" (Pictet Asset Management)، تتهيأ الظروف المالية الأكثر تشدداً لتحويل تركيز المستثمرين السنة المقبلة من التضخم في الولايات المتحدة نحو المخاطر التي يمثلها التباطؤ بالنمو الاقتصادي.

يرى "لوكا" اتجاهاً هبوطياً للأسهم الأميركية في غضون فترة تتراوح من الـ3 إلى الـ6 شهور المقبلة ويراقب 3 عوامل أساسية قد توقف هبوط السوق، وهي حدوث تراجع في تقديرات أرباح الشركات، ومنحنى عوائد سندات يتسم بحدة أكبر، وتقييمات أقل لأسعار الأسهم الأكثر حساسية للدورات الاقتصادية.

تباطؤ التضخم في أميركا يدعم الأسهم والسلع والعملات المشفرة

أضاف: "مازلنا نمر بسوق هبوطية، وذروة التضخم واضحة، لكننا نتوقع أن تكون الأسهم ضعيفة الأداء خلال السنة المقبلة. ربما يكون انخفاض التضخم بطيئاً ومؤلماً، وبالتأكيد لن يكون بالقوة الكافية بالنسبة للبنوك المركزية للانتقال من سياسة التشديد إلى التيسير النقدي. لهذا السبب لا نتوقع عمليات تقليص لأسعار الفائدة خلال العام المقبل. ويساورني القلق إزاء النمو الاقتصادي أكثر كثيراً من الشعور بالقلق حول معدلات التضخم في 2023".

بينما أخذ مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بالحسبان على الأقل حدوث تراجع محدود في الأرباح، فعلى الأرجح سيكبح صعود تكاليف الاقتراض وحالة عدم اليقين الاقتصادي المتواصلة المكاسب المحتملة بسوق الأسهم السنة المقبلة، بحسب نموذج القيمة العادلة الخاص بـ"بلومبرغ إنتليجنس".

مستوى القاع

رغم ذلك، يمثل موعد بلوغ سوق الأسهم القاع نقاشاً عنيفاً. ويوجد خطر متمثل في أن بقاء تقديرات الأرباح متفائلة للغاية. يفترض الهدف الإجمالي لمحللي الوساطة المالية على مدى 12 شهراً والذي يصل إلى 4498 نقطة لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" أن الأرباح ستزداد 4.3%، وهو ما يُعدّ أعلى بصورة صارخة من نموذج "بلومبرغ إنتلجينس" الذي يتوقع هبوطاً ضمنياً 2%.

هناك مؤشر آخر على التشاؤم، ممثل في أن خسارة العام الجاري أسفرت عن تحول توقعات الخبراء الاستراتيجيين بـ"وول ستريت" إلى السوق الهابطة لأول مرة منذ عقدين على الأقل، إذ يشير متوسط توقعات المحللين إلى تراجع بمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" في 2023. ورغم ذلك، يطمح مضاربو صعود الأسهم إلى أن تكون هذه إشارة متضاربة للأسهم وأن الاتجاه الهبوطي المفرط يشير إلى بلوغ السوق القاع.

تصريحات قادة الاحتياطي الفيدرالي تضرب الأسهم الأميركية

علاوة على ذلك، فإن التراجع الأخير لمعدل التضخم يقدم مبرراً للشعور بالتفاؤل. ومنذ 1950، سجل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" عوائد إجمالية بلغت 13% بالمتوسط على مدى 12 شهراً التي أعقبت بلوغ التضخم الـ13 ذروة الكبرى، بحسب جيم بولسن، كبير محللي الاستثمار في "ذا لوثولد غروب" (The Leuthold Group). وعبر الـ10 حالات التي تقدم فيها المؤشر خلال السنة بعد صعود هائل بمعدل التضخم، واصل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" تحقيق متوسط عائد إجمالي 22% خلال السنة التي أعقبت ذلك أيضاً، بحسب بيانات الشركة.

توقيت التعافي

رغم أن الأسهم بالأميركية، ستبدأ على الأرجح، في التعافي بوقت ما من 2023، فقد يحتاج الأمر ما يزيد على سنتين حتى يبلغ مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" أعلى مستوى شهده خلال يناير الماضي مرة ثانية، وفق "بلومبرغ إنتليجنس". في الواقع، فإن احتياج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة في مواجهة معدلات التضخم المرتفعة ربما يؤثر سلباً على الأرباح ويبقي على متوسط العائدات السنوية لمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" لـ5.7% للأعوام الـ3 المقبلة، بالمقارنة مع 12.7% خلال الفترة من 2010 إلى 2019، بحسب جينا مارتن آدامز، كبيرة الخبراء الاستراتيجيين بالأسهم لدى "بلومبرغ إنتلجينس".

يتوقع سيما شاه، كبير الخبراء الاستراتيجيين العالميين بإدارة الأصول الأساسية بشركة "برينسيبل أسيت مانجمنت" (Principal Asset Management)، أن السنة المقبلة ستبقى تشكّل تحدياً خاصاً بالنسبة لأسهم شركات التكنولوجيا، التي تهبط تقييماتها المرتفعة في ظل صعود تكاليف الاقتراض.

اختتم "شاه"، الذي يتوقع أن يقع الاقتصاد الأميركي تحت براثن ركود اقتصادي خلال النصف الثاني من 2023 قائلاً: "قطعاً، ستكون السنة المقبلة مليئة بالصعوبات، لكنها ستوفر بعض الفرص لمستثمري الأسهم، ومن المرجح ألا يستجيب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للتراجع الاقتصادي بأي تخفيف لسياسته. وبينما كان العام الجاري خاضعاً لضغط التقييمات، ستكون السنة المقبلة مرتبطة بتراجع الأرباح، لذلك نتوقع حدوث خسائر أكثر بسوق الأسهم".