تغير المناخ تصوير: أليكس وروبلوسكي / بلومبيرغ

كيف يسهم المزارعون المحليون في مكافحة التغيرات المناخية؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعدُّ الأشجار وسيلة مهمة لمواجهة التغير المناخي. نظراً لامتصاصها ثاني أكسيد الكربون من الجو، وتحسينها للتنوع البيولوجي، وزيادتها للمياه الجوفية. ووفقاً للعلماء، فإنَّ زراعة تريليون شجرة قد يخلِّص الأرض من ثلثي إجمالي الانبعاثات الكربونية.

ولهذا السبب بالتحديد، يحث المنتدى الاقتصادي العالمي، وعدد من الشخصيات المؤثرة على منصة "يوتيوب" على إطلاق برامج ضخمة لزراعة الأشجار في العالم.

وتتمثَّل المشكلة الوحيدة في ضعف معدل نجاح هذه البرامج غالباً، إذ ينتهي الأمر إلى عدم المحافظة على الأشجار المزروعة على قيد الحياة لتبلغ مرحلة النضج.

وبعد سنوات من التجارب، يعتقد "جون ليري" أنَّه وجد المكوِّن السحري لتعزيز نتائج برامج زراعة الأشجار، وهم برأيه، السكان المحليون.

ويشغل "ليري" منصب المدير التنفيذي لمؤسسة "تريز فور ذا فيوتشر"، غير الربحية التي تأسست عام 1989، ومقرها "سيلفر سبرينغ" بولاية ميريلاند. وكان الهدف وراء أول بضعة ملايين من الأشجار المزروعة من قبل "ليري" وفريقه، هو إعادة التشجير، وتحسين نسب الكربون، والحفاظ على الحياة البرية. غير أنَّ أقل من 5 % من الأشجار ظلَّت على قيد الحياة بسبب غياب الإشراف المحلي.

تدريب المزراعين

هذه النتيجة، قادت المؤسسة لتنظيم برنامج "فوريست جاردن أبروتش"، الذي من خلاله يتمُّ تدريب المزارعين لزراعة الأشجار لتحسين إنتاجية الأراضي. وبفضل هذا البرنامج، تقوم حالياً مؤسسة "تريز فور ذا فيوتشر" بزرع كلِّ شجرة مقابل أقل من 10 سنتات، مع مضاعفة أرباح السكان المحليين أربع مرات. وهو ما أنتج زيادة في معدلات بقاء الأشجار. وبدلاً من إطلاق الكربون من خلال استخدام تقنيات قديمة مثل القطع والحرق، أصبح بإمكان مزارعي الغابات المحليين أن يساهموا على مدار 20 عاماً، بالتخلُّص من 230 طناً من ثاني أكسيد الكربون لكل فدان.

ويتطلَّع مشروع "فوريست جاردن أبروتش" أولاً لجعل المزارعين الفقراء أكثر ثراءً، بدلاً من التركيز على عدد الأشجار المزروعة. وهو درس استفاده "ليري" من دوره السابق كمتطوع في برنامج "بيس كوربس" الأمريكي الذي يهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الخارج، ويقول "ليري": "تحتاج لإشراك السكان المحليين، وتصميم أي مشروع بحيث يستفيد منه المجتمع المحلي أيضاً ".

وحتى الآن، عمل "ليري" وفريقه مع المزارعين على 10 آلاف غابة مزروعة، التي يُقدَّر أنَّها تعزل 2.4 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون على مدى 20 عاماً، وذلك بمثابة سحب 25000 سيارة من الطرق الأمريكية. وقد ركَّزت هذه المشاريع حتى الآن بشكل شبه حصري على إفريقيا مع وجود مشاريع كبرى في السنغال، وكينيا، وتنزانيا. وتستهدف "تريز فو ذا فيوتشر" عادةً المناطق المتعثرة اقتصادياً في الدول الفقيرة، ومن ثم يقوم فريق "ليري" بتوظيف 100 مزارع محلي أو أكثر من المهتمين بتحسين مزارعهم لتدريبهم.

