البنوك المركزية ستضطر إلى تغيير اتجاهها في 2023

تطبيق زيادات أقل على أسعار الفائدة واتباع التشديد الكمي سيكونان السمة المميزة للعام المقبل

جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وكريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي
جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وكريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي المصدر: غيتي إيمجز
Marcus Ashworth
Marcus Ashworth

Marcus Ashworth is a Bloomberg Opinion columnist covering European markets. He spent three decades in the banking industry, most recently as chief markets strategist at Haitong Securities in London.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ماذا نتوقع لعام 2023؟ سيحتاج صانعو السياسات إلى تخفيف حدة التشديد النقدي مع ظهور دلائل على أن الارتفاع الكبير في التضخم آخذ في التراجع، وتباطؤ النمو الاقتصادي. ويبدو أن المملكة المتحدة دخلت في ركود بالفعل، إلى جانب كثير من الدول الأوروبية. والسؤال الأهم لتوقعات عام 2023 الآن هو: هل ستعاني الولايات المتحدة من ركود هي الأخرى، ومتى قد يحدث ذلك؟

هناك الكثير من إشارات التحذير في هذا الصدد. والمؤشر الأكثر أهمية للعام المقبل يُرجّح أن يكون بيانات العمل الأميركية، التي ستحل محل إحصاءات التضخم باعتبارها الرقم الأكثر تأثيراً في تحركات السوق. وإذا تحول الاقتصاد الأميركي إلى الأسوأ؛ فقد نشهد تخفيضات مبكرة في أسعار الفائدة. وقد نجرؤ على الحلم بنهاية دورة رفع أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، في الوقت الذي تحتاج بقية دول العالم بشدة إلى توقف هذه الدورة. فحتى بنك اليابان، الذي كان آخر مدافع عن أسعار الفائدة السلبية، اضطر إلى التراجع عن موقفه.

منظمة التعاون الاقتصادي تدعو البنوك المركزية لرفع الفائدة

لسوء الحظ، سيظهر مصدر قلق جديد قد يؤدي إلى هبوط السوق، وهو: التشديد الكمي. توقف بنك إنجلترا عن إعادة شراء السندات التي استحق أجلها في مارس الماضي، وبدأ في نوفمبر ببيع سندات الخزانة البريطانية بشكل نشط من جديد في السوق. وعزز "الفيدرالي" التشديد الكمي الخامل الخاص به إلى ما يزيد عن تريليون دولار سنوياً. وبدوره، سيبدأ المركزي الأوروبي في خفض كومة السندات التي بحوزته البالغة 5 تريليونات يورو (ما يعادل 5.25 تريليون دولار) اعتباراً من مارس المقبل. وسيكون مدى تأثر السيولة العالمية من خفض جميع البنوك المركزية للتحفيز النقدي بشكل متزامن مشكلة أساسية تواجه الأسواق العام المقبل.

ماذا حدث في 2022؟

الابتعاد مجدداً عن أسعار الفائدة السلبية

بعد ما يزيد عن عقد من اقتراب أسعار الفائدة الرسمية من الصفر، أو حتى تطبيق معدلات سلبية، كان 2022 بالتأكيد العام الذي تحول فيه هذا الاتجاه مع ارتفاع معدل التضخم. وبعد توجيه بنك إنجلترا لسياسته النقدية بشكل خاطئ إلى حد ما، بدأ في رفع أسعار الفائدة خلال ديسمبر 2021. لكن الاحتياطي الفيدرالي أخذ زمام المبادرة بسرعة في تشديد السياسة النقدية. وحتى البنك المركزي الأوروبي أوقف أخيراً أسعار الفائدة السلبية على الإيداع هذا الصيف بعد تطبيقها طوال 8 سنوات.

المركزي الأوروبي يقلص وتيرة التشديد النقدي ويرفع الفائدة إلى 2%

أمسى تشبث البنوك المركزية بتطبيق سياسات التحفيز النقدي ما بعد الأزمة المالية -بما في ذلك التيسير الكمي- صفحة من الماضي في الوقت الحالي، على الأقل.

قوة الدولار تضر الآخرين

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا خلال فبراير الماضي وما نتج عنه من ضغط على أسعار الطاقة، تخارج المستثمرون بشكل متواصل من معظم فئات الأصول الرئيسية التي انهارت أسعارها لدرجة يصعب تجنبها. لكن شراء الدولار كان الاستثمار المجدي الوحيد. فجميع أسواق الدخل الثابت والأسهم تقريباً شهدت تراجعاً شديداً خلال العام. لكن اتخاذ البعض القرار الصحيح بالاستثمار في العملة الأميركية خفف عليهم حدة الضربة على الأقل. واستفاد الدولار من كونه ملاذاً آمناً أثناء الاضطرابات، وارتفع أيضاً بفضل قوة الاقتصاد الأميركي نسبياً مقارنة ببقية العالم.

زيادات أسعار الفائدة الأميركية تحولت لأسلحة

أصبحت الزيادات الأكبر على الإطلاق في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي السمة المميزة لهذا العام. أجبرت تلك الزيادات البنوك المركزية في الدول الأخرى على رفع أسعار الفائدة بشكل أكثر حدة -ليس فقط لمكافحة التضخم المتزايد- ولكن أيضاً للدفاع عن قيم عملاتها.

عصر الأموال السهلة انتهى.. ما الذي سيتغير؟

كما أن النهج الذي يرتكز على تتبع السياسة النقدية للولايات المتحدة -ممثلة في بنك الاحتياطي الفيدرالي- تسبب في الكثير من الضغوط؛ حيث انخفض اليورو إلى ما دون مستوى التكافؤ مقابل الدولار، والأمر نفسه تكرر مع الجنيه الإسترليني تقريباً. وتدخل بنك اليابان لدعم الين بعدما تراجع إلى أكثر من 150 يناً مقابل الدولار. ودفع هذا النهج الدول إلى دعم عملاتها برفع أسعار الفائدة طويلة الأجل. وفي الفترة الأخيرة من العام، أصبح تراجع الدولار عاملاً حاسماً في تحفيز ازدهار كل من السندات والأسهم، بعدما كان سبباً لتراجعهما خلال معظم العام تقريباً.

استقالة حكومة ترَس قد تنقذ بنك إنجلترا

لا يمكن إجراء أي تقييم لعام 2022 دون ذكر الأزمة التي أحاطت بسوق سندات الخزانة البريطانية. فتداعيات الميزانية المصغرة المشؤومة لوزير الخزانة كواسي كوارتنغ في أواخر سبتمبر الماضي كادت أن تتسبب في انهيار بنيوي لسوق السندات الحكومية البريطانية التي عانت لفترة طويلة.

توقعات الركود التضخمي تعزز انقسامات بنك إنجلترا بشأن الفائدة

كما أدى الإفراط في الاستدانة من قبل صناديق التقاعد التي تبحث عن طرق للتصدي للعوائد المنخفضة للغاية إلى تكوين مشكلة مؤجلة. قفزت عوائد السندات الحكومية البريطانية بسرعة كبيرة جداً، ما تسبب في أزمة سيولة مفاجئة، وأجبرت بنك إنجلترا على شراء السندات بشكل ممنهج. وخرجت بعض مؤسسات المملكة المتحدة من أزمتها بفضل تعزيز سمعتها، لكن الحكومة بقيادة ليز ترَس استمرت 44 يوماً فقط.

بنك إنجلترا.. أنبوب اختبار للمصارف المركزية الأخرى

يحاول البنك المركزي البريطاني مجدداً تقليص حيازاته من السندات التي اشتراها في فترة التيسير الكمي. وسيكون هذا النهج هو السمة المميزة لعام 2023. ويبدو أن بنك إنجلترا سيقود مسيرة التشديد الكمي بين المصارف المركزية، تماماً كما فعل في البداية عندما رفع أسعار الفائدة قبل نظرائه. هذا، إلى جانب مطالب الاقتراض الحكومية الضخمة الجديدة، والتي سينتج عنها أكبر صافي معروض للسندات الحكومية البريطانية في السنة المالية المقبلة.

الاقتراب من تغيير اتجاه أسعار الفائدة

يرسل الاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا إشارات على أننا شهدنا بالفعل آخر رفع في أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس. أما الاتجاه الذي يمكن أن يسير فيه مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي ما يزال أكثر غموضاً، لكنه سيتبع خطوات المصارف المركزية الأخرى على أي حال.

الدولار الأميركي