1500 شجرة

كذلك يوفِّر برنامج "تريز فور ذا فيوتشر"، الذي يمتد لأربع سنوات، مواد تعليمية مصممة خصيصاً لتناسب احتياجات المزارعين المحليين، وتقديم الدعم المستمر لهم، وتوفير البذور والشتلات لهم أيضاً. وخلال البرنامج، يتمُّ تعليم المزارعين كيفية بناء (سياج بيولوجي)، أي زراعة الأشجار على طول أطراف الأراضي الزراعية، لتشكِّل جداراً أخضراً يمنع حيوانات الرعي والغرباء من نهب المزرعة. كما تساعد الأشجار أيضاً في احتفاظ التربة بالماء داخلها بصورة أكبر.

وبحلول نهاية البرنامج، يمكن لكلِّ فدان من الأراضي الزراعية أن يزخر بإنتاج يصل إلى 1500 شجرة، مع العديد من منتجات المحاصيل التي يمكن أكلها أو بيعها.

تقليل الانبعاثات

ويعدُّ قيام المزارعين بزراعة نوع خاطئ من المحاصيل أحد أكثر الأسباب شيوعاً لتدهور الأراضي، ولذلك يساعدهم "ليري" في تعريفهم بالمحاصيل التي تزدهر. ويقول : "هناك محصولات رئيسية دمَّرت الريف في معظم الدول هنا (تزرع لأجل المكسب المادي السريع)، إنَّه الفول السوداني في السنغال، والذرة في كينيا، وتنزانيا."

يعلِّم "ليري" المزارعين الابتعاد عن الزراعة الأحادية التي تركِّز على زراعة محصول واحد، كما يعلمهم كيفية صناعة الأسمدة الخاصة بهم. وفي النهاية يكون لدى المزارعين شيء يبيعونه خلال كل شهور السنة، الأمر الذي يزيد من دخلهم المادي، ويزيد كمية المحاصيل المغذية في وجباتهم أيضاً.

ومن جهته يقول دومينيك سبراكلين، وهو أستاذ يدرس تفاعلات المحيط الحيوي والغلاف الجوي في جامعة "ليدز" بإنجلترا، وهو لم يعمل مع "تريز فور ذا فيوتشر" من قبل: "من الواضح أنَّ الحلَّ الرئيسي لتغيُّر المناخ يكون بتقليل انبعاثات الوقود الأحفوري. لكننا نحتاج أيضاً إلى (الانبعاثات السلبية)، وغرس الأشجار هو الطريقة الرئيسية التي يمكننا من خلالها تحقيق ذلك. ومن المهم حقاً أن يشارك السكان المحليون في أيِّ برنامج لزراعة الأشجار"

تطبيق جديد

وخلال 12 شهراً حتى يوليو 2019، قامت مجموعة "ليري" بالإشراف على ما يقرب من 6000 حديقة تحتوي على 11 مليون شجرة، وازدادت ميزانية المنظمة غير الربحية أيضاً. وتضاعفت المساهمات السنوية في "تريز فورذا فيوتشر" إلى 5 ملايين دولار في 2018 بالمقارنة مع إجمالي 2.5 مليون دولار في عام 2017، ويتوقَّع "ليري" جمع ما يصل إلى 8 ملايين دولار في عام 2020.

وفي حين يستمر اهتمام "ليرى" بالدول الأفريقية، فقد أطلقت "تريز فور ذا فيوتشر" تطبيقاً يمكن لأيِّ مزارع في العالم أن يقرأه، ويستفيد منه باللغتين الإنجليزية والفرنسية. ويتضمَّن التطبيق الخطوات اللازمة لتشييد حدائق مزروعة. وقد شهد التطبيق عدداً كبيراً من التحميل في الهند، وأستراليا، وزامبيا. ويضيف "ليري": "يمكن لأيِّ شخص لديه القليل من الخبرة في زراعة الحدائق أو الغابات أن يفهم ما نقوم به بسهولة كبيرة